هي ابنة الصحراء.. المولعة بمساحاتها الشاسعة القفراء، في الوقت الذي تستفزها فيه الورقة البيضاء.. لم تتنكر لتلك الأم.. حتى بعد أن ابتعدت عنها، فقد بقيت في ذاكرتها وخيالها ودونتها ووثقتها بروايات جميلة جسدت الواقع وتحدثت عنه بقسوته وخصبه، لتكون أول من طرق البادية برواياته.
الحديث يطول عن الروائية "لينا هويان الحسن" من مواليد منطقة "الحمرا" في ريف "حماة" عام 1977، وقد تحدثت مع موقع eSyria عن أبرز محطات حياتها من خلال الحوار التالي:
أنا كاتبة صباحية وأحب الأوقات الصباحية، يكون فيها ذهني صافياً.. ثم إن الصباح يمنحني الشعور بما يشبه البداية الجديدة. في العادة أنجز روايتي بين الخريف وبداية الصيف، أي إنني كاتبة شتوية أحب الطقس الموارب الغائم والممطر، ومع نهاية نيسان تقريباً أقلع عن الكتابة الأدبية، أكتب فقط مقالاتي الصحفية بحكم عملي كصحفية
** «للطفولة ميزات ليست موجودة في بقية مراحل حياتنا مثل الليونة والطراوة، حيث كل شيء جاهز لينطبع في مخيلة الطفل وذاكرته، وثمة تنوع هائل حظيت به خلال تلك المرحلة السالفة من عمري، طفولتي المبكرة اقتسمها مكانان متناقضان تماماً هما البحر والبادية، من طفلة تقضي معظم وقتها على شاطئ البحر تتسلى ببناء قصور رملية وتتعلم السباحة في كل الظروف– ملتصقة بأبي الذي يسبح حتى في شهر شباط– وأقضي إجازات طويلة في البادية حيث لا شجر أخضر ولا مساحات مائية واسعة، إنما آفاق شاسعة بعيدة وسراب يومي كنت أراقبه لساعات طويلة وأتفرس بملامحه المتحولة الذكية والماكرة التي كان يشكلها السراب عن بعد، ورغم غنى باديتي في ذلك الوقت بكل ما يلفت الطفل لكن السراب استوقفني طويلاً».
** «المصادفة وحدها والحظ الجيد قاداني إلى دراسة الفلسفة، فالرسم.. كان هاجسي الواضح، وكنت مغرمة برسم البورتريهات والمناظر الطبيعية، ومعظم زملائي في المرحلة الجامعية يذكرونني كفنانة تشكيلية.
كنت أرغب بدخول كلية الفنون الجميلة وبالفعل تقدمت لامتحان القبول لكني لم أنجح في الامتحان وسط ذهول المحيطين بي، فالكل كان يعرف موهبتي بالرسم، وذهبت إلى قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة دمشق، وسقطت في سنتي الدراسية الأولى لأنني لم أتقدم للامتحانات كتعبير عن اعتراضي.
وشيئاً فشيئاً بدأت أفهم أن خيارات القدر أحياناً تأتي لمصلحتنا، واكتشفت ما تخبئه الفلسفة من ثراء على كل الصعد، وصدق الذي سماها أم العلوم.
لأنها أجمل ما يمكن أن يدرسه الإنسان، لأنها تشبه الإزميل الذي ينحت شخصيتك، وبنفس الوقت يصقل جوهرك وتكتشف إمكاناتك الحقيقية وتعطيك معنى للطموح، أنا أتحدث عن وجهة نظري ومن خلال تجربتي. لذا أعتبرها المحطة الأبرز في حياتي».
** «لوالدي تأثير كبير فهو من جذور بدوية، مثقف، مولع بالقراءة والأماكن الأثرية، مهتم بالفن السابع والموسيقا.
ربما أغرمت "بالبيتلز" و"تشارلز رنسون" و"ألان ديلون" و"صوفيا لورين" و"ماستروياني" لأنه كان هو كذلك، لم يفرض أي حظر أو ما يشبه الرقابة، وكان يجلب للبيت بشكل دوري وأسبوعي مجلات مثل: العربي والكفاح العربي والحوادث والصياد والشبكة ونادين وفيروز والحسناء... أسهمت بنشر ثقافة متنوعة في البيت».
** «يصعب أن أختار رواية بعينها وأقول إنها الأقرب إلى نفسي لكن يمكنني أن أقول إنني راضية أكثر عن روايتي الأخيرة "سلطانات الرمل".
