من منّا لا يذكر قصص "باسم" و"رباب" و"ميسون" و"مازن"، دجاجات "أم حمدان"، "المغامرون الخمسة" والعديد من القصص التي قرأناها في طفولتنا، وحملناها ذاكرة متقدة إلى يومنا هذا، كيف كانت هذه الشخصيات القصصية تعلمنا الأحرف والعمليات الحسابية وطرق التفكير، لكننا لم نفكر يوماً فيمن يرسم هذه الشخصيات.
أدب الأطفال وهاجس الكتابة وتطور أسلوب الكتابة مع تغير نمط الحياة كان موضوع لقاء أجراه موقع eSyria مع الدكتور "موفق أبو طوق" بتاريخ 28 حزيران 2009 وهو أحد الأدباء القلائل في محافظة "حماة" المختصين في أدب الأطفال، وكان لنا معه الحوار التالي:
** أكتب غالباً لأطفال المرحلة العمرية المتقدمة "الناشئة"، وأنا أخوض الآن تجربتي الجديدة في الكتابة لأطفال المرحلة الأولى ويعود التأخر في ذلك لكون القصص الموجهة لهذه المرحلة تعتبر الصورة جزءاً لا يتجزأ من القصة، فنشرت مجموعة قصصية بعنوان "هارون والبالون" من إصدار دار البابا بـ"حلب"، وهي مجموعة طبعت بعناية وجودة ومرفقة بصور ملونة كثيرة، وترجمت إلى اللغة الفرنسية والإنكليزية وتحوي المجموعة أربع قصص.
** الشرط الأساسي لتكون كاتب أطفال هو أن تكون طفلاً كبيراً تعيش بمشاعر الطفل حتى تستطيع أن تشعر بما يشعر به، عليك أن تتفهم طبيعة علاقاته، صدقه، وطريقة تفكيره كي تقدم قصصاً قريبة منه، لا أن تنطلق من برجك العاجي المتعالي، أسلوبك يجب أن يكون شائقاً، الجملة السابقة فيه تحفز الطفل لكي يقرأ الجملة اللاحقة، فتجذبه عبر المغامرة والإدهاش، وتجذبه إلى القضايا التي يحب أن يعرف نهايتها، وبالمقاربة اللغوية عليك أن تختار اللغة البسيطة المنتقاة من قاموس الطفل، وأن تكون الألفاظ مفهومة له، وقد نقصد أحياناً أن نأتي بكلمة غريبة تجعل الطفل يتساءل عن معناها.
** كلّ إنسان منّا في داخله طفل، سواء تواجد في ذكرياته أو في بعض تصرفاته وسلوكياته، وتكون هذه الجوانب ناميةً وملموسةً لدى كاتب أدب الأطفال، فأديب الأطفال يستمر في حياته وقراءاته موازياً لعالم الأطفال.
** المشكلة أن كثيراً من دور النشر تتعامل مع أسماء معروفة لكتّاب القصة الموجهة للكبار، اعتقاداً منها أنه من السهل لدى كاتب قصة معروف كتابة قصة أطفال، فنرى الكثير من المحاولات الفجّة والتي لا تتناسب والطفل، وطبعاً لا يخفى على الجميع الغرض التجاري.
** الشاعر الذي يكتب الشعر الحديث عليه أن يتعلم الشعر المقفى والموزون، بحيث يكون قوياً في الجنسين، كذلك أجد أن أيّ كاتب قصة للأطفال مؤهل لأن يكون كاتب قصة للكبار، بالنهاية نحن نتعامل مع أدب إنساني باختلاف المراحل العمرية، وأدب الأطفال من بينها هو أدب المستقبل، فبمقدار ما تكون البذور منتشة بقدر ما يكون النماء سليماً لدى الطفل، وبالرغم من ذلك تجد أدب الأطفال في مؤخرة الركب على أساس أنه أدب لا قيمة له، مع أن كتّاب قصة الطفل في سورية قد قطعوا مراحل جيدة على المستوى العربي، وبالرغم من ذلك فتكاد لا تجد منبراً لهم.
