وجوده على مرتفع بعيد عن طوفان نهر العاصي وموقعه الاستراتيجي المطل على قلعة "حماة" وما حولها، أعطاه تفضيلاً ليكون تجمعاً بشرياً من الأحياء العريقة في مدينة "حماة"، هو الحي المعروف اليوم باسم حي "الجراجمة".
مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 12 حزيران 2014، التقت الباحث "مصطفى عزكور" ليحدثنا عن الموقع الجغرافي للحي بقوله: «يقع حيّ "الجراجمة" في الجهة الغربية من مدينة "حماة" ويحده من الغرب حي "جنوب الثكنه"، ومن الشرق "حي المدينة"، وكان يفصله عن حي المدينة قديماً (باب المغار) الذي كان قائماً على سور المدينة، ومن الجنوب الشرقي حيّ "المغيله"، أما من الشمال الغربي حي "البرناوي"، ومن الشمال نهر العاصي، ومن الشمال الغربي شير الجراجمة، ومن الجنوب حيّ "باب القبلي"».
تكثر في الحي المغارات والكهوف، وخاصة في شير الجراجمة، وبالنسبة للشوارع والأزقة ضمن هذا الحي والأحياء المشابهة فلم تكن تخضع لأي مخطط هندسي تنظيمي آنذاك، بل كان شقها يتم مصادفة حيث تتحكم فيها الملكيات، لذلك نجدها ضيقة ومتعرجة ومنها ذات درجات حجرية
حيّ "الجراجمة" حيّ شعبي تسوده علاقات المحبة والتكافل الاجتماعي بين أهل الحي كباقي أحياء مدينة "حماة" القديمة، يقول "عزكور": «هو من أحياء السوق الممتد جنوب وغرب القلعة، يسكنه نسبة جيدة من المتعلمين والمثقفين، أما أغلب سكانه فهم من الطبقة الكادحة، وكانوا قديماً يعملون بدبغ الجلود والصباع والزراعة، وهم عائلات عريقة، منها: "آل الشامي، والرمضان، العبدالله، القاق"، وغيرها من العائلات».
ويضيف "عزكور": «تكثر في الحي المغارات والكهوف، وخاصة في شير الجراجمة، وبالنسبة للشوارع والأزقة ضمن هذا الحي والأحياء المشابهة فلم تكن تخضع لأي مخطط هندسي تنظيمي آنذاك، بل كان شقها يتم مصادفة حيث تتحكم فيها الملكيات، لذلك نجدها ضيقة ومتعرجة ومنها ذات درجات حجرية».
الجراجمة هم سكان مدينة "جرجوم أو جرجومة" بضم الجيمين والواقعة في جبال (اللكام) أو الأمانوس شمال أنطاكية، وعن سبب تسميتها يقول "عزكور": «أخذ الحيّ اسمه من المكان الذي جاء منه أهل الحيّ، ووردت تسميتهم بالمصادر السريانية والعربية بـ"الجراجم" وحسب "البلاذري" (ت 892) الذي يقول في كتابه فتوح البلدان: "الجراجمة هم أهالي جرجومة وهي مدينة في جبل اللكام (الجبل الأسود أو الأمانوس) بين بياس وبوقا"».
وحسب مصادر تاريخية يقول "الأب هنري لامنس اليسوعي" مؤلف كتاب "تسريح الأبصار في ما يحتوي لبنان من الآثار": «إن جرجومة مملكة صغيرة وجدت في القرن التاسع قبل الميلاد في الجزء الشمالي الغربي من "سورية"، وكانت عاصمتها "مرعش" أو "جرمانيسا"، وإن شعب هذه المملكة لم يكن آرامياً لأن الدولة الآرامية لم تمتد لتشمل منطقة هذه المملكة. ويضيف: إن كلمة "جراجمة" مذكورة في الكتابات الآشورية، فالجراجمة كانوا مسيحيين الى أن فتح القائد العربي المسلم "حبيب بن مسلمة الفهري" مدينة الجرجومة، وفي سنة 89 هجري (707م) أراد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك إخضاع الجراجمة الذين استمروا في عدائهم للعرب المسلمين، فأرسل أخاه "مسلمة" فاحتل مدينة جرجومة ومنح سكانها حرية الاستقرار في أي مكان في "سورية" بعد أن هدم مدينتهم ووطنهم في جبل (حوّار) الذي يعرف اليوم بـ"كيليكيا"، وبعضهم استقروا في "حمص، ولبنان، وحماة"، وانصهروا مع سكان المناطق التي استقروا فيها».
ينفرد جامع وحيد في حي "الجراجمة" هو "جامع السرجاوي"، وفيما يخص المدارس في الحي يحدثنا الباحث "عزكور" بقوله: «من المدارس التي اندثرت "المدرسة الخاتونية" التي كانت تقع في البستان المسمى "بستان الخاتونية" الكائن في أول مدخل محلة الجراجمة من الجهة الشرقية على يسار النازل إلى باب النهر، ونسبت المدرسة الخاتونية إلى المؤنسة "خاتون" بنت الملك (المظفر الثاني محمود) ملك "حماة" من الأسرة الأيوبية، وكانت تعرف المدرسة قبل ذلك باسم "دار الإكرام" ثم بدار الضيافة عندما أنشأ فيها الأمير (مبارز الدين أقوش) داراً للضيافة، إلى أن جاء عصر الملك (المؤيد أبي الفداء) فعرفت بدار المؤنسة "خاتون" (عمة الملك الأيوبي أبو الفداء)، وقد حولتها إلى مدرسة حملت اسمها ووقفت لها أوقافاً كثيرة، وقيل عن المدرسة في ذاك الوقت أنها من كبريات المدارس في بلاد الشام، أما اليوم فتوجد مدرسة حديثة تقع بالقرب من جامع السرجاوي».