«لا زال "قصر ابن وردان" يقرأ كلمات السراب حوله ويتحداني، كيف أجعل البادية التي هي أخت الصحراء مقروءةً مطبوعة في سطور منتظمة، وأوراق ناعمة، أجول مثل "بدوي" يلوب في فراغ الكثبان، يؤنسه حفيف ذاكرة، ووقع حوافر المغيرات، بفضل الغوايات تركض الخيول هناك، عبر طيّات الزمن على سرير الصحراء المبسوط على ناصية تاريخ عتيق».
هذا ما أرادت أن تبحث فيه الكاتبة والصحفية "لينا هويان الحسن" في مقدمة روايتها "سلطانات الرمل" والذي أقيم له حفل توقيع، ومناقشة في صالة "مزيج للآداب والفنون" وبدعوة من "جمعية أصدقاء سلمية" وبحضور من موقع eSyria الذي سجل الانطباعات حول هذه الرواية..
لا تصدقوا المسلسلات التي تتناول المجتمع البدوي، كله كذب وملفق، ما يحدث أن البدوي أصبح أكثر تعاطياً مع المتغيرات التي حدثت
تناولت الكاتبة المكان الجغرافي لمنطقة "الحمرا" من ريف "حماة" كما أنها مسقط رأسها، فكانت "حمرا" المكان والأنثى، اتحدا في جسد واحد، فبتنا نقرأ في تاريخ المنطقة المعنية حركات لاهبة لأنثى أبت أن تكون فقط "أنثى" فقالت في مطلع الرواية مدللة على هذا المكان، بلغتها الشاعرية التي أكسبتها لبعض مفاصل الرواية: «الزمان لن يخفق في تذكرها حين يهطل التاريخ، لأنه يستطيع الآن أن يسمع ما رآه يوماً. لا لصاً يقدر على اختلاسها من خزائن الأمس، ولا سكِّيراً يمكنه أن يعبث بسرابها الضخم، أي أزل ذلك الذي اكتسحه "حمرا" وأدهشتنا نحن الفانون؟!».
وتؤكد قوة الشخصية التي ظهرت عليه "حمرا" الأنثى" فقالت فيها: «أنثى تعرف كيف ترفع البرقع عن وجه الجارح، تبعد وجهها عن رأسه.. كانت تعرف أن الرجال الحقيقيين مثل الصقور، لا يحبون الدخان والغبار، والباب والأجمة، والمرأة الحائض، حين تقلع عن زيارة طير أبيها في "الربْعَة" كان الجميع يحزر بأنها حائض.. "حمرا" كانت رشيقة كغزالة، متنبهة كثعلبة، وشريرة كعفريتة، فخورة كملكة، إلى أن تأتي اللحظة المناسبة وتعلن عن حقيقتها بغتة واقفة مثل "كوبرا"».
وتعيدنا الكاتبة إلى زمن يعتقد البعض في وقتنا الحالي أنه "خرافة"، وهنا تقول: «الصحراء: المكان الذي يعطيك حرية إلى حد العصيان. في ذلك الزمن لم تكن "الظباء" خرافة كما الآن، ولم تكن الصحارى مشقوقة بإسفلت الطرقات، أو مشوهة بأعمدة الكهرباء، قبل سنين طويلة حين كانت الذاكرة ترتسم بخطى ذئب، كان هنالك "البدو" أبناء الصحراء الخام، لم يلعبوا الشطرنج، ولا الكوتشينة، ولا البلياردو، هناك لعبة واحدة فقط: القدر. فيما "السراب" السيد ذو الشوارب في الصحراء يلحس كل قشدة الأرض ويحولها إلى أكاذيب رائعة الغواية. "فارس على حصان أبيض، فارس الأحلام" ربما البدويات هن اللواتي سربن هذا الحلم إلى باقي إناث الأرض، وهكذا عشقت "حمرا" ابنة شيخ عشيرة "طي"، "أحمد بيك الأبو ريشة" أمير "قبيلة الموالي" واحداً من أشهر محاربي الصحراء، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر».
