هي "الحسكة" التي ماؤها سر الحياة والعودة، فمن شرب ماءها لا يمكن له إلا أن يعود إليها، ومن يهجرها بجسده لا بد أن يسوق الحنين والوجد روحه إليها، لقد كانت وما زالت تُلهم الشعراء والكتاب ليبوحوا بما في أجوافهم، فخبز التنور الذي أصبح قبلة الكتاب ونقاوة المرأة البدوية التي غطى خمارها أحاسيس الشعراء، اجتمعا اليوم على خشبة ثقافي "الحسكة" التي امتدت أطنابها من "السويداء" إلى "الحسكة".
في ليلةٍ "سورية" بامتياز جاءت "السويداء" إلى ربوع الجزيرة، لتحمل الشعر إلى مضاربها، من خلال أمسيةٍ للأدب أقيمت في ثقافي "الحسكة" بتاريخ 14/4/2011، برعاية فرع اتحاد الكتاب العرب في "الحسكة"، حضرها موقع eHasakeh والتقى القاص والإعلامي "خليل بيطار" فقال: «منذ ما يزيد على ثلاثة عقود جئت إلى "الحسكة" معلماً، وقد درّست في قرى "تل براك"، لكنها لم تهجر مُخيلتي فها أنا اليوم أزورها لأستعيد ذكرياتي، لقد جئت بالقطار متعمداً لأحاكي مجيئي الأول الذي كان بالقطار أيضاً، لا أخفيك لقد بدا التغير واضحاً وجلياً، ولا أقصد الجانب العمراني فهو جزءٌ من الحداثة، بل ما يهمني هو الجانب الأدبي، لقد أجريت العديد من الحوارات، تحديداً منذ وصولي في الصباح إلى المحافظة، في الحقيقة وبكل تجرد أتمنى أن يكون الاهتمام أكثر مما شاهدته، بمعنى أنني أريد ألا ينحصر الحراك الثقافي في المدينة وحدها، بل يتجاوز هذا المدى ليشمل كل التجمعات الموجودة في المحافظة».
كانت أمسية جميلة ورائعة تلونت بين الشعر والقصة، قدم من خلالها الشاعر "عساف" ثلاث قصائد في غاية الروعة وهو الشاعر المعروف بهذا النفس، أتمنى له مزيداً من العطاءات في هذا المضمار، فالشعر هوية العرب الخالدة ورسالتنا للعالم بأسره، بأننا أهلُ للحضارة كنا وما زلنا، أما القاص "بيطار" فقد ساق في قصصه معاناة الطبقة الفقيرة والمتوسطة، من خلال قراءة جميلة وممتعة وأضفى إلقاؤه على القصة لوناً زاهياً، أشكره على حضوره لهذه المسافة البعيدة التي تكبد عناءها وأتمنى له مزيداً من التقدم والإبداع
يضيف "بيطار": «أنا انشط في العديد من المجالات ومنها الصحافة السياسية والكتابة الأدبية، لقد كتبت للصغار والكبار، وعايشت الفئتين العمريتين لكني وجدت المتعة جُلها مع الصغار، هم نبض الحياة المتجدد، فالطفل هو عقلية مرنة وطيّعة أكثر وبإمكان أي كاتب أو أديب أن يصنع منها ما يشاء، أما الكبار فهم أصحاب ذائقة معينة وقد تصلّبت توجهاتهم بسبب التجارب التراكمية، من جهة أخرى تستوجب الكتابة للكبار على الكاتب أن يُلم بالتكنولوجيا التي أصبح العالم يلج إليها ببساطة، ولا أعني هنا أن الكتابة لهم باتت مستحيلة، بل على العكس لكنها تستوجب معرفة الكاتب بالتعامل مع العوالم الافتراضية المتمثلة بالشبكة العنكبوتية، لقد كنت أديباً قبل مجيئي إلى الصحافة، أما دخولي في عالم الكلمة فقد جاء في مرحلةٍ لاحقة، كنت أعرف أنه وبمجرد دخولي هذا العالم سيؤثر على موهبتي الأدبية، لكني أحسنت التعامل معه، فأنا لا أكتب لمجرد الكتابة بل لكي أتذوق ما أكتب، بالعموم أقدم شكري وامتناني لاتحاد فرع الكتاب العرب في "الحسكة"، متمنياً لهم التقدم الحثيث للأمام».
