«يا شعر... أنت نشيد روحي... حين أصبو للحياة الطاهرة... لولاك مت بلوعتي... يا شعر... فاصدح للنفوس الحائرة... واعزف على وتر الحياة... مشاعري... والأمنيات... الساحرة».
هذه الكلمات الصادقة والمعبرة هي التي اختارها الشاعر "رضوان الحزواني" لتكون افتتاحية أول ديوان طبع له والذي كان بعنوان "على المرفأ"، فهو يعتبر أن الشعر نبض الروح، وهو كالحب الذي يبتلي به الإنسان فلا يعرف طريقاً للخروج منه، ويراه همه الأول والأخير ومقصد بحثه، ويشعر بالعذاب حين يبتعد عنه.
eSyria زار الشاعر "رضوان الحزواني" في بيته في 31 آب 2009وأجرى معه الحوار الآتي:
** الشعر متنفس للإنسان، يستطيع من خلاله أن يعبر عن مشاعره وعواطفه، ونحن العرب أمة شاعرة لا تتخلى أبداً عن شعرها، وأصدق قول في هذا المجال قول النبي: (لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين)، والشعر هو حديث الروح والقلب، فهل يقدر الإنسان أن يتخلى عن روحه!
** أنا أقول لك نعم، الشعر يموت إذا مات الإنسان، وما دام الإنسان حياً في مجالاته وإبداعاته ومخيلته، فالشعر سيستمر ولن تحل بمكانته أي وسيلة مهما تطورت، فمنذ الجاهلية والشعر يقال، والحياة ما زالت في تطور مستمر ورغم ذلك نجد شعراء صادقين معبرين قادرين أن يرتقوا بالشعر إلى مكانته التي ينبغي أن يكون فيها.
** مر زمان على الشعر فيه تحتفل القبائل العربية القديمة إذا نبغ فيهم شاعر، ومر زمان أصبح الشعر أداة للدفاع عن القبيلة وعن الأمة وعن العقيدة، ثم مر زمان أصبح الشعر مدحاً للملوك والسلاطين والأمراء، ومر زمان على الشعر أصابه الجمود وأخذ يتمسك بالقشور والمحسنات اللفظية، وفي عصرنا هذا عادت للشعر مكانته وعادت للشاعر وظيفته، فالشاعر ابن هذا المجتمع ولا يستطيع التخلي عنه، فهو يتناول القضايا القومية والنضال، وفي الوقت نفسه لا يتخلى عن المشاعر الوجدانية الذاتية والعواطف الفردية، فهناك شعر يتمسك بالجذور وبمقومات الأمة العربية وبمقومات الشعر الأصيلة، وهناك شعر حديث.
** الحداثة في موضوعنا ليست براقعاً وليست قشوراً وإبهاماً وغموضاً، فقد فهمها الكثيرون من شعراء هذا العصر بأنها خروج عن النهج العربي للقصيدة، وخروج عن عمود القصيدة العربية، لكني أقول أن الحداثة هي أن تتناول قضية حديثة معاصرة بأسلوب معاصر وحديث، وبأسلوبك أنت لا بأسلوب الآخرين.
** نحن من خلال الشعر نتعرف على القضايا التي مرت على الأمة العربية، ففي العصر الجاهلي كان التاريخ يدون خلال أشعار العرب، فنتعرف على حياتهم وعلى طبيعتهم والحوادث التي مروا بها، ونحن إذا اطلعنا على التاريخ تعرفنا على الشعر العربي، وإذا اطلعنا على الشعر تعرفنا على تاريخ العرب، فكل المعارك التي مرت على الأمة العربية من "مؤتى" و"حطين" و"اليرموك" وغيرها...، كانت المعركة تبدأ بالشعر، والشعراء كانوا يقفون ويحمسون الجنود ويشجعونهم ثم يدخلون المعركة، ومن هنا نجد أن الشعر كان رديف السيف، ولا عجب أن ترى الشعر في أيامنا هذه هو رفيق الرصاصة المقاتلة، ولا غرابة أن نجد أن الشعر يعالج قضايا العروبة، فالشعر لازال ديوانا لتاريخ العرب.
** أنا نلت الثانوية العامة في "حمص"، ونلت إجازة في اللغة العربية من جامعة "حلب" ثم درست في العديد من ثانوياتها، ثم انتقلت إلى "السعودية" وبقيت عدداً من السنين هناك، فمعظم شبابي قضيته بعيدا عن "حماة" التي أنتمي لها، فلا غرابة أن تجد فيها الحنين ما دمنا متعلقين بأرضنا وبوطننا وبمدينتنا، وهذا طبيعي عند كل إنسان.
