من كلماته تنطلق رائحة "الشيح" و"الزعتر البري" وطيور تفرّ من بين صخورِ مكانه المفضل "جبل البلعاس*"، لذلك سمّي "شاعر البلعاس".
موقع eSyria التقى الشاعر "خضر عكاري" ليتحدث عن تجربته التي ضمت في جنباتها الكثير، فانطلق "عكاري" ليعرفنا أكثر عن قصة "شاعر البلعاس" فقال: «جاءت عن طريق بعض القراء المتابعين، كما أني أكتب عن الأرض، وأحب الجغرافيا في الشعر، لم أعتمد أسلوب "الشخصنة" في أشعاري، فكنت أكتب عن الوطن، و"جبل البلعاس" جزء من حياتي، زرته مراراً وتكراراً برفقة الأصدقاء، ومنهم من جعل وجهته هذا الجبل ليتعرف عن قرب كيف يكون "بلعاس خضر عكاري"، ولاحقاً أطلق مفهوم "بلعسة الشعر"».
لقد استطعت أن أنتصر لهذه الألفاظ التي تدل على معجم "خضر عكاري" وهذا الشيء أفتخر به
ولأنه أحب الأرض كتب فيها الكثير، لكنه في الوقت ذاته من مناصري الغموض في الشعر، يقول في ذلك: «ما أحبه في الشعر هو ذاك الغموض الجميل، وهذا الغموض يحتاج قارئاً أجمل متابعاً ومجتهداً، فالشعر هو أن يكثف الشاعر عدة كروم بخابية واحدة، أنا لست مع القصيدة الواضحة المعالم، ولا أعتمد المنبرية في أشعاري، ولست مسؤولاً عمن لا يعي قراءتي جيداً، فالقصيدة كالموسيقا ليس لها لغة ولا ترجمة، كما أنها ليست للفهم كعلم الرياضيات، باختصار الشعر حالة تذوق، حالة من حالات التصوف، أنا أؤمن بهذا وأكتب على هذا».
من هنا يجد المتابع لشعر "خضر عكاري" أن المفردة العامية تكاد تكون موجودة في كل قصائده، يقول في هذا المنحى: «معظم الألفاظ التي أستعملها هي معجمية، لكن وكما يبدو أن القارئ ينظر إليها على أنها كلمة عاميّة لتداولها اليومي، أنا أتقصد هذه الألفاظ النائمة، وأتمنى من القارئ الرجوع إلى المعاجم اللغوية ليجد معظمها».
ويتابع: «أتعمّد دائماً النحت في اللغة بابتعادي عن المعجم، المعطى اللغوي جديد بشكل مستمر، لهذا يجب أن نستخدمها إن كانت تتناسب وبنية القصيدة، فاللفظة المفردة ليست لها معنى كالتائهة في خضم بحر لا تعرف السباحة، لذا يجب النظر إلى اللفظ العامي بناءً عما يسبقها ويليها من كلمات، إن حققت غايتها فهي أمر جيد ولا ضير من ذلك».
ويتابع: «لقد استطعت أن أنتصر لهذه الألفاظ التي تدل على معجم "خضر عكاري" وهذا الشيء أفتخر به».
نترك الاتجاه الشعري لديه لنتلمس رؤيته حول قصيدة النثر، فيقول في ذلك: «لا يكتب القصيدة النثرية إلا الشاعرُ الشاعرْ، لأنها عصيّة عن أن تتقولب بقوالب جاهزة على طريقة "الفراهيدي"، وأنا أرى أن البحور الشعرية مقتل للحالة الإبداعية التي يجب أن تتوفر في القصيدة».
ويضيف: «من يكتب الشعر العمودي لا يستطيع كتابة القصيدة النثرية لكونه محملاً بكرهه لها، وهم بذلك لا يأتون بجديد، الشاعر النثري يشكل اللغة من جديد، تمسك بالقارئ من تلابيبه لا تجعله ينام أو يتثاءب على كرسيه، في حين تجد أن قصيدة عمودية مؤلفة من سبعين بيتاً تدخل الملل للمستمع، ولو أردت اختصارها لفعلت ذلك في عشرة أبيات، ولكن هذا لا ينفي وجهة نظري أن أجمل ما قيل هو الشعر الجاهلي، فالشاعر المبدع لا تقف أمامه أية حدود وزنية».
