على وقع الكلام المقفى والموزون ارتفعت روح التفاعل بين الحضور في قاعة المركز الثقافي "بالحسكة"، وقد ألهبت بعض أبيات الشعر المحكي "الشعبي" حماس الحاضرين، ولكن ما أخرج الجمهور عن طوره هو "الهوسة"* التي تمايل الناس لها طرباً، بهذه الفقرات المنوعة أقيمت أمسية شعرية عبر الشعراء فيها عما يجيش في صدر كل واحدٍ منهم بكلمات كان وقعها كزخات المطر.
موقع eHasakeh التقى الشاعر "اسماعيل الحصن" أحد المشاركين في هذا اللقاء الأدبي: «كانت هذه الأمسية رائعة بكل المقاييس فقد تفاعل الجمهور والشعراء كلٌ حسب ما يحمله للآخر، فالشعراء تفاعلوا من خلال الكلمة، كما تفاعل الجمهور من خلال التفاعل والحماس الذي بدا واضحاً ومرتسماً على الوجوه، فالشعر ليس مقترناً بمناسبة واحدة بل كلنا يعلن أن الشعر كان حاضراً ومقاتلاً في كل الميادين، طبعاً هذا الكلام لا يقتصر على الشعر الموزون أو المقفى، فمنذ أن كانت الخيل والليل والبيداء تعرفني كان الشعر الشعبي حاضراً ويقابل شعر المتنبي البيت الذي يقول "يا يما بري مهيرتي / أكبر وأنا خيالها».
القلم سيفي والورق ميداني/ وحروف قافي والقصيد حصاني/ قصيت من خام الأشعار هدومي / وفصّلت من أزهى البيوت رداني
يضيف "الحصن": «أريد أن أقول مع احترامي الشديد للغة الفصحى الأم فإن الشعر الشعبي لا يقل أهمية عن الشعر الموزون في بعض المحافل، فلو أخذنا واقع الجزيرة لوجدنا أن الشعر الشعبي هو الأقرب للاستساغة، كما تعمل الرنة المستخدمة فيه على إلهاب حماس المستمعين، وأقول دائماً إن الشاعر هو القاسم المشترك بين الجمهور والقصيدة، فالشعر هو رسالة بحد ذاته ويجب على الشاعر أن يعرف متى وأين وكيف يوصلها».
ويختم "الحصن": «أميل للبداية في بعض الأحيان بقصيدة الزهيري، وشعر الزهيري يكتب على وزن البسيط يأتي بسبع قواف، الثلاث الأولى تتشابه لفظاً وتختلف بالمعنى، ويعقبها ثلاثة تتشابه لفظاً وتختلف بالمعنى، ثم تنضم إليهم القافية السابعة وهي تشابه الثلاثة الأولى وتختلف في المعنى، أذكر هنا بيتاً من الزهيري يقول:
"نجمك لمع بالسما وفوق النجوم وسام/ انخانا تلقانا زلم نسقي لعدوك سام"، ولكن في المحصلة كانت الغلبة في هذه الأمسية للشعر الشعبي حيث عزز هذه الغلبة البيئة التي ينتمي إليها كل من الشعراء والمستمعين».
أما الشاعر "محمد سعيد الغربي" فقال: «تميزت هذه الأمسية بالشعر المقاوم الذي تغنى به كل الشعراء على خشبة المسرح، أنا أكتب الشعر الشعبي والشعر الفصيح ولكني آثرت في هذه الأمسية أن أقدم قصيدتين الأولى كانت باللغة العربية الفصحى، والثانية كانت قصيدة تفعيلة، وقد نحيت اليوم القصيدة الشعبية مع علمي أنها تحتل موقعاً متقدماً في مخيلة أهل الجزيرة».
يضيف "الغربي": «تحدثت قصيدتي الأولى عن دمشق التي أكن لها كل إجلال وتقدير فهي من جهة أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، ومن جهة أخرى يضفي ذكر هذه المدينة على القصيدة صلابة ومنعة كما تعطي للقصيدة نفحات من العنفوان، مع أن زملائي قدموا الشعر الشعبي والفصيح وآثرت أن أقدم الفصيح فقط، ولكن هذا الاختلاف أعطى تنوعاً للأمسية وإيقاعا يتراوح بين سرعة الشعر الشعبي ورتابة الشعر الفصيح، لكن بالعموم تميز الشعراء بشكل كبير وكانت حرارة الإلقاء تلهب حماس الحضور».
الشاعر الثائر "خلف موان الوادي": «يتفاعل الشعراء مع المناسبات بصدق كبير وهذا هو سر تألق الشاعر فما يخرج من القلب يستقر في قلوب الآخرين، وقد لقبت بالشاعر الثائر نسبة لقصائدي التي تقتصر على الشعر المقاوم والشعر المقاوم إبان مشاركتي في مسابقة شاعر الشعراء في دار الأوبرا بدمشق، التزمت وقتها وعلى مدى أربعة أيام بالشعر المقاوم».
وعن الأمسية يقول "الوادي": «هي باقة جميلة عرض كل شاعر أجمل ما لديه فالشعر كالمبارزة يعمل الشاعر على إظهار أجمل المكنونات التي يختزنها بين السطور، وأنا أكتب الفصحى ولكن ما قدمته اليوم كان شعراً شعبياً صرفاً، فلكل شاعر أدواته التي يدغدغ بها شعور جمهوره، ويجب على الشاعر أن يوظف القصيدة لتخدم المناسبة أو الحدث».
** للهوسة جمهور يعشقها ويتمايل معها طرباً وجمهور الجزيرة هو خير من تغنى وسمع الهوسة، فقد رأيت تفاعل الجمهور حتى إنه وقف وتمايل مع الرنة الموسيقية للمقطع الذي ألقيته، وبالعموم فالشعر الذي أكتبه لا تفصل بينه مسافات كثيرة فكله شعر مقاوم، وبالمحصلة لا يمكن لأي شاعر أن يصل إلى جمهور عريض في يومنا هذا بمفرده، وهنا لا بد لي أن أشكر الإعلام بكل أصنافه فهو المنبر الذي يصلنا بالناس، ولولاه لبقيت الشريحة التي نتعامل معها ضيقة جداً.
ويختم "الوادي" حديثة ببيت من الشعر الشعبي فيقول: «القلم سيفي والورق ميداني/ وحروف قافي والقصيد حصاني/ قصيت من خام الأشعار هدومي / وفصّلت من أزهى البيوت رداني».
وتعليقاً على الأمسية قال الأستاذ "عبد الوهاب محمد الحسين" رئيس المركز الثقافي: «ليس غريباً على هذه المحافظة أن تنجب مثل هؤلاء الشعراء، فقد كانت الأمسية شديدة الحرارة والتباين بين الشعر الفصيح والشعبي، الأمر الذي أرضى أذواق الحضور جميعاً، فدائماً نرى الحماس ينبثق من قصائد الشعراء ولكن ما رأيناه اليوم أستطيع وصفه بالعاصفة الشعرية».