«صور من التراب الأرضي الذي جبلني إنساناً أتنقل من متراس إلى متراس، أحضر الندوات وأقرأ المجلات والصحف الأدبية وسواها، منقلاً خطاي بين وادي العاصي المسكون بشياطين الشعر والأساطير وشوارع بيروت وتلال جبال لبنان المكتظة بالأحلام وأشجار الصنوبر والبشر، محاولاً امتلاك أدوات أعبر من خلالها عن الإنسان الطفل، بما ملكت يداي الصغيرتان من نَدّ وبخور».
بهذه الكلمات بدأ الأديب والشاعر الدكتور "راتب سكر" حديثه لموقع "eSyria" عندما التقاه مساء يوم الجمعة 11/9/2009 بمنزله بحيّ "المدينة-كورنيش باب النهر" حيث أضاف عن علاقته بالأدب والشعر قائلاً: «الينابيع الأولى التي ينهل منها الإنسان لينطلق إلى عالم الأدب هي ينابيع اجتماعية ترتبط بالبيئة بالمقام الأول، حيث يتلقى الإنسان المعارف من ذويه، ومن أصدقائه، ومن معلميه، ثم ينطلق من هذا العالم ليكون بداية صِلة بالأدب، لأن الأدب لا يقوم على فراغ. من هنا باختصار نشأت علاقتي بالأدب والشعر».
الينابيع الأولى التي ينهل منها الإنسان لينطلق إلى عالم الأدب هي ينابيع اجتماعية ترتبط بالبيئة بالمقام الأول، حيث يتلقى الإنسان المعارف من ذويه، ومن أصدقائه، ومن معلميه، ثم ينطلق من هذا العالم ليكون بداية صِلة بالأدب، لأن الأدب لا يقوم على فراغ. من هنا باختصار نشأت علاقتي بالأدب والشعر
وعن نظرته الجمالية في الفن قال: «موقفي الجمالي من الظواهر الأدبية والاجتماعية يمكن أن يتركز تأثيره في هذا المجال من خلال التربة التي غرس قيمها في نفسي "والدي" الذي كان يعمل "نحاتاً" على مستوى صلتي بالوجود والعالم، فيرتبط (الجمالي) في وجداني (بالموقف) الإنساني والاجتماعي والوطني، لذلك تحولت هذه التفاصيل الصغيرة التي حدثني عنها "الوالد"، وشكلت رؤيتي الجمالية، إنها ترتبط بالجميل، فالجميل عندي هو ما يرتبط بهذه التفاصيل الجمالية الفلسفية».
وعن دور دراسته الفلسفية والاجتماعية في تعميق رؤيته كشاعر تحدث قائلاً: «دراستي للفلسفة ترافقت بالوقت نفسه مع دراسة الأدب العربي قسم اللغة العربية وآدابها، لقرب الفلسفة من الأدب، وكنت أشعر بالأسئلة الفلسفية الأولى التي تتردد في نفسي، هكذا بدأت رؤيتي للعالم، ومن الأسئلة التي كانت تشغل بالي في تلك المرحلة من العمر وتؤثر في تكويني (أسئلة التغير)، لماذا يصطدم الإنسان بالتغير؟ ألا يمكن أن نجد حياة ثابتة بلا تغيرات؟ لماذا تتغير عواطف الأصدقاء نحونا؟ لماذا نخسر الصديق؟ رغم محبتنا، أين يكمن السبب؟ هل في ذواتنا أم في الحياة؟ لماذا تتغير الفتاة التي أحببناها ذات يوم ووعدتنا بالمودة وبعد حين تتغير؟ لماذا دائماً الناس يصطدمون بأن الحياة تتغير من حولهم؟ حتى في الأدب تتغير أساليب الكتابة، تتغير المفاهيم، نحن نريد أن نكتب مثل "جبران خليل جبران" في "أجنحته المتكسرة"، ولكن نلاحظ أن أساليب الكتابة قد تغيرت من حولنا ونحن لا نستطيع أن نكتب كما كتب "جبران"، علينا أن نبحث عن أساليب كتابية جديدة، لماذا؟ لماذا يحدث كل هذا من حولنا نريد أجوبة على كل هذه التساؤلات تارة يخيل إلينا أن باستطاعتنا العثور على الأجوبة، سواء في الدراسات الأكاديمية أو النقدية أو التأملات ويبدو لنا أننا نبحث عبثاً عن أجوبة، لأن الكون لغز وسيظل التغيير مؤرقاً لوجدان كل واحد منا. لذا من هنا كان الشعر سائلاً ومجيباً».
عن سؤالنا هل كان الشعر ملاذاً استطاع الإجابة على تساؤلات الدكتور "راتب"، أم أن الشعر كان مدعاة للغربة والاغتراب؟ أجاب قائلاً: «الشعر سلاح ذو حدين، فقد كان ملاذاً وعربة تنقلنا إلى غربة جديدة، بالشعر عندما نعيد رسم العالم كما يحلو لنا، نحمي أنفسنا مما يجرحنا في وجودنا اليومي، إننا نهزم ما يؤرقنا عندما نعيد رسم العالم بالشعر، ولكن ما إن نرسم العالم من جديد بالكلمات حتى نصطدم بأننا أمام عالم جديد، يثير أمامنا أسئلة إلى طريق جديدة لها عذاباتها فنقع في جراحات جديدة، وآلام جديدة. وبين المعاناة الأولى للشعر الملاذ والآلام الجديدة للشعر الجارح، تستمر رحلتنا في الحياة، مراحل شعرية».