من جانب آخر يجد "خضر عكاري" أن الشعراء كثر، لكن القصائد قليلة، يقول: «يأتي الشعراء وتتغندر القصائد تتعثر بأقدامها الحافية ضاربة عرض الحائط موعدها الحقيقي».
ويتابع: «يوجد من الأسماء الشعرية الكثير، ولكن الولادة الأولى قد تكون لبوساً كاملاً، أو جلابية مفصّلة ليست على قدّهِ».
أما جديده فهو عبارة عن "مزامير عكاريّة" وعنها يقول: «هذه المزامير أكتبها على طريقة الومضة الشعرية، هو مشروع كبير يلخص تجربة حياة، تخلصت فيها من كل التابوهات، فأنا أرى فيها تشويهاً للفعل الإبداعي، فعندما يقال لفنان: التزمْ، يعني كأن تقول له: اختنقْ، الالتزام عفوي، ولكن الإلزام هو القسر، من هنا أجد أن الإبداع هو الأخلاق».
ويتابع: «أن تأتيني امرأة بموعد أولي، تعطيني حالة عندما أحتويها كما يحتوي البياض القصيدة، لأختلس منها القبلة، وقتها أشعر أنني وصلت إلى ما أريد، الإبداع».
ولكن يشاع أن على كل من يود حضور أمسية للشاعر "خضر عكاري" أن يصطحب معه بندقية صيد، لأنه سيتفاجأ بين الفينة والأخرى بعصفور يفرّ من هنا، وقبّرة من هناك، فالقصيدة عنده أرض، وطبيعة، وإنسان.
وينهي: «قصائدي لي، أنا نزق وألفاظي كذلك، أكتب الخاطرة، والمقالة، والدراسات الأدبية حصراً فيما يتعلق بالمجموعات الشعرية، لم أكتب الرواية، فأنا شاعر وهذا يكفي».
يقول في ومضة له من "مزامير عكاريّة": «امنحيني أيتها القصيدة/ وقتاً ملائماً/ لأهذّب بعض ألفاظي/ وأسرج صهيل الكلام/ موشوشاً/ صديقي "حسين" الذي رحل باكراً/ ناسياً في بلعاس قلبي/ عائلة من الحب والحنان».
ــ بطاقته الشعرية: هو من مواليد "سلمية" في العام 1944، نال الثانوية العامة، وأهلية التعليم الابتدائي، عضو اتحاد الكتاب العرب، وعضو في جمعية الشعر، له عدة عناوين شعرية مهمة وصلت إلى أربعة عشر ديواناً، وثلاثة أخرى قصائد للأطفال نذكر منها: "الوجه الآخر- 1984"، "سيرة البلعاس- 1985"، "بيروت فرس الرهان- 1986"، "شقائق النعمان- 1994"، "بلعاسيات- 1995"، "سومريات- 1996"، "افاميا العاشقة- 1996"، "تجليات- 1997"، آخرها "تراتيل للصحو القادم".
ــ من قصيدة "هو البلعاس مداي الشعري":
«بلعاس/ مداي/ جنون/ فضاءات مداراتي الشعرية/ صبح يبهق في خد.. خزامى الوهدة/ المشغولة بالنجوى/ ينتشل الآه/ يُجنُّ/ ولولا.. زقزقة العصفورة/ ما.. ارتبك الدرب حيننا.. صوب/ حفاة البطّامين المشرورين/ هنا وهناك/ وشمس البلعاس تقيم أفراح البطم/ المشلوع».
** "جبل البلعاس" أو "محمية البلعاس": محمية طبيعية تسهم في الحفاظ على التنوع الحيوي والحياة البرية في المنطقة التي تقع إلى الشرق من مدينة "سلمية" بمسافة 55 كم على مساحة وقدرها 35 ألف هكتار، وهذه المحمية جزء من سلسلة الجبال التدمرية، وتمتد في الطرف الجنوبي الشرقي من محافظة "حماة" ضمن البادية السورية على طريق عام "عقيربات- تدمر" وتتبع إدارياً إلى منطقة "سلمية".