أحب الرسم وأمضى ساعات طوال لكنه أحب الكلمة أكثر، عشق العلاقة التي ربطت "شهرزاد" بالـ "ديك" فأطلق اسمها على ابنته، هادئ حد الانتظار، ووثّابٌ لحظة يشاء، يرى في والدته النور الذي كشف عن موهبة في نفسه كانت كامنة، إنه الشاعر والكاتب المسرحي "وائل زكي زيدان".
التقاه موقع eSyria ليقف عن تجربة يرى فيها البعض أنها جديرة ومثيرة للاهتمام. يقول في مقطع من ديوانه "ما سأعزفه للتماسيح في الغد": «على مصطبتي المتكررة/ أمام فنجان صباحي المعتاد/ يشدّني ما أنا موشكٌ على فهمه/ ولا أفهمه/ وأنتظرُ بفارغ الصبر/ ما لن يأتي أبداً/ ما أغبى العالم بدون سر/ ما أقسى العالم بدون سر».
ميزة المسرح أنه يعطي الموتى فرصة العودة إلى الحياة، يمنحهم بعض الوقت ليعبروا فيه عن دواخلهم، وهذا ما أعتبره خلقاً جديداً
من هنا بدا العالم بالنسبة له كلمة يرسلها عبر الريح باسم صديق عاشق لأنثى مجهولة بالنسبة له، هكذا كانت بدايته مع الكلمة، وهنا يقول: «البداية كانت والدتي تلك العاشقة للعلم، لقد غرست في نفسي العلاقة الحميمة مع الكلمات ففي الصف الثالث الابتدائي كانت المعلمة الثانية فكنت أركن كتبي وأقرأ القصص برغبة منها، كما أن مادة الإملاء كانت عبارة عن تلخيص لقصة قرأتها، من هنا كانت بدايتي مع الكتاب».
ويتابع: «في مرحلة الوعي اتجهت إلى الرسم وكنت أمضي ساعات طوال أمام لوحة ما، لكنى أدركت أن مشروعي هو الكلمة، وهدفي أن أعمل كي أكون كاتباً أو شاعراً وتحول الرسم إلى فعل ثانوي أقوم به، ولو سألني احد عن بدايات كتابتي لقلت له إنني أضعتهم وليس في ذاكرتي ما أستطيع استحضاره».
من ديوانه: «لم تبدأ الحفلة بعدُ/ والتاريخ يفتح سِجلَّ الحُضور والغياب/ أيها الطائر حُطّ على وَتَرِ الكمان/ "كليوباترا" تكشِفُ عن نهديها أمام العدسات/ تُقَدِّم نَهْداً لـ"أنطونيو"/ ونهداً لقيصر (لو كانت أمي لأوقفها بوليس الآداب)».
هذا المقطع يقودنا نحو سؤال يبدو من خلاله المخزون الثقافي الذي نهل منه "وائل زيدان" مادته الشعرية، يقول: «الكاتب بحاجة لفهم حقيقي للحياة، لا يتبلور هذا الفهم إلا بالقراءات المتنوعة والمختلفة ومن كل الزوايا، أضف إلى أن زج كل طاقة الكاتب لإظهار تركيب لغوي أو ما أسميه فذلكة لغوية هو هدر للطاقة الشعرية، فالحياة تحتمل مواقف كثيرة وهذه جماليتها، فليس مطلوباً أن نستسلم أو نقف لموقف "هيجل" أو "ماركس" على سبيل المثال، وهذا سر جمال الحياة أن يكون للمرء بصمته الخاصة التي يطبعها وبذلك تميزه من غيره».
من ديوانه: «المسكين الذي قتلني من أجل أخته/ تذكّر وهو يقضم ثمرة "المانجا" بأن ليس له أخت/ التلميذة بعدما سرقت عكاز جدتها/ وكذبت على الأدغال/ تذكرت بأنها لا تعرف أن تحكي لنفسها/ حكاية/ الجندي الذي حصل على ساحة في "روما"/ وتفّ عليه طلاب المدارس/ تذكر أنه من حجر.....».
واقع الشعر في الوقت الحالي وما يجري من تصدير لأسماء وتلميعها بما لا تستحق وفعلها الثقافي هو عامل غير صحي، هذا من جانب، ولكن لا يوجد سبب واحد، وهنا يوضح حال الشعر فيقول: «أجد في النخب المؤسساتية المثقفة عجز مطلق في إطلاق اسم لشاعر أو كاتب يستحق هذه الصفة، بل هم عاجزون عن إشهار حتى ماركة لمنتج أو ماركة لعصير برتقال، توجد فجوة بينهم وبين الكتّاب فحالهم كحال من يسعى لمجده الشخصي، خاصة وأنهم انتظروا طويلاً واهترأت أكفهم من التصفيق لمن سبقهم وجاء الوقت الذي يرون فيه أكف غيرهم تصفق لهم».