وعن المراحل الشعرية التي مرّ بها حدثنا قائلاً: «بداية كتبت محاكياً النصوص المدرسية، حاكيت قصيدة "الأعشى" ومعلقته، ثم أحببت "المتنبي". وعندما شغلتني "الفلسفة"، ارتبطت بقصيدة "النثر"، وكنت أرى أن كتابة قصيدة "النثر" هي شكل أدبي من أشكال إعلان العصيان والتمرد على عالم أعاني من صدوده، لذلك نشرت مجموعتي الشعرية الأولى (وجهك وضاح، ثغرك باسم)، متأثراً بجو قصيدة النثر، والعودة إلى مثل هذا التمرد الذي لم يقطع جذوره ولم ينسف الجسور مع الماضي، هو جسر جديد إلى أدب من شكل جديد ومن هنا بدت مجموعتي الشعرية الجديدة (أبي ينحت الحجر) أكثر اقتراباً من موقع قصيدة التفعيلة وهي تنتمي إلى جيلي من حيث صلته بالشكل والمضمون والمواقف، جيلنا يعيد اليوم الأسئلة نفسها التي طرحها شعراء ومفكرو بداية القرن العشرين بعد مئة عام نعيد نحن عبر إبداعنا الأسئلة ذاتها، هل المجتمع العربي يحمل صخرة سيزيف ليعيد آلاف المحاولات بلا جدوى للصعود إلى القمة».
وعن تأثير أدبنا بالأدب العالمي، قال: «أثر أدبنا العربي كما أثرت حضارتنا العربية في أعمال المثقفين الغربيين، فالثقافة الأوروبية في العصور الوسطى تأثرت بدورها بالتراث العربي، ونهل التيار الرومانسي في نشوئه وتطوره من ينابيع ذلك التراث، فجاءت الأشكال والمضامين الأدبية التي قدمها الرومانسيون الأوروبيون في النصف الأول من القرن التاسع عشر تحمل في كثير من صيغها تجليات التفاعل مع الثقافات المختلفة وفي طليعتها الثقافة العربية.. ولم يكن تأثر الأوروبيين بثقافتنا عبر قراءاتهم للترجمات العربية إلى آدابهم.. فقد كان قسم كبير منهم على تماس بثقافتنا وحضارتنا.. خذ (لامارتين).. جاء إلى الشرق وعاش في لبنان.. (رامبو) جاء إلى اليمن.. و(غوته) كذلك.. تأثر هؤلاء بأدبنا ونحن كذلك تأثرنا بأدبهم.. ولمسنا فيهم شيئاً من هويتنا وذاتنا».
وعن اهتمامه بالترجمة من وإلى العربية حدثنا قائلاً: «أترجم عن الفرنسية والروسية، من الفرنسية أترجم لمجموعة من الشعراء الفرنسيين، ومنهم "جاك بريفر"، الذي أحب شعره. ومن كتبي المترجمة كتاب المستشرقة الروسية "سفيتلانا براجوكينا" باسم "حدود العصور حدود الثقافات"، وقد قمت بترجمته بالاشتراك مع صديقي الدكتور "ممدوح أبو الوي"، هو دراسة في الأدب "المغربي" المكتوب "بالفرنسية"، حيث ترى الباحثة أن كتابنا في "المغرب العربي الكبير" "تونس" و"الجزائر" و"المغرب"، هؤلاء الكتاب الذين كتبوا "بالفرنسية" هم أدباء "عرب"، كتبوا أدباً "عربياً" "بالفرنسية"، لأن هذا الأدب المكتوب "بالفرنسية" يحمل بذوراً لانتماء "العرب" في "المغرب"، وفيه هوية الانتماء إلى "المجتمع العربي"، سوى أنه كُتب بلغة أجنبية».
الجدير بالذكر أن الدكتور "راتب سكر" ولد في "حماة" عام /1953/.
إجازة في علم الاجتماع من جامعة "دمشق" دكتوراه في "الأدب المقارن"
أستاذ مساعد في كلية الآداب "بجامعة البعث".
إجازة في "اللغة العربية" وآدابها من الجامعة "اللبنانية".
عضو "اتحاد الكتاب العرب".
مؤلفاته:
1 - وجهك وضاح ثغرك باسم- مجموعة شعرية- مؤسسة شام للدراسات والنشر – "دمشق" 1984
2 - أبي ينحت الحجر- مجموعة شعرية - اتحاد الكتاب العرب "دمشق" 1994.
3 - حدود العصور حدود الثقافات - دراسة مقارنة في الادب المغربي المكتوب "بالفرنسية" للمستشرقة "س.ف. براجوكينا"- ترجمة بالمشاركة - اتحاد الكتاب العرب- "دمشق" 1995.
4 - في حضرة العاصي - مجموعة شعرية- اتحاد الكتاب العرب "دمشق" 1996.