«إن مسألة تذوق العمل الفني من قبل المشاهد هي مسألة نسبية تختلف باختلاف الأمزجة والشخصية ما يعطي تنوعاً في وجهات النظر حول عمل فني واحد».
هذا الكلام للفنان التشكيلي "عيسى النهار" في حديث خصه عن كيفية قراءة العمل الفني من قبل الجمهور حين التقاه eHasakeh في المركز الثقافي العربي في "الحسكة" والسؤال هنا ما العلاقة بين المشاهد والعمل الفني؟
هذا الطلب غير جائز مطلقاً لأن الفنان يصنع العمل وينتهي دوره وليس المطلوب منه أن يشرح عمله لأن اللوحة هي التي تعبر عن الموضوع
يقول "النهار": «العمل الفني هو المحرض والمشاهد هