لطالما كان الشاعر ابن البيئة والفترة الزمنية التي عاصرها، بما تضمنتها من أحداث سياسية واجتماعية، فكان له فيها وجهة نظر تلبي تطلعات الجماهير التواقة إلى الحرية والاستقلال.
ويتفق عدد كبير من الشعراء والنقاد أن قصيدة "يوم الجلاء" التي كتبها الشاعر "بدر الدين الحامد" والتي رددتها الجماهير إلى أن حفظتها عن ظهر قلب هي أجمل ما كتب عن جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية يقول فيها، حيث يقول فيها:
تكمن موهبة "الحامد" في خطابته عند طريقة إلقائه للشعر حيث كان يتفوق في الإلقاء عن غيره من الشعراء، وكان الشاعر" الحامد" يمتاز بغنة في صوته إضافة إلى أنه كان أجش الصوت الأمر الذي كان يعطي رونقا لكلماته
«يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها،
لنا ابتهاج وللباغين إرغام،
يا راقداً في روابي ميسلون أفق،
جلت فرنسا فما في الدار هضام،
لقد ثأرنا وألقينا السواد وإن،
مرت على الليث أيام وأعوام،
مشارف الشام تهتز العراق لها،
وتنتشي طرباً في مصر أهرام».
ولإلقاء المزيد من الضوء عن حياة الشاعر الحموي "بدر الدين الحامد"، موقع eHama التقى أستاذ اللغة العربية "منذر بدر الدين الحامد" ليحدثنا عن والده فيقول: «ولد الشاعر "بدر الدين الحامد" في مدينة "حماه" عام 1899 ونشأ في حي المحالبة (حارة الجسر) أحد أحياء مدينة "حماه" لأسرة أدبية محافظة، فوالده الشيخ "محمود الحامد" كان عالماً وفقيهاً وخاله هو الشيخ "سعيد الجابي" وجده لأمه الشيخ "مصطفى الجابي" وهما أديبان وفقيهان، تعلم والدي القرآن وعلوم اللغة العربية على أيدي الشيوخ فانطلق لسانه في الشعر وهو مازال فتى في مقتبل العمر، ثم تزوج "الحامد" وهو شاب ورزق بأربعة ذكور وثلاث إناث مات من أولاده اثنان في سن الطفولة ولقد رثاهم رثاءً حاراً تجده في ديوانه».
وعن طبيعة علاقته بمدينته "حماة" يضيف "الحامد" الابن: «أحب "بدر الدين" مدينة "حماه" حباً جماً فكانت حاضرة دائماً في وعيه وخياله، فوصف عاصيها ونواعيرها وجمال بساتينها وآثارها وأطلالها، وأذكر أنه طلب منه أن يذهب إلى "دمشق" ليتبوأ منصباً عالياً في وزارة المعارف في عهد الرئيس "شكري القوتلي" لكنه رفض وآثر البقاء في مدينته، كان يقضي نهاره في وظيفته ومساءه في مقهى الفندق في وسط البلدة حيث يلتف من حوله أصدقاؤه من الأدباء والشعراء يتبادلون معه الأدب والفن والسياسة، وأذكر منهم الأستاذ "عثمان الحوراني" والأديب "قدري العمر" والطبيب الشاعر "وجيه البارودي" وأخوه الأستاذ "عبد الغني الحامد" الذي كان يلازمه بشكل دائم، أما تلامذته من الشعراء الذين كانوا يسمعون له ويعرضون شعرهم عليه فكان أبرزهم الشاعر "عدنان قيطاز، محمد سعيد قنطقجي، علي دمر، عبد الوهاب الشيخ خليل" وكان "بدر الدين" على علاقة مميزة برئيس النادي الأدبي بحماه الدكتور"توفيق الشيشكلي" وكذلك الدكتور "صالح قنباز" وهو من مجاهدي مدينة "حماة"، بالإضافة إلى هؤلاء الأدباء والشعراء كانت تربطه صداقة قوية مع طبقة من المغنين الذين تميزوا بأصواتهم الجميلة منهم المغني "نجيب السراج" و"نجيب زين الدين" والملحن العازف "توفيق حمدون"، وكان له علاقة وطيدة مع شعراء عصره مثل الشاعر "شفيق جبري" والصحفي "نجيب الريس" صاحب جريدة القبس حيث كان الأخير أخاه لأمه».
