في آخر نقطة تماس سكنية من ناحية "عقيربات" التابعة لمنطقة "سلمية" مع خط البادية، كانت تغفو كنيسة قديمة تحتوي ثاني أكبر لوحة فسيفسائية في "سورية" بعد اللوحة الأولى في منطقة "طيبة الإمام"، حيث قام المستكشفون الأثريون السوريون بنفض غبار مئات السنين عن الكنيسة واللوحة.
مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 20 كانون الأول 2018، "بسام إسماعيل" مشرف الآثار بدائرة "سلمية"، ليتحدث عن ظروف اكتشاف الكنيسة، فقال: «بتاريخ 4 كانون الثاني عام 2018، تمّ إبلاغ شعبة الآثار في "سلمية" للإسراع في الكشف عن آثار في "عقيربات"، بهدف المحافظة عليها، وكشف المزيد مما تختزنه أرضها، وبعد عمل دؤوب دام 4 أشهر، وعلى الرغم من الظروف القاسية من برد شديد وخطر التفجيرات وظروف الحرب على "سورية"، إلا أننا أكملنا العمل حتى النهاية، لنكتشف لوحة فسيفسائية تبلغ مساحتها 450 متراً مربعاً، على مساحة كنيسة قديمة تبلغ مساحتها 650 متراً مربعاً، حيث قمنا بنقل اللوحة إلى مستودعات آمنة ريثما يبنى متحف في مدينة "سلمية"؛ ليعاد ترميمها من جديد».
نسبة التخريب في اللوحة يعادل 15%، وهو ناتج عن حفريات في استيطان الموقع بأعمدة بيتونية، إضافة إلى وجود أنفاق تحت اللوحة حفرتها عصابات إرهابية؛ وهو ما اضطرنا إلى ردمها للمحافظة عليها، ثم نقلها إلى مستودعات آمنة، وننتظر بناء متحف في "سلمية" لإعادة ترميمها أسوة باللوحة الفسيفسائية الأولى في "سورية" التي بني عليها متحف في "طيبة الإمام"
مشرف الآثار في ذات الدائرة "سليم الحموي" قدم معلومات تاريخية عن الكنيسة المكتشفة، قائلاً: «تأتي أهمية اللوحة من أهمية الموقع، فناحية "عقيربات" التي تقع على خط سيف البادية، تعدّ آخر منطقة مأهولة بالسكان، وكان الموقع مفاجأة لنا، فالكنيسة المكتشفة بمساحتها الكبيرة تدل على تجمع سكاني ضخم، ونظام بنائها يدل على أنها محاطة بسور يشبه كنيسة في منطقة "الأندرين" في ريف "حماة"؛ بذات النموذج، فهي دار للعبادة محاطة بسور ضمن مدينة مسورة أيضاً. واللوحة تعود إلى القرن الرابع الميلادي، وأقدم تاريخ لوحة مدونة في الكنيسة تعود إلى عام 412م، وأحدث لوحاتها المدونة ترجع إلى عام 434م».
ويضيف "الحموي" عن موقع الكنيسة الأساسي: «يتضمن الموقع ثلاث مراحل استيطان؛ وهو ما يدل على أنه استخدم كمركز ديني ودار للعبادة، حيث كانت الكنيسة الرئيسة التي أعيد ترميمها ما بين عامي 416-419م بسبب زلزال ضرب "بلاد الشام"، وبعد دمارها تم ترميمها والاستغناء عن اللوحات الفسيفسائية والاستعاضة عنها بقطع البلاط وتوظيف الانحناءة الرئيسة، حيث استخدم البناؤون المعشق والرخام وقطعاً صغيرة بالتعشيق الحجري، وكان على شكل بحرة في المذبح، وهو مكان تنفيذ طقوس العبادة، إضافة إلى "البيما"؛ وهي مصطبة مرتفعة لتنفيذ طقوس شرقية وسط الكنيسة. واللافت للنظر أن "البيما" أو المصطبة في الكنيسة الأولى كان تجاه الانحناءة نحو الغرب، وهو معاكس للمتعارف بأن يكون الاتجاه شرقاً».
وأضاف: «بعد الانتهاء من عمل الحفريات، كان عرض الموقع 18.5 متر، وطوله 37 متراً؛ أي ما يعادل مساحة 650 متراً مربعاً الكنيسة كاملة، واحتوت على أشكال هندسية بالأروقة، وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام: شمالي، وأوسط، وجنوبي. الرواق الشمالي يحتوي أشكالاً هندسية ونصاً كتابياً، ومشهد لبوة تفترس ثوراً، وغزلان وطيور. والرواق الأوسط هو الرئيس، ومقسم إلى قسمين؛ الأول أمام "البيما" الذي احتوى مشاهد متعددة للحيوانات من طيور مائية وحجل وأسماك وكلاب وأحصنة وأرانب، بينما القسم الثاني المتضمن "البيما" احتوى مشاهد هندسية وستة خراف على الأطراف، ووسطها شجرة الحياة، وعليها طائر الفينيق الأسطوري، إضافة إلى وجود نص كتابي ضمن الانحناءة المتجهة إلى الغرب. عدد النصوص الموجودة كان 14 نصاً، ولكل منها تاريخ، وكان أقدم نص يعود إلى عام 412م، وأحدثها يعود إلى عام 437م».
أما فيما يتعلق باللوحة المكتشفة، فقال: «نسبة التخريب في اللوحة يعادل 15%، وهو ناتج عن حفريات في استيطان الموقع بأعمدة بيتونية، إضافة إلى وجود أنفاق تحت اللوحة حفرتها عصابات إرهابية؛ وهو ما اضطرنا إلى ردمها للمحافظة عليها، ثم نقلها إلى مستودعات آمنة، وننتظر بناء متحف في "سلمية" لإعادة ترميمها أسوة باللوحة الفسيفسائية الأولى في "سورية" التي بني عليها متحف في "طيبة الإمام"».