في كتاباته كشاعر تذهب معه بعيداً لا تدري إلى أين سيأخذك هذا الشاعر وكأنه يرسم الأرض بكتاباته فتشرئب أصابع الجلنار مؤججة فتات الهمس المنسي في الأعماق فتفترش أرصفة المعاني لوحة من الزمن طابعة التاريخ على وجنة الأيام المقبلة ليدفع بالحزن المبطن بين سطور صفحات الذاكرة.
موقع eSyria التقى "سري حاتم كحيل" في بيته في قرية "تلدرة" وكان معه الحوار التالي:
عندما أقرأ كتاباته أشعر بأنه يكتبني دون أن يدري فهو يعيد الذاكرة إلى ماضيها ليأتي بما هو أعمق من ذلك بكثير
** إن شغفي للمطالعة وحب المعرفة خلال فترة الطفولة كوّن لدي مخزوناً لا بأس به من المعرفة والكتابة مرهونة بالإلهام والظروف النابعة من الواقع المعاش، حيث بدأت أكتب بشكل سري لمدة خمس سنوات ثم قمت بنشر أول قصيدة في صحيفة الفداء الرسمية، ومن ثم في عدد من الجرائد الرسمية والصحف الإلكترونية حيث اتخذت لنفسي منحى وأسلوباً خاصاً في كتابة الخواطر فلم أتأثر بأي كاتب رغم قراءاتي المتعددة للأدب إلا أن كتاباتي تمثل بنات أفكاري، والفضل يعود لخالي الشاعر "زينو زينو" فقد علمني الشعر الموزون والبحور، فكانت أول قصيدة كتبتها بإشرافه بعنوان (نفحة حب) على الشعر المقفى:
وللعينين في العشق لغات/ كما الأنغام و الشعر الجميلُ
إذا اشتعل الغرام بقلب صب/ فما في الأرض شيء مستحيل
** بالنسبة للشعر كتبت المقفى وأغلب القصائد على البحر الوافر وكنت مقلاً على اعتبار أني كتبتها في المرحلة الثانوية بشكل متنوع من الغزل إلى الرثاء إلى غير ذلك قياساً للخواطر التي كانت شغلي الشاغل والتي ابتدعت فيها أسلوباً مختلفاً من خلال دمج القصة مع الخاطرة في لوحة فلسفية تحمل عبارات معقدة المعاني نوعاً ما بحيث تستقطب جميع الميول شأنها شأن الفن التشكيلي وهو ما يسمى أدب الأدب.
فيما بعد كتبت الشعر الحديث والنثري إضافة إلى القصة القصيرة وأنا الآن بصدد كتابة رواية ستصدر قريباً.
** الكتابة لدي تمثل أحاسيسي ومشاعري الشخصية، وفي جميع خواطري لم أتكلم مع إنسان محدد بل أحاكي جميع ما يحيط بي بإسلوب خاص مانحاً الأشياء الروح والحركة أو ممكن أن أعبر عن قصة أو حادثة مرت في حياتي بإسلوبي الأدبي حتى أبتعد عن مشكلتي الشخصية وأعممها لأصل لفكرة معينة وأنقلها للناس، هناك الكثير من الأشخاص نتيجة ظروفهم القاسية لم يتسن لهم التعبير عن مشاعرهم وأحزانهم فنحن دورنا ككتاب التعبير عن الشريحة المقهورة وسط هذا الظلام حتى لا تظل حبيسة التعبير، وأحياناً الكتابة وحدها لا تفي بالغرض فهناك الصمت أبلغ من الكلام في بعض الأحيان كي لا تظلم النفوس الأبية، ومثالاً على ذلك فمنذ بدأت الكتابة لم أتجرأ على ذكر الأمهات في كتاباتي لأني أملك إحساساً بأن الكلمات مهما تعاظمت معانيها لا تفيها حقها وهذا رأي شخصي فأمي ما زلت أهديها الصمت لأنها أعلى من الكلمات وأبلغ من الوصف.