الشاعر "علوش عساف" قال: «لقد جاءت مشاركتي لمشاركة الضيف العزيز على قلوبنا الأستاذ "بيطار"، ألقيت من خلال مشاركتي ثلاث قصائد كانت الأولى في تأبين الشاعر الكبير "محمود درويش"، أما القصيدة الثانية فقد ناجيت فيها الشاعر الكبير "نزار قباني"، وأما الثالثة فقد كانت عاطفية بامتياز، أنا كشاعر أعترف بأن المرأة هي الملهم الأول والأخير لكل من يجنح بخياله، ففي كل تقاسيمها تسكن العبارات والجمل، وهي تشدني حتى في القصائد الوطنية والقومية، لأن المرأة في اعتقادي تُشكل الوطن من خلال براءتها، افتتحت مشاركتي بتأبين شاعر المقاومة "محمود درويش" فقلت فيه: "ترجلّت حين الزمان يزف الخلود.. عروساً إليك.. وحين النزيف.. يُنكّس لون الدماء.. بأفق الجراح.. حداداً عليك"، وهذا أقل ما يُقال عن شاعر قارع الاحتلال بالقلم، أتمنى أن يكون الجمهور قد سَعِد بما استمع، وأحيي جمهور الأدب في المحافظة».
الكاتبة "إيفيت تانو" قالت: «كانت أمسية جميلة ورائعة تلونت بين الشعر والقصة، قدم من خلالها الشاعر "عساف" ثلاث قصائد في غاية الروعة وهو الشاعر المعروف بهذا النفس، أتمنى له مزيداً من العطاءات في هذا المضمار، فالشعر هوية العرب الخالدة ورسالتنا للعالم بأسره، بأننا أهلُ للحضارة كنا وما زلنا، أما القاص "بيطار" فقد ساق في قصصه معاناة الطبقة الفقيرة والمتوسطة، من خلال قراءة جميلة وممتعة وأضفى إلقاؤه على القصة لوناً زاهياً، أشكره على حضوره لهذه المسافة البعيدة التي تكبد عناءها وأتمنى له مزيداً من التقدم والإبداع».
الكاتبة "هدى يونان" قالت: «ازدانت أمسية اليوم بالكثير من المعاني والعبر والإسقاطات الجميلة من خلال الشعر الذي سمعناه، فكل المتابعين للحركة الثقافية في المحافظة يعرفون الشاعر، الذي يقوده حسه الوطني لكل المناسبات التي تشهدها المحافظة، هو شاعر مخضرم يجيد امتطاء الكلمة والولوج من خلالها إلى قلوب المستمعين، أما القاص "خليل بيطار" والذي تعرفنا إليه من خلال حضوره إلينا في المحافظة، فقد قدم قصتين صوّر فيهما الواقع الاجتماعي من خلال تصوير بعض الحالات، لقد قام القاص بمزج الجد بالهزل الأمر الذي جعل التشويق هو السمة البارزة لما قدّم، أشكر له قدومه وإمتاعنا بخياله وواقعيته في النصين، وأشكر فرع اتحاد الكتاب العرب لهذه الجهود، التي لا غرض لها إلا الارتقاء والتنوع بالشق الثقافي في المحافظة».
مدير المركز الثقافي في "الحسكة" عبد الوهاب الحسين" قال: «نحن كمديرية ثقافة لا نألو جهداً في النهوض بالواقع الثقافي في المحافظة، لهذا نحن نرحب بكل المبادرات التي يقوم بها المثقفون، اليوم كان الحضور جيداً وكانت السوية نوعية، ما تم تقديمه يدخل البهجة والسرور على القلب، فأن ترى أقصى القطر في أقصاه هذا أمر يبعث على التفاؤل، لقد رأينا التقارب بين الثقافات الموجودة في "السويداء" والتي نقلها الكاتب إلينا، وكأنه يتحدث عن "الحسكة"، كما قام الشاعر بنثر أبياته ليأخذ من طيفها القاص إلى مسقط رأسه، نتمنى أن يبقى الحراك الثقافي على هذه السوية، هذا في حال لم نتمكن من رفعه، لكن ما أنا واثقٌ منه أن تكاتف الجميع في هذه المحافظة، سيسير بنا إلى كل ما هو أفضل».