أدب الأطفال وثقافة الطفل مهمة اجتماعية تحمل في ثناياها ثقافة المجتمع في النهاية، لأن هذا الطفل يتم إعداده ليكون عنصراً مساهماً، وحيوياً في بناء المستقبل، لذا لانستطيع عزل ثقافة الصغار عن ثقافة الكبار فكلاهما يشكلان ثقافة واحدة.
مدونة وطن eSyria زارت المربي والأديب القاص "نزار نجار" في منزله بحيّ "البرناوي"، مساء يوم السبت التاسع من شهر كانون الثاني عام 2010، بعد عودته من زيارة عمل إلى جمهورية مصر العربية، للحوار بدراسته عن تطوير أدب الأطفال، وصورة الطفل في الأدب العربي السوري، مع "المعهد الفرنسي" المتخصص بأدب الأطفال، عن هذه الزيارة حدثنا قائلا: «أعددت دراسة عن تطوير أدب الأطفال، وضمنتها صورة الطفل في الأدب العربي السوري، وقد اطلع المعنيون في المعهد على الدراسة، وتم توجيه دعوى ليّ للحوار والمناقشة بالأفكار التي تضمنتها هذه الدراسة، وأخذ موافقتي على ترجمتها للغتين الانكليزية، والفرنسية، مع مختصين في هذا الميدان في المعهد المركزي في مدينة "الإسكندرية"، وقد حققت النجاح».
نحن بحاجة مستمرة لإعادة النظر من أجل إدخال أشياء جديدة وحديثة على أدب الأطفال، وتحديث مساره لتحقيق الفائدة والصورة الأمثل والأفضل
وعن كيفية تطوير أدب الأطفال بحسب ما يرى، أجاب قائلاً: «لابد أن يكون للأطفال ثقافة عميقة وأصيلة تغوص في التراث، مع فتح النوافذ على العصر، لمواكبة مستجداته من دون انبهار، لأنهم ينتمون لبلد وأمة وتاريخ، دون إغفال الأثر الايجابي للأطفال، فهم يسعون إلى تثقيف ذواتهم والارتقاء بمعارفهم وفق مقتضيات العصر ومعطياته».
وأضاف موضحاً ضرورة إعادة النظر في أدب الأطفال، فقال: «نحن بحاجة مستمرة لإعادة النظر من أجل إدخال أشياء جديدة وحديثة على أدب الأطفال، وتحديث مساره لتحقيق الفائدة والصورة الأمثل والأفضل».
وأضاف بالقول: «هذا التطوير وإعادة النظر يجب أن تكون على كل مستوى وفي كل الفنون والأجناس، وكيف نوصل إبداعات الكتاب ونصوصهم الإبداعية الشعرية والقصصية والمسرحية ونفتش عن السمات الفنية والشكلية القادرة على جذبهم لهذه النصوص الإبداعية».
وعن هذه المحفزات، والمرغبات، أفادنا بالقول: «هناك مرغبات كثيرة يلتصق الأطفال بها ويحرصون على اقتنائها وحفظها، و"الفن" أهمها لأن فيه المتعة، والأسلوب واللغة والخيال والشخصية، هذا إلى جانب القيم التي تعنى بوجود الهدف الواضح، وكذلك المقدرة على الوصول من خلال استخدام وسائل التوزيع والطباعة واللوحات».
وتحدث عن القيم وهل هناك تنوعاً فيها،فقال: «نعم هناك تنوع بالقيم، فهناك "قيم وطنية"، و"قيم شخصية"، و"قيم خلقية"، واجتماعية وترويحية، وجسمانية، ومعرفية، وعلمية، واقتصادية، وقيم تكامل الشخصية، ولكن من الضروري الانتباه لمسألة هامة تشكل مشكلة كبرى تتركز في تعدد الجهات التي تحاول غرس هذه القيم في الأطفال مثل "المدرسة، التلفاز، البيئة، القصص"».
وأضاف مشيرا للآلية وشكل طرح هذه القيم على الأطفال، فقال: «القيم الصريحة تُطرح مباشرة مثل حث الطفل على التعاون، أو تكون ضمنية يطرحها الكاتب بطريقة غير مباشرة مثل دعوة الطفل للعمل، بمعنى أن يكتشفها الطفل بنفسه من ثنايا القصة أو المسرحية».
ولكن للطفل ما يرغب، وما يشتهي، وربما له خيار يفوق الآخر، وعن هذا يرى الأستاذ "نزار": «أن الطفل دائماً يفضل طرح القيم الضمنية، لأن طرح القيم الصريحة يتنافى ومعطيات التربية وأدب الأطفال، وبذلك يكون التوجيه أسلوباً تربوياً ناجحاً، ولا يشعر الطفل أن هناك شخص أكبر منه سناً يعمل على توجبهه، ومحاولة تعليمه».