** المتعارف عليه أن الصمت هو الموافقة والإيجاب، وهذا الكلام ليس دقيقاً بالمعنى العام، فهو يأتي لحالة مبالغ بها تجاوزت حد الكلمات فمن شدة انبهارك بالأمور يتجمد قلمك فهو من أسمى معاني التعبير وأشدها بلاغة.
** الشعر بحاجة لإلهام وحالة لحظية معينة نابعة من إحساس مرهف والشعراء الشباب عموماً يملكون طاقات كامنة متفاوتة ترفد الفن والقصة والشعر العربي بإبداع خلاق لكنهم ما زالوا ضحية ظروف صعبة تبعاً لسوء الظروف المادية أحياناً أو لظروف خاصة لا يمكن تعميمها والأهم من ذلك عدم وجود جهة متخصصة تنمي مواهبهم العظيمة، المعروف لدى المبدعين أن الفقر يولـّد فكراً لكن في بعض الأحيان يخلق فقراً، فنجدهم متقوقعين بين الأمل وحلم الهروب إلى الخارج.
كذلك أصدقاء الشاعر يحدثوننا قائلين:
أولهم "علي المسلخ" النشيط على الصعيد المسرحي يقول: «يمتلك "سري" الجملة المباغتة وخصوبة أفقه موطن رحب يحلق فيه مع قرائه، مد جسوره إلى الآخرين حبراً أحمرَ انطلق من فوهة القلم واستقر في جسد الورقة البيضاء».
الأستاذ "اسماعيل خليل" يقول: «إن كتابات "سري" موغله في الرمزية يعتمد على العبارات المعقدة الجميلة التي تحتمل عدة أوجه تبعاً لخلفية القارىء الثقافية فهي كزهرة ياسمين رقيقة تنعكس على صفحة ماء في فصل الربيع و كلٌِ يراها بإسلوبه الخاص».
أما صديقه "سامر الحوراني" يقول: «تميل كتابات "سري" إلى الوجدانية بالتعبير وخاصة بخواطره الشعرية، ومع ذلك ورغم جمال كتاباته إلا أنك وأنت تقرأ كتاباته تشعر كم هو عميق ومطعون هذا الشاعر».
كذلك صديقه "إيهاب جبر" قال: «"سري" يقوم على إظهار التفاصيل والتنقل بالأحداث وهي من أهم ما يميز القصة ولكن عندما تندمج مع الخاطرة يظهر لنا اسلوب مميز لشاعر مميز».
أما صديقه السيد "نوفل أمين" يقول: «عندما أقرأ كتاباته أشعر بأنه يكتبني دون أن يدري فهو يعيد الذاكرة إلى ماضيها ليأتي بما هو أعمق من ذلك بكثير».
ونقدم مقتطفات من خواطره بعنوان "لوحة من الزمن" يقول:
«قرب ذاك الحائط البارد/ كان ينتظر مبللاً/ حائر النظرات/ مشتت الأفكار رغم ابتسامته الواضحة المعالم/ كان أشبه بلوحة تعبيرية اختلطت خطوطها فبات اللغز المختبئ خلف أسوار ألوانها يعكس تاريخ مبدعها/ لم يعتد الانقياد إلى غضبه الدفين في لحظات اليأس من مواقف الحياة الكثيرة/ كان يهوى المفاجآت التي قلما تحاكي أمنياته رغم براءة روحه».
«عندما تجور الأيام على حساب أوقات سعادتنا/ نسعى لملء فراغات الحظوظ العاثرة بين طيات الزمن بالأمل المقيد/ الأسير/ العائم على سطح المستحيل/ فنتمسك بحبائل الهواء كي لا نسقط في فجوة الفشل المحدق خلف أبواب اليأس التي لا نعلم متى تفتح مصراعيها على نفوسنا الساكنة».
والجدير بالذكر أن الشاعر "سري كحيل" من مواليد مدينة بلدة "تلدرة" لعام /1982/، خريج كلية الحقوق جامعة "دمشق" ويعمل في سلك المحاماة منذ أربع سنوات، وهو من مراسلي جريدة "الفداء" التي تصدر من محافظة "حماه" فيما مضى وفي عام 2000 كان رائداً على مستوى القطر في مجال الشعر.