يقول الأستاذ "نضال الماغوط" في تناوله لرواية "سلطانات الرمل": «الرواية ذات موضوع جديد، خصوصاً في الأدب النسائي، فبدت اللغة الشعرية عالية بامتياز، ولكن ما لفتني هو كثرة تتالي الشخصيات التي دخلت سطور الأحداث، حتى نكاد لا نستطيع أن نلتقط أنفاسنا لتداركها، فلم يكن لهذه الشخصيات امتداداً أفقياً، خاصة في الجزء الأول من الرواية».
في هذا الصدد تقول الكاتبة "لينا": «ما زال التعاطي باللغة الشعرية في الأعمال الروائية أمر مختلف عليه، ولكنني وجدت ضرورة في استخدامي لهذه اللغة، فكما أن البعض لا تروقه هذه اللغة، أيضاً هناك من يتفاعل معها، وبالتالي هي وجهة نظر».
الشاعر "أيمن رزوق" يتحدث عن هذه الرواية فيقول: «البداية "قصر ابن وردان" والنهاية أيضاً، كذلك كان "الفراغ" مؤنساً حفيف الذاكرة، والنهاية "الفراغ" الباحث عن طريقه، يبدأ كل كلام بالسراب ولا ينتهي، السراب يجمع الكلام ويفرقه. أرادت الكاتبة أن تكتب رواية عن الصحراء، فكتبت قصيدة عن السراب، السراب الذي ذكر في الرواية أكثر من ثمانين مرة، فكان البطل الحقيقي للرواية، وكانت كل الشخصيات وكل الحكايا التي تدور حولهم ليست إلا مشاجب تعلق عليها الكاتبة ما أرادت قوله في السراب».
ومثالنا: «فكان السراب ذو الشوارب في الصحراء/ السراب.. الحاكم الذي داس على رفات الماضي/ الصحراء لغز والسراب تفسير/ تتحالف الشمس والهواء والسماء ليتم تشكيل السراب... ».
السيدة "ألوان الخطيب" رأت في "سلطانات الرمل" بوح عن مكنون صحراء الروح، وأضافت: «ما فعلته هذه الرواية أنها أدخلت الصحراء إلى منازلنا، وكم نحن بحاجة لمثل هذه المتاهات، كما أني رأيت التأرجح الذي يصيب المجتمع البدوي في الوقت الحالي، فهل أرادت الكاتبة التركيز على حياة البداوة كما كانت، أم أن هذا الشيء أصبح من الماضي».
تقول الكاتبة: «لا يستطيع أحد أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، ولكن من الممكن أن نعيده ولكن بمعطى جديد، ليس من السهل أن تكون الأنثى سلطانة، وهذا ما أعاد الحالة الذكورية لتمسك في زمام الأمور في نصف الرواية الثاني، الماضي يبقى ماضياَ، واليوم يكتب تفاصيله بأحداث اليوم ذاته».
الشاعر "بشار عيسى" جعل من الكاتبة "لينا هويان الحسن" ممثلاً شرعياً للمشاعر العامة، وفي هذا الصدد يقول: «في العام 1989 قال الصحفي "طلال سلمان": إن "محمد الماغوط" هو الممثل الشرعي للمشاعر العامة. وأنا عندما قرأت رواية "سلطانات الرمل" وجدت أن "لينا هويان الحسن" نصبت نفسها دون قصد منها أن تكون الممثل الشرعي للمشاعر العامة، خاصة وأنها تناولت مجتمعاً لم نقرأه بل شاهدناه عبر مسلسلات تلفزيونية فقط».
وعلى ذكر المسلسلات التي تناولت المجتمع البدوي، قالت كاتبة "سلطانات الرمل": «لا تصدقوا المسلسلات التي تتناول المجتمع البدوي، كله كذب وملفق، ما يحدث أن البدوي أصبح أكثر تعاطياً مع المتغيرات التي حدثت».
وتتابع: «لا أريد الرجوع بالبداوة إلى الوراء من خلال هذه الرواية، هناك إجماع بالدخول إلى عالم جديد غير واضح، والرواية عبارة عن تأريخ روائي في محاولة لإعادة التذوق لعالم البدوي، وأعتقد أن المسوغ الروائي هو من حق الكاتب، كما أنها شرعية، من هنا حاولت أن أحاكي التطور الذي يجب عليه أن يكون عليه البدوي، ونجاح الرواية يظهر من خلال رسوخ شخصياتها في ذاكرة القارئ، وهذا الأهم».
