حين نتحدث عن القصة الأنثوية في مدينة "حماة"، يتبادر إلى الذهن اسم "لما كربجها" تلقائياً، كونها أبرز كاتبات القصة القصيرة في هذه المدينة. شغفها الكبير بالكلمات جعلها تعشق فناً آخر من فنون الكتابة، اسمه الصحافة حيث عملت على التركيز على نجاحات الآخرين وهمومهم باحثةً من حيث تدري ولا تدري عن الشخصيات التي تليق بقصصها.
جاء في قصتها "شيء ما يحترق" التي حصلت أخيراً على المركز الأول في مجال القصة القصيرة في المسابقة التي أقامها اتحاد الكتاب العرب في حماة لعام 2009:
أسرع إلى المسرح، الموسيقى في أوجها، موجة من الفرح العارم تمتلكني، علبة من الوقود في يدي، أبعثرها هنا وهناك، أشعل النيران، النار مضرمة، أرقص معها، أسبقها بحركاتها السريعة، أنسى التعب، جسدي ملك للحظة، أضحك، أبكي، أصرخ: - هيا أيتها النار غادريني، اشتعلي، دعيني أراك أمام عيني، هيا كلي ما تجدينه في طريقك لعل النيام يستيقظون.
«أسرع إلى المسرح، الموسيقى في أوجها، موجة من الفرح العارم تمتلكني، علبة من الوقود في يدي، أبعثرها هنا وهناك، أشعل النيران، النار مضرمة، أرقص معها، أسبقها بحركاتها السريعة، أنسى التعب، جسدي ملك للحظة، أضحك، أبكي، أصرخ:
وكون التركيز على التفاصيل هو أحد العناوين البارزة للقصّ عموماً، جعلنا ندخل في eSyria إلى تفاصيل عمل "لما كربجها" الإبداعي من خلال عدد من الأسئلة التي وجهناها إليها:
*كيف للكلمة أن تكون سلاماً، وكيف تكون حربة بندقية؟
**ليس في المطلق فهو أمر نسبي ومختلف بين شخص وآخر، بين موضوع وآخر، بين زمن وآخر، بين المصلحة والواجب... كقاصة وكاتبة حينما ألج عالم الكلمة، ألج عالم الإنسان بكل خفاياه وأسراره، بكل قوته وضعفه، بخيره وشره، أحاول جمع شتات روحه الممزقة، أفرح بإنسانيته المختبئة وراء وحشية خلقها خوفه من هذا العالم، أراقص المشاعر والأحاسيس النبيلة والدنيئة، أحاول إعادة الحياة إلى الحياة، أبحث عن البقاء، عن عالمنا الوردي وأحلامنا الطفولية البيضاء وسط كل هذا الزحام، وقد لا أجد شيئاً لكنني أستمر في البحث...
**بدأت رحلتي الوردية مع القصة القصيرة منذ الطفولة حيث تميزت عن زملائي بكتابة مواضيع التعبير والإنشاء وقصص الأطفال والخيال العلمي، وبتشجيع كبير من والداي أخذت تجربتي تتبلور بشكل أكبر منطلقة من قلب الهم الإنساني والاجتماعي، وفي تلك الفترة كانت لي مشاركات عديدة مع "منظمة اتحاد شبيبة الثورة" عبر مسابقات أدبية على مستوى المحافظة والقطر حيث حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية العربية السورية في كتابة القصة لعام 2003 من خلال مشاركتي بقصة عنوانها "الدرس الأول" وفي عام 2005 أيضاً عبر قصة عنوانها "طفل معافى"، كما حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية في مجال كتابة المقالة من خلال مقالة بعنوان "الإبداع طريق العبقرية أم الجنون" وهذا ما فتح لي الأبواب لدخول عالم الصحافة بخطوات ثابتة وجريئة حيث مارست العمل الصحفي لمدة سبع سنوات وحصلت على عضوية اتحاد الصحفيين.