** كثير من النقاد يقولون بأن الشاعر في حياته يكتب قصيدة واحدة، فلكل شاعر خصائص ومميزات وأسلوب يختاره قالباً لنفسه، وما دام هذا الشاعر يتمسك بأصالته ويتحدث بصدق ستجد كل قصائده منذ بداياته حتى آخر قصيدة نظمها تتسم بهذا الطابع الواحد، والشعر ما دام صادقاً سيكتب له الخلود، وأنا أغلب شعري عمودي، وهذا لا يعني تعصبي للشعر العمودي، فلدي العديد من الكتابات بالأسلوب الحديث وحصدت بالأسلوبين جوائز كبيرة على مستوى سورية، كقصيدة "ليالي الأميرة شهناز" وكذلك "رسالة من البحتري إلى أبي تمام الطائي" وفيها حصلت على المركز الأول في جائزة "البحتري".
** الجائزة بحد ذاتها ليست هدفاً للشاعر، إنما تكون رمزاً للشاعر تشجعه على قول الشعر، وتظهر أنه ما زال هناك أناس يهتمون بالشعر، وأمتنا أمة شعر والناس من غير الممكن أن يتخلوا عنه، ولعل الأمة العربية هي الأولى في قول الشعر.
** "حماة" ذات جو شاعري وطابع أندلسي، ونحن نعرف بأن الأندلسيون بشكل عام إذا وصفوا الطبيعة تغزلوا، وإذا تغزلوا وصفوا الطبيعة، فالطبيعة تؤثر في الشعر، ولا غرابة أن نقول أن "حماة" أثرت في شعري، فأنين النواعير وخرير المياه إذا أصغيت إليه تحسبه شعراً، فنحن تلقينا الشعر من هذه النواحي، وفي الحقيقة في "حماة" كوكبة من الشعر الأصيل، تتميز عن باقي المحافظات أنها تتمسك بالأصالة وبالشعر النبيل والحقيقي الذي يعبر بصدق عن الأحاسيس والمشاعر، ويتناول القضايا بصدق وعاطفة صادقة تبتعد عن البذل والمداهنة، فالشعر في "حماة" أصيل وشعراؤها كثيرون جداً نعتز بهم ونعدهم ذروة في الشعر العربي الأصيل ليس على المستوى الداخلي فحسب بل على مستوى الأمة العربية قاطبة.
** المسابقات أمر ضروري جداً لاستمرار الشعر، ووجودها يثبت مكانة الشعر في الأمة، وهي تفتح المجال أمام طائفة كبيرة من الشعراء الجدد الشباب، لأن الشعر لا يقتصر على جيل واحد، وتشد من أزرهم، وأنا لولا المسابقات لما استمريت في كتابة الشعر، وهي تقليد منذ عصر الجاهلية حيث كانت تقام أسواق للشعراء مثل "سوق عكاظ"، ورغم أنها موجودة في كل المحافظات إلا أنها قليلة، ومنذ سنتين أقيمت مسابقة شعرية سميت "مسابقة أبي الفداء للشعر" أين هي الآن؟ فقد أوقفت، وما ينجز من مسابقات حالياً يتم بجهد شخصي من بعض الناس كـ"نقابة الأطباء" التي أسست جائزة "وجيه البارودي"، وأتمنى من المسؤولين أن يتبنوا المسابقات بشكل شخصي.
ومما يذكر أن الأستاذ "رضوان الحزواني" من مواليد مدينة "حماة" (1948)، ومدرس للغة العربية في عدد من ثانوياتها، له العديد من الدواوين منها "على المرفأ" و"عنترة وبوابات الشمس" و"ليالي الأميرة شهناز" و"سيدة النخيل". وله مخطوطتان الأولى بعنوان "أنفاس الخزامى" والثانية للأطفال بعنوان "حكاية سماء"، وهو عضو باتحاد الكتاب العرب منذ ست سنوات، فاز بالعديد من المسابقات الشعرية كـ"مسابقة البحتري" في "منبج" ومنذ عامين فاز بجائزة في محافظة "القنيطرة" وغيرها العديد.
وهذا بعض من قصيدة "جناح وجذور" قالها بعد رفضه فرصة عمل مغرية في الخليج لكي لا يبتعد عن "حماة" وعن أولاده:
بلدي يا حماة، يا آية التاريخ يا سفر عزة..... وجهاد
لن أجافيك، بل سأبقي أروي فلذات القلوب والأكباد
لن يريم الجناح عنك وهذا ريشه منك، يا لبيض الاياد
أنا ذاك الصفصاف مد جذورا في ثرى ضفة وأضلع واد
وأماني إن تعز الأماني أن تضمي الرفاة بعد الرقاد