وتضيف: «ليس معيباً أن أتناول حقبة قديمة من حياة مجتمع ما، أمر لا يدعو إلى الخجل، فذاكرتنا ليست أربع وعشرين ساعة كما هو حال التاريخ في أمريكا، نحن نملك ذاكرة عمرها آلاف السنين».
مقطع من الرواية: «... وتضحك تلك الضحكة التي يحبها.. حين تكاد أسنانها تهرب منها، ويسألها عاشق: - بماذا تحلمين؟!.. – أحلم أن ألتقي قرصاناً بساقٍ واحدة وعلى كتفه تقف ببغاء.
ــ دائماً عرفت أنك مولعة باللصوص والقراصنة.
ــ وكل الخارجين على القانون.. أكره الأفلام التي تنتهي بالقبض على اللصوص الذين يسرقون البنوك.. ألا تحبهم مثلي؟
يلقط صورة وهو يقول: ــ أنا أحب البرابرة.
ــ البرابرة!!.. الذين نراهم في السينما؟!
ــ لا.. الذين يأتون عبر البحار مغامرين جاهزين للموت والحياة.....
ــ ومن غير البرابرة تحب؟!
ــ أحب الفرنسيين لأنهم اخترعوا المايوه والبكيني.
ــ تقول هذا لأنك تراني الآن في البكيني؟!
ــ هل تعرفين لماذا اسمه "بكيني"؟
هزت رأسها نفياً.. واستدارت نحوه ليلتقط لها صورة مباشرة.
ــ الذي ابتكر هذا المايوه أطلق عليه اسم "بكيني" ليربطه بتجربة نووية أمريكية أجريت قبل ذلك بخمسة أيام في جزر "بكيني" في المحيط الهادئ.
ــ إذن أنا نووية المفعول؟!
ــ ومن تحبين أيضاً يا نووية "ألان ديلون"؟!
ــ وسامة وجهه تشبه وسامة النمور، ويعرف كيف يموت في أفلامه، يتقن الموت، أنت تغار من "ألان ديلون"؟!
ــ الآن اثبتي، لا تضحكي، انظري نحوي مباشرة.
تفعل ذلك ويأخذ لها لقطات سريعة وهي تقول له:
ــ الوجوه مثل القصائد بعضها أبيات متناغمة مفهومة واضحة وصريحة، كأشعار "نزار قباني" وثمة وجوه غير متناسقة، تجمع الغرابة مع القبح، تكثر من وضع المساحيق لتمويه حقيقتها تماماً مثل بعض الشعر الحديث، وهنالك وجوه تظن بنفسها الجمال، مثل بيت شعر منمق، لكنه تافه يبحث عن مستمع منافق، والوجوه التي تعيد تشكيل تقاسيمها بخيط وإبرة الجراح، تبدو مثل شاعر أحمق يطارد المارة بأبياته، يبادر كل من يراه بالشعر.
يلتقط "عاشق" مزيداً من الصور، وتتابع هي قائلة:
ــ أود لوجهي أن يشبه مسرحية "هاملت" أريده جميلاً وسامياً، فيه أبّهة ونبل.... ».
والجدير ذكره أن الكاتبة "لينا هويان الحسن" من مواليد "حماة" في العام 1977، تحمل إجازة في الفلسفة من جامعة "دمشق"، وهي صحفية في جريدة "الثورة".. من مؤلفاتها: "معشوقة الشمس"- "التروس القرمزية"- "مرآة الصحراء" وهو كتاب توثيقي، و" التفاحة السوداء"- "بنات نعش"، وآخر فلسفي بعنوان "آنا كارنينا تفاحة الحلم".
حضر حفل التوقيع الذي رعته "جمعية أصدقاء سلمية" العديد من الشخصيات الرسمية والثقافية والاجتماعية في المدينة، إضافة إلى العديد من المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي.
و"جمعية أصدقاء سلمية".. هي جمعية أهلية تأسست بموجب القرار الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سورية، رقم 1516 تاريخ 6/8/2006، وتعمل على تحقيق التنمية البيئية والثقافية والاجتماعية في مدينة "سلمية".