شاركت في أمسيات أدبية عديدة قدمت من خلالها قصتي بأكثر أثوابها جرأة بحثاً عن الحلّ والمعالجة لهموم المجتمع والإنسان وكانت مجموعتي الأولى بعنوان "حلم الياسمين" وهي في طريقها إلى النشر، ثم وجدت واقع الحياة والمجتمع يدفعانني إلى القصة الساخرة عبر تجربتي ضمن سلسلة "دونكشوتيات" التي تعتمد على البطل الخرافي "دونكشوت" بعد أن أسقط عليه ملامح إنسان هذا العصر وليكون بطل مجموعتي القصصية الثانية.
*يعبّر عن القصة عادة باللغة، وأقصد باللغة هنا أن القصة تكون بطريقة صياغتها وليس بمجرد أحداثها أو طرافة شخصياتها، ما رأيك في ذلك؟
**للغة دور هام ولكنها وحدها لا تكفي لخلق قصة متكاملة على حساب بقية عناصر القصة فهي أمور مرتبطة ببعضها البعض وبقدر ما تكون اللغة قريبة من النفس الإنسانية مرتفعة تسمو إلى سماء المشاعر، بقدر ما تقرب القصة من القارئ والمتلقي، ولكن أعود وأكرر دون أن يكون ذلك على حساب بقية العناصر.
*يشرك بعض الكتّاب اللغة الشاعرية في كتابة القصة، ما رأيك في ذلك؟
**أرى في سؤالك هذا امتداداً للسؤال السابق، على كل حال عندما توجد قصة متكاملة العناصر عُبر عنها بلغة شاعرية بعيدة عن الغموض فإن ذلك يزيد من روعة القصة ومتعتها ويجعل المتلقي يتفاعل أكثر معها.
**القصة القصيرة جداً بالنسبة لي ومضة مدهشة ليس من السهولة الوصول إليها، ومضةٌ يخلقها عالمنا الإنساني بكل تناقضاته ويعبر عنها الكاتب بأسلوبه الخاص ليتركنا نقف أمامها مشدوهين بتفاصيل موجودة بشكل مسبق في أذهاننا أشعلتها وأعادتها إلى الذاكرة لحظة وكلمة اختصرتا حياة كاملة .
*هل هناك نقّاد حقيقيون للقصة القصيرة في سورية؟ إلى أي مدى يمكن الاستفادة مما يكتبون.
**طبعاً.. ولا يمكننا نفي ذلك، والفائدة تأتي لمن يبحث عنها.
*ما رأيك بمستوى القصة في محافظة "حماة"، من أهل أبرز روادها، وهل هناك من جيل جديد؟
**بالنسبة لرواد القصة فلا أحب الدخول في هذا النقاش كون الآراء تشعبت واختلفت كثيراً حوله كما أنني لم أطلع على جميع نتاجاتهم الأدبية وهم أكبر مني سناً وخبرةً وعلماً ولا يحق لي التطاول على أساتذتي. أما بالنسبة للقصة بشكل عام وليس فقط على مستوى المحافظة فقد لاحظت ضعف الاهتمام بها مقارنة ببقية الأجناس الأدبية -على سبيل المثال الشعر- مع أن القصة هي أقرب جنس أدبي لواقع الإنسان كونها تنطلق من حياته ومن داخل مجتمعه وبيئته وتعالج أدق مشاكله برؤية واضحة. وكل هذا مرتبط أيضاً بوجود جيل جديد في عالم القصة أم لا، جيل يحتاج إلى النوايا الصادقة والحقيقية لتشجيعه ودعمه لتحقيق رسالته الإنسانية الثقافية بعيداً عن المجاملات والارتباطات الاجتماعية والمادية.
بصراحة كثيراً ما أشعر أن الثقافة والفن بشكل عام في هذه الأيام باتت نوعاً من الرفاهية التي لا يستطيع الوصول إليها كلّ من يجد في نفسه ذلك.
الجدير بالذكر أن الأديبة والصحفية "لما عبد الله كربجها" لديها أيضاً مجموعة قصصية للأطفال في طريقها إلى النور.