ويكمل: «من هنا لم أكن أسعى لجائزة ما، بل هي حتى لا تعنيني في شيء، وحالي معها كحال أهل تلك القرية مع الراعي الكاذب الذي شغلهم بقصة الذئب، فأنا لست ضد فكرة الجائزة ولكنني مع متابعة هذا الراعي وتصديقه وأنا سأصدقه لكي أعرف من هو هذا الذئب. لم أشارك في أي مسابقة لأنني لا أكتب لأجلها بل لكي أمتّع الآخرين، ولا أنتظر المديح من أحد، فرواية "عزازيل" على سبيل المثال كانت ستروق لي حتى لو أنها لم تحصل على جائزة، لأنها تمتلك في مقوماتها العمل الإبداعي».
في ديوانه الأول استحضار مكثف لشخصيات موجودة في تاريخ البشرية، هذا الأمر وجد فيه البعض مأخذاً سلبياً، لكن "وائل" يجد أن الطريقة القول لا تعنيه وأن الإنسان أسير ما تأثر به، ويضيف: «بالتأكيد هذا الشيء سينعكس بشكل أو بآخر على المنتج الثقافي لهذا الكاتب أو سواه، صحيح أن ديواني الأول مملوء باستحضار هذه الشخصيات ولكن لهذا سبب أهمه أنني في حال انتقام من هذا التاريخ، لقد انتقمت منه وصفّيت معه حسابي، فالتاريخ غير منصف على الإطلاق فهو يمجد مجرماً كـ"نابليون" وجعل من أقواله حكماً تناقلتها الشعوب واقتدت بها، كذلك تلميع صورة المرأة عبر شخصية كـ"شجرة الدر" تلك المرأة المتسلطة والمتآمرة، أنا أرى أن التاريخ أغفل الكثير من الناس كانوا أجدر من هؤلاء وأمثالهم، كم أتوق لمعرفة يوميات "عبد" أو "جارية" سكنت "أثينا" في ذلك الزمن، لقد أهملهم التاريخ».
ويتابع: «ما يحتويه هذا الديوان مجموعة من الأفكار لا يمكن لقصيدة واحدة أن تتحمل وزرها فتوزعت في قصائد عدة وهذا ما جعل منه مفعماً بهذه الشخصيات التي يراها البعض عيباً وأنا لا أجد في ذلك ما يرونه».
يقول في قصيدة "الفاجعة والإكليل": «رائعٌ/ كيف أحبّت الجميلة في البداية وحشاً/ وتركت "ديدمونة" نصيبها الآسر/ من خيول الدنيا/ لتغادر بشفتي "عطيل"/ مذهل تَجَرُّعُ "روميو" زجاجة السم/ بعد انتزاعها بصعوبة من بين أصابع "جولييت"/ ربما ليس عدلاً/ لكنه بديع/ أن يستشهد أحدهم/ في سبيل امرأة أو صحراء/ صدقاً/ ما كان للفيلم أن يكتب له الحياة/ لولا سقوط "ماغي رايس"/ صريعة في مدينة الملائكة/ لذلك/ مهما حصل/ ومهما صار/ لا تتكبري على العشب بعد اليوم يا "هيلين"/ فكل هذا الحسن/ جاء من "طروادة"».
ويعتبر "وائل زيدان" من الذين عملوا لمسرح الطفل وهو قد كتب نصين مسرحيين كان لهما طيب الأثر بعد عرضهما في أكثر من مناسبة وفي أكثر من بلد عربي، الأول بعنوان "ابن الحداد" والثاني "لماذا أصبح جدهم شجرة" عن سر كتابته للطفل في زمن ندرة النصوص التي توجه له، قال: «كان الطفل يعيش في داخلي، هو ذلك الشقي الذي تفحص كل زوايا بيئته، كانت لغته حاضرة، واليوم أحاول أن أعيد هذا الطفل إلى الحياة، لدي إحساس أنه مات في داخلي، أخشى أنه مات».
و"وائل" معجب بالمسرح، يجلّه ويحترمه، فهو يشبهه بالإله، قال فيه: «ميزة المسرح أنه يعطي الموتى فرصة العودة إلى الحياة، يمنحهم بعض الوقت ليعبروا فيه عن دواخلهم، وهذا ما أعتبره خلقاً جديداً».
قال فيه الكاتب "عبد الله أمين الحلاق": «عندما تقرأ "وائل" للمرةِ الأولى تشعرُ أنك بحاجةٍ للقراءةِ أكثر من مرةٍ دون مللٍ أو تململٍ فلقلمهِ أسلوبٌ ونكهةٌ خاصةٌ تستدرجك بلباقةٍ وتهذيبٍ إليها، ففي أغلبِ القصائد نجدُ اللونَ واحداً والبنية ذاتها فالقصيدةُ باختصارٍ تحملُ بصمة شاعرها وصانعها».
ــ "وائل زكي زيدان" من مواليد سلمية في العام 1974
ــ متزوج ورزق بولدين "يزن" و"شهرزاد".
ــ من أعماله المسرحية للأطفال: "ابن الحداد"- "لماذا أصبح جدهم شجرة".
ــ له ديوان واحد "ما سأعزفه للتماسيح في الغد" صدر عام 2010 عن دار التكوين.