حين قررت الكتابة كان ذلك خلال سنتي الجامعية الأخيرة، كان عندي وقت فراغ كبير لأنني كنت أعيد السنة بسبب مادتين فقط، وبالمناسبة فأنا لم أكن يوماً من الطلاب المتميزين الذين ينجحون في كل عام ويأخذون الامتيازات والثناءات من أساتذتهم، كنت أكره هؤلاء وأغار منهم لأن التفوق الدراسي لم يكن أبداً من مميزات طفولتي، ولكن في عامي الدراسي الأخير في الجامعة وقبل دخولي الدبلوم أنجزت روايتي الأولى "معشوقة الشمس" تحكي حكاية أميرة عشيرة كبيرة تجوب الصحراء، وباختصار كانت ما يشبه التمرين لروايتي "بنات نعش" و"سلطانات الرمل"».
** «أنا كاتبة صباحية وأحب الأوقات الصباحية، يكون فيها ذهني صافياً.. ثم إن الصباح يمنحني الشعور بما يشبه البداية الجديدة.
في العادة أنجز روايتي بين الخريف وبداية الصيف، أي إنني كاتبة شتوية أحب الطقس الموارب الغائم والممطر، ومع نهاية نيسان تقريباً أقلع عن الكتابة الأدبية، أكتب فقط مقالاتي الصحفية بحكم عملي كصحفية».
** «مشروعي شبه تبلور مع روايتي الأخيرة "سلطانات الرمل" إنه الذاكرة المتصلة بالحاضر، كنت أول من وثق للبادية السورية، وعملت على تأصيل الجذور مع المكان، في الأدب تقريباً أنا الوحيدة بين أقراني وأبناء جيلي، والتي عملت على الماضي الممتد حتى الحاضر، أنا لا أخاف من الماضي، بل على العكس تماماً فأنا مولعة بتقصيه حتى العمق وممتنة لجذوري البدوية حيث ذاكرة لا أخصب منها ولا أجمل.
تسعدني فكرة أني قد ألتقي بدمي وأصولي "بالزير سالم" مثلاً، وتثير فضولي خارطة أسلافي، يمتعني التمعن بأسماء أجدادي الذين أعرفهم واحداً.. واحداً حتى ما قبل الإسلام، وأعرف أسماء بعض جداتي.
يمكن أن أقول بأن مشروعي الأدبي يتلخص بأن أكون كاتبة لها قراء، فقد طبعت روايتي بطبعتها الثانية بعد ستة أشهر من صدور الطبعة الأولى، يهمني كثيراً أن يقرأ الناس ما أكتب، ويكونوا بانتظار الجديد.
ولا أعلم أين سأصل فبياض الورق يستفزني، ويشعرني بأنني أمام بحر واسع أو وادٍ عميق الغور أو أنني أسبح في الفضاء، ويصعب التنبؤ بما يمكن أن يدونه القلم على الورق».
** «المرأة عندي سلطانة، استخدمت مفردة سلطانة تحديداً ولم أقل ملكة أو أميرة أو سيدة، عنيت السلطة المطلقة سلطة إلى حد الاستبداد هذه هي الأنثى التي عرفتها خلال طفولتي.
بعض السلطانات في رواية "سلطانات الرمل" هن قريباتي، اختلست حكاياتهن ودونتها دون أذن من أحد، اعتبرت أني أملك كامل الحق بتدوين حكايا جميلة ونادرة، ولم تدون للأسف من قبل غيري، إلى الآن كانت نساء الصحراء في صلب مشروعي الأدبي... وفي الأعمال القادمة ستكون هنالك نساء من طراز جديد».
الكاتب "ياسين رفاعية" قال عن الروائية "لينا": «تنبش "لينا هويان الحسن" حياة البدو من داخل ذلك العالم المخفي وراء كثبان الرمل والعواصف، حيث عالم آخر ومموه لا يعرف ابن المدينة عنه شيئاً، عالم مملوء بالحركة والتبدل كما الرمل.
بدويات عاشقات جريئات لا يهبن الرجال.. يحببن الشعر ويتأوهن تحت بيت شعر في الهوى.
"لينا هويان الحسن" وحدها قدمت لنا هذا العالم المملوء بالقصص والحكايا، أجمل من ألف ليلة وليلة لأنها حكايات واقعية عن نساء جميلات ليس على خدودهن إلا وهج الشمس الحارقة».