** نحن في جمعية أدب الأطفال لنا أصبوحات وأمسيات مع الأطفال، فنقرأ أمامهم قصصنا ونحاول أن نستمع إلى آرائهم، من خلال الأجواء الحوارية فنفهم ماذا يريد الطفل وطريقة تفكيره، وأحياناً أخرى أقرأ لأولادي وأحاول أن أستقرئ وجهة نظرهم، كما أن لنا قراءات أمام زملائنا في جمعية أدب الأطفال حتى إن هناك بعض الحالات التي يشتدّ بها النقاش ويصبح قاسياً ولكن كلّ هذه الأجواء تصب بالنهاية في مصلحة الطفل.
** نحن نقرأ للكبار القدماء في قصة الأطفال، غير أن أسلوبهم بات اليوم لا يناسب الزمن الحالي، بالرغم من أنهم حققوا فتحاً في أدب الأطفال في أيامهم، اليوم اختلف الأسلوب تبعاً لتغير اهتمامات الطفل وبيئته المحيطة وبات أسلوب الإدهاش والاستفهام والتشويق وحلّ العقدة هو مطلب في القصة المعاصرة للطفل، التطور حصل في أسلوب الكتابة وصيغة الكتابة والألفاظ المنتقاة.
** في الواقع إن أدب الأطفال هو أدب محدث من حيث انفصاله كجنس أدبي استحق الاستقلالية، وله ميزات وشروط أدبية، وهو شيء لم يكن موجوداً في السابق، وبالرغم من وجود الموروث في أدب الطفل إلا أن وجوده كأدب منفصل له مقوماته حدّ من ظاهرة الخلود، ولكنّي أدّعي أن توافر المعايير والشروط الفنية هي التي تدعم خلود النصّ، فلو توفرت هذه الشروط بشكل متكامل، فلم لا تصبح مسألة الخلود واردة للنص؟، ولو بعد عشرات السنوات، من الممكن أن يتطور أدب الأطفال ونشهد فتحاً جديداً في السنوات القادمة ولكن تبقى مسألة استكمال الشروط الفنية هي المسألة التي تتحكم بخلود النصّ.
** كان القصد من تعييني في لجنة تعديل المناهج المدرسية هي محاولة التعديل نحو المعلومة الطبية، وكنت مسؤولاً عن كل معلومة تقدم للطفل بما يخص الأسنان، ولم يوافق القائمون على الأسلوب الذي وضعته، فلم أكمل مع اللجنة، أعتقد أن مناهج المدرسة الحالية غير مناسبة للطفل، فليس المهم حشد المعلومات في عقله، بل المهم أن يفهمها حين تدخل في ذخيرته الفكرية، وأحد عيوب المناهج الحالية هي عدم وجود كوادر تدريسية قادرة على نقل هذا الحشد من المعلومات إلى الطفل، التربية لا تكون فقط في التدريس، بل أيضاً بالعناية بالمواهب والنشاطات، وما أراه الآن أن كثيراً من مواد الأنشطة قد ألغيت أو قلّصت من المناهج التي تعنى بالرياضة والأشغال اليدوية لتحل مكانها لغات جديدة وعلوم جديدة على حساب المعلومات التي تميز المواهب، فالقائمون على المناهج مصرّون على أسلوبهم، ووضع التدريس يميل إلى التقهقر، والدروس الخصوصية تنتشر بسرعة الضوء، يجب على وزارة التربية أن تعيد النظر بالمناهج نحو البساطة والمعلومة الواضحة وعدم التكثيف، وأن يتلقى الطفل المعلومة من المدرسة ليس من أماكن أخرى.
من الجدير ذكره أن الدكتور "موفق أبو طوق" من مواليد "حماة" عام 1950، يحمل إجازة في طب الأسنان وجراحتها من جامعة دمشق، عضو في جمعية "أدب الطفل" في اتحاد الكتّاب العرب وله 8 مجموعات مطبوعة ومثلها تحت الطبع.