حضر عدد كبير من الأطفال إلى عروض مهرجان "حماة" المسرحي الحادي والعشرين، سواء برفقة الأهل أو منفردين، والحقيقة أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالمهرجان المسرحي فقط، بل هي ظاهرة الحضور المسرحي عموماً في "حماة"..
ظاهرة حضور الأطفال تكررت في جميع العروض، خاصة عرض الافتتاح، وبلغ عدد الأطفال في عرض "عفواً بيكيت" لمخرجه "عبد الكريم حلاق" أكثر من ربع صالة دار الأسد للثقافة والفنون بحماة والتي تتسع لحوالي 700 شخص تقريباً.
حضور الطفل مع العائلة إلى المسرح، هي عادة تتصل ببعض العادات الاجتماعية، ونحن بحاجة إلى توعية الأهالي لها
والطريف في الأمر أيضاً أن الأطفال تواجدوا أيضاً في جلسات النقاش بعد العروض، حتى أن رئيس لجنة نقاش العروض الفنان "هشام كفارنة" طلب من أحد الحاضرين ضبط أطفاله..
وللوقوف عند صحية هذه الظاهرة، مدونة وطن eSyria التقى بالمسرحي المخضرم "مصطفى صمودي" بتاريخ 23 كانون الأول 2009، والذي تحدث عن هذه الظاهرة فقال:«الفرق بين "الظاهرة" و"السمة"، أن الظاهرة آنية، بينما "السمة" دائمة، والدليل أننا إلى الآن لم نصل بالمسرح إلى ظاهرة "السمة"، ولم نخلق جمهوراً مسرحياً حقيقياً».
وأضاف "صمودي": «عندما كنّا في عرض "أنغام ورقص- حمام ساخن" أتاني أحدهم وبدأ يحتج وقال يجب أن يحضر ابني المسرحية، فقلت له بالفعل يجب أن يحضر ولكن لا يجب أن يحضر أمثال هذه المسرحية، فوجود الطفل فيه إزعاج للممثل وخاصة إذا كان الطفل رضيعاً، حيث يأتي بكاء الطفل الرضيع ليشوش العرض».
وعن الحل الذي يراه قال "صمودي": «الحل بإيجاد مهرجان مسرحي للطفل، مسرح "يوسف شموط" مثلاً هو "مسرح الصدمة"، وهو ليس استخفافاً بالعمل بل توصيفاً له، فالطفل يتلقى المعلومات، والمشهد مثل الإسفنج، وبالتالي لا يجب أن يحضر مثل هذا العرض كي لا تتكون لديه نظرة سلبية عن العرض المسرحي، وهناك بعض العروض التي لا يجب أن يحضرها أطفال أبداً؛ عندما يأتي الأب بالطفل يعتقد أن المسرح له وللطفل، ومهما أقنعته فسيعود للحضور معه، أنا أرى أنه يجب أن يحضر الأب مع طفله، وأن لا يحضر الطفل مع والده».
الإعلامي "رياض محنّاية" قال: «ظاهرة حضور الأطفال لمشاهدة العروض المسرحية برأيي هي ظاهرة جيدة فيما لو استطعنا أن ندرّب الطفل مسبقاً على كيفية الحضور، أي أن لا يأتي الطفل وهو لا يعرف أي شيء مسبقاً عن الصالة وعن الاجتماع المهرجاني، ليس كل طفل مؤهل للحضور، فحضور الأطفال دون سن العاشرة، هي ظاهرة مؤذية للمسرح».
وعن تأثير المسرح على الطفل أضاف "محناية": «ليست كل العروض صحية لذهنية الطفل خاصة عروض المهرجانات، فالطفل لا يمكن أن يفهم مقولة العرض، الحل بإيجاد مسرح طفل دائم، يمكنّه من التدرب على حضور المسرح، وبالتالي يمكنّه في عروض الصغار من قراءة مقولة العرض».