ويتابع "منذر بدر الدين الحامد": «كان "بدر الدين" يكتب أشعاره في منزله فينتظر منتصف الليل حتى تهدأ الأصوات وتسكن الحركات فيغلق على نفسه باب غرفته ويبدأ بكتابة خواطره من الأبيات فإن لم تكتمل القصيدة أكملها في اليوم التالي فإن انتهت عرضها على أخيه الأستاذ "عبد الغني الحامد" وكان دائماً يحمل دفتراً صغيراً في جيبه فأينما خطرت له فكرة بادر إلى تسجيلها شعراً في دفتره الخاص ثم يلحقها في مكانها المناسب من القصيدة، كان يصطحبني معه في مقتبل شبابي إلى الحفلات الشعرية التي كان يلقيها وقد ذهبت معه في إحدى الحفلات إلى مدينة حمص حيث ألقى في حفل كبير قصيدة في رثاء الرئيس "هاشم الأتاسي" فكانت من الروائع فصفق له الناس كثيراً ووقفوا إعجاباً بشعره وجودة إلقائه، كان "بدر الدين الحامد" ممن يجيدون الإلقاء وكانت عنده المقدرة على التصرف بإخراج الكلام ويمتلك نبرة شعرية اختص بها لم تكن عند غيره من الشعراء فكان جهوري الصوت يشبه الشاعر "حافظ إبراهيم" في إلقائه وحركاته ما جعل شعره مميزاً وجعل الجمهور الذي يسمع شعره ينجذب إليه وكثيراً ما كنت أسمع من الجمهور يقولون له "أعد"».
وعن تأثره بأهم الشعراء يضيف: «تأثر الشاعر "الحامد" بالشعر القديم الموزون المقفى، فقد تأثر بالشعر الجاهلي كله وخصوصاً شعراء الغزل "كامرئ القيس" و"الأعشى" وتأثر "بقيس ليلى" وكان تأثره واضحا بالشاعر"المتنبي" فكان يحفظ كثيراً من شعره حتى أصبح راوية لأشعاره يحفظها عن ظهر قلب ولا نخفي تأثره بالشاعر الأندلسي "ابن زيدون" في وصف الطبيعة التي كانت تشابه طبيعة مدينة حماة، أما من الشعراء المعاصرين فكان شديد التأثر بالشاعر "أحمد شوقي" وكان محباً له حباً كبيراً».
وعن أبرز مواقفه الوطنية يضيف الأستاذ "منذر": «كان اللسان الناطق للكتلة الوطنية يحرض الناس على التظاهر والجهاد لطرد الاستعمار الفرنسي فيلقي القصائد الحماسية في المواقف والمناسبات ويرثي الأبطال والشهداء من أمثال الشهيد "سعيد العاص" ويشيد بجهاد البطل "فوزي القاوقجي" الذي قاد ثورة حماة ضد الاستعمار ولم يكن شعره مقتصراً على أبطال ومجاهدي بلدته بل تعدى ذلك إلى جميع المدن فقام برثاء "سلطان باشا الأطرش" والمناضل الشيخ "صالح العلي" فهو مع كل المناضلين الذين وقفوا في وجه الاستعمار ولقد أصابه ما أصاب رفاقه من مطاردة رجال الاستعمار الفرنسي له فذاق عذاب السجن والفصل من الوظيفة بسبب هذه المواقف، وكان له موقف بارز من نكبة فلسطين فكان حزين القلب منفطر الفؤاد لما ألم بفلسطين فرثاها أبلغ الرثاء وبكاها أعظم البكاء وندد بالخونة والمتخاذلين الذين سلموا فلسطين لليهود وأشاد بالمجاهدين الذين ضحوا في الدفاع عن أرض فلسطين، أما موقفه من الوحدة العربية وخصوصاً الوحدة التي تمت بين مصر وسورية فكان من المرحبين والسعداء بقيامها وله قصيدة عصماء في هذه المناسبة».