بعد هذه التجربة الواسعة مع أدب الأطفال كتابة وتربية يتحدث عن رؤيته حول الشروط الواجب توفرها عند كاتب أدب الأطفال؟، فقال: «سعة الاطلاع، الإلمام بأصول التربية، والتربية النفسية للأطفال، العراقة في عالم الطفولة مع الفهم الصحيح، تقمص شخصية الطفل والكتابة بعيداً عن التنظير، والنظر لهم من عالٍ، وأن يعيش الطفولة بأحلامها وتطلعاتها، والعناية بفنون الأطفال من شعر وقصة ومسرح، كذلك السعي لمراعاة وترسيخ قيم المجتمع».
وعن رؤيته في تطوير أدب وثقافة الطفل قال: «لنعترف بداية أن الاهتمام في أدب وثقافة الطفل ضعيف جداً، وهناك أدعياء ومضللون لعبوا دور سلبياً في تشتيت أدب وثقافة الطفل، وتم إدراك ذلك من قبل أجهزة ثقافية عربية، وبدأت بالتصدي لهذا التخريب، وهي في البدايات، أشبه بالقطرة التي تواجه بحراًا».
وأضاف قائلاً: «أطفال اليوم غير أطفال الأمس، إنهم أطفال الكومبيوتر والفيديو والانترنيت، الليزر، والاكتشافات الفضائية، لذا العمل في أدب الأطفال يحتاج إلى تكريس أكثر الطاقات كفاية وموهبة وإخلاصاً، ووعياً».
أما الاحتياجات الواجب توفرها لتحقيق الأفضل، وحسب رأيه ونظرته لواقع الحال، يقول: «نحن في زمن الصورة، لذا نحن بحاجة لمن يكتب السيناريو، ولمن يكتب نصوصاً للصورة المتحركة، أو لأفلام القصيرة، وللمقالة العلمية التي تخاطب الأطفال، لمن يكتب الرواية الطفلية، والقصة الطويلة والمسرحية والأوبريت الغنائي، هذا ما نحن بحاجة له ولتطويره، كما نحن بحاجة لصحافة متخصصة تخاطب الأطفال وتخضع للمراقبة والبرمجة، وهذا ينسحب على الإذاعة والتلفاز».
وأضاف في نفس السياق قائلاً: «يجب أن لاننسى مكتبات الطفل المتطورة لتكريس عادة القراءة، وإجراء المسابقات لكتاب أدب الأطفال، ومنهجة المواد التدريسية مسرحياً، وتكريس مسرح الطفل بكافة أشكاله وأنواعه، وتنمية الخيال العلمي عند الطفل، وإعادة النظر بكل ما يقدم للأطفال برؤية نقدية تأخذ بعين الاعتبار المعايير التربوية والنفسية والقيم الترويحية والمشوقة».
وختم حديثة بهذه النصيحة للأهل، فقال فيها: «ضرورة التواصل مع الأطفال، واصطحابهم إلى المكتبات المتوفرة في المدارس، والمراكز الثقافية، لتحقيق التواصل بين الطفل، بل والأسرة أيضاُ مع الكتاب والقراءة، وكذلك اصطحابهم لحضور العروض المسرحية بكافة أشكالها "مسرح عرائس- خيال الظل- مسرح الكبار للصغار"، وتكريس وبرمجة اللقاءات مع الكتاب والمخرجين المسرحيين والإذاعيين والعاملين بالتلفاز والفنانين والموسيقيين والمخترعين، والتواصل الدائم مع كل جديد، وأي مستجد علمي، وآخر الإصدارات الموجهة للأطفال».
الجدير بالذكر أن المربي الأديب القاص "نزار نجار" من مواليد حماة عام 1949
إجازة في علوم اللغة العربية وآدابها – جامعة دمشق
دبلوم الدراسات العليا ودبلوم التأهيل التربوي – جامعة دمشق
* عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو اتحاد الصحفيين العرب
من مؤسسي جمعية أدب الأطفال في سورية
نال أكثر من جائزة أدبية في قصص الأطفال وفي القصة القصيرة داخل سورية وخارجها
ترجمت بعض قصصه إلى الروسية والألمانية والألبانية والفارسية والأرمينية
دراسته المشار لها بهذا اللقاء باللغة الفرنسية والانكليزية
شارك في ندوات ومؤتمرات عربية ودولية
منسق ومستشار في "مؤسسة البابطين للتراث والثقافة".