الفنان "زيد الظريف" قال: «لا شك أن بعض العروض مثل عرض "أنغام ورقص- حمام ساخن" وعرض "أخطاء حمراء"، هي عروض من نوع السهل الممتنع، صورة واضحة للغاية لكن لا يمكن تفسيرها بسهولة، هذا ما يترك عند الطفل الكثير من الأسئلة قد يتذكرها عندما يكبر ويجد الإجابات عليها، أو قد لا يتذكرها».
وأضاف "الظريف": «مادمنا نتحدث عن الطفل فدعنا نتحدث عن اللاشعور، أو ما يختزن لدى اللاشعور عند الطفل، في مثل هذه العروض إذا كان سيسجل شيء في اللاشعور لدى الطفل فهي إما حركات من نوع معين بين ذكر وأنثى، أو حركات ضاحكة ليس لها أي مدلول لدى الطفل سوى أن الطفل ضحك لأنه رأى غرابة من نوع معين، وفي كلا الحالتين هناك تساؤل، في الحالة الأولى ذات المدلول الجنسي هل هذا شيء حميد؟، وفي الحال الثانية هل أديت غرضك بإضحاك الطفل على شيء ليس هدفه الإضحاك، لذلك نحن ننحو باتجاه أن يكون هناك مسرح اختصاصي أطفال».
وقال "الظريف": «أنا أعتبر أن جزءاً من مهمتي كفنان هو شمولية ما أقدمه على المستوى الإنساني ليناسب الإنسان باختلاف عمره، عدا موضوع الدخول إلى مسائل "التابو" الذي له هواجسه المعينة، وخارج "التابو" يجب أن لا ينضم الطفل للمعادلة».
البعض رأى أن مستوى العروض المقدمة هو السبب في قدوم هذا الحشد الغفير من الأطفال، المحامي "عبد المنعم حلاّق" قال: «هناك قصّة سمعتها مرة عن أم أتت بابنها إلى أحد المحاضرات في أوربا، وفي منتصف المحاضرة، بدأ ابنها البكاء، فحملته إلى خارج الصالة، وقبل أن تخرج قال لها المحاضر: "صوت بكاء طفلك لا يزعجني يا سيدتي"، فأجابته: "لكن صوتك يزعج طفلي"».
رئيس فرع نقابة الفنانين في حماة "معمّر السعدي" قال: «حضور الطفل في مسرح الكبار هو خطأ ثقافي، فكري، معنوي، وفيزيولوجي، وأقصد الأطفال تحت سن الإثني عشر عاماً، لذلك أنا مع أن تقام فعاليات مسرح الطفل بشكل منفصل عن مهرجان حماة المسرحي».
وأضاف "السعدي": «حضور الطفل مع العائلة إلى المسرح، هي عادة تتصل ببعض العادات الاجتماعية، ونحن بحاجة إلى توعية الأهالي لها».
بقي أن نشير أن الطريقة التي استعملتها نقابة الفنانين للإعلان عن مهرجانها المسرحي في منطقة مقابلة لمدخل أكثر أسواق حماة شعبية "سوق الطويل"، حيث نشرت ثلاث صور للفنان "سامر المصري"، والفنان "غياث السحّار" والفنانة "سوزان نجم الدين"، كان لها الدور الأكبر في استقطاب هذا الجمهور الغفير من الأطفال لرؤية الفنان "سامر المصري" صاحب شخصية "أبو شهاب" الذي نكنّ له كل تقدير يكرّم في اليوم الأول، بدلاً من الإعلان عن أسماء العروض المسرحية، وأسماء مخرجيها ووو...
إذاً هل مسألة كبح جماح حضور الطفل وإبعاده عن العروض المخصصة للكبار والتي هي مسألة تصب في مصلحة الطفل أولاً وفي مصلحة العرض ثانياً هي مشكلة مستحيلة الحلّ؟
إذا كانت كذلك فقد كان الأَولى للمنظمين أن يتعاملوا بطريقة أكثر تنظيماً كي لا يعتب المشاهد، والضيف، والصحفي، وكذلك الأطفال الذين سُمِحَ لهم بالحضور.