وللوقوف أكثر عند التجربة الشعرية للشاعر "بدر الدين الحامد" كان لنا لقاء مع الشاعر وعضو إتحاد كتاب العرب "عبد الوهاب الشيخ خليل" الذي حدثنا عن الشاعر "الحامد" قائلاً: «كان من وجوه مدينة حماه وأحد شعرائها القلائل في ذلك الوقت وعرف كأحد رجالاتها البارزين، حيث عمل مدرساً للغة العربية في مدارس "حماه" الثانوية وعيّن مديراً لدائرة المعارف (التربية حالياً) ومديراً للثانوية الصناعية ولقب بشاعر العاصي نظراً لبروز اسمه في ذلك الوقت أكثر من الذين عاصروه من الشعراء ومنهم "عمر يحيى" و"وجيه البارودي"».
وأضاف "الشيخ خليل": «تكمن موهبة "الحامد" في خطابته عند طريقة إلقائه للشعر حيث كان يتفوق في الإلقاء عن غيره من الشعراء، وكان الشاعر" الحامد" يمتاز بغنة في صوته إضافة إلى أنه كان أجش الصوت الأمر الذي كان يعطي رونقا لكلماته».
وعن الموضوعات التي أثارها في شعره يقول "الشيخ خليل": «تنبع أهمية شعره في تأريخ الأحداث التي مرت على سورية فقد قاوم الاحتلال الفرنسي بشعره وكان يلقي القصائد الوطنية التي تلهب مشاعر الجماهير فبرز اسمه في مدينة حماه كشاعر وطني، وكان مقرباً من زعيم حماة الدكتور "توفيق الشيشكلي"، وقد تعرض نتيجة مواقفه الوطنية للاعتقال من الاحتلال الفرنسي لمدة ثلاثة أشهر في سجن حماه العسكري أثنــاء قيام الثورة الــسورية الكبرى عام 1925، وبعد انتهاء الثورة اتجه "الحامد" إلى النضال السياسي ضد المستعمر مع رجال الكتلة الوطنية ومنهم "شكري القوتلي" و"جميل مردم بيك" و"لطفي الحفار" و"سعد الله الجابري"». وبمناسبة جلاء القوات الفرنسية عن سورية نظم أجمل قصائده وهي قصيدة الجلاء التي قال فيها:
بيني وبينك في النجوى مساجلة/ يوم الجلاء طويناها فلم تُعد/ ألم تقل لي قضيت العمر في ظمأ/ حتى وردت فقلبي الآن غير صدي/ حسبي الجلاء وحسب الدار أن لها/ مطالع الشمس من أيامها الجدد.
ويضيف "الشيخ خليل": «إلا أن ما يؤخذ على "الحامد" أنه كان من رواد المدرسة الاتباعية ولم يكن من المدرسة الإبداعية حيث كان شاعراً مقلداً في أغلب أشعاره لم يضف للشعر العربي الكثير بل كان يتبع الشعراء في نظمهم لشعرهم مثل شعراء العصر العباسي والأموي فجاء شعره تقليدياً».
وعن أهم مؤلفات الشاعر "الحامد" يحدثنا الدكتور الشاعر "مصطفى العلواني" وهو عضو في اتحاد كتّاب العرب: «له ديوان "النواعير" نشره في عام 1928 وديوانه الكبير نشره بعده، ورواية "ميسلون" وهي عبارة عن تمثيلية شعرية قام بتمثيلها النادي الفني وأخرجها "فؤاد سليم" وهي مسرحية كتبت على غرار مسرحيات الشاعر "أحمد شوقي"».
ويضيف الدكتور "العلواني": «تأثر "الحامد" بالظروف الأخرى التي مرت به فأحب المرح والحديث والطرافة وكان له رفاق من الأدباء والموظفين كلهم أصحاب أدب ونكتة وذكاء فجالسهم وتأثر بهم لذلك عاش بين نقطتين بارزتين في حياته هما السياسة ومجلسه اليومي بين رفاقه الظرفاء الذي أكسب شعره طابع اللهو والمرح ومن أشهر أشعاره التي غناها المطرب "صبّاح فخري" هي تراتيل الغرام التي يقول في مطلعها:
أنا في سكرين من خمر وعين/ واحتراق بلهيب الشفتين/ لا تزدني بل فزدني/ فتنة في الحاجبين/ يا حبيبي اقبل الليل فهيا للمدام/ وابعث العود يغنينا تراتيل الغرام».
من الجدير بالذكر أن الشاعر "بدر الدين الحامد" توفي عام 1961 بعد أن قضى عمره بين النضال والمواقف الوطنية وقصائده ما زالت تغنى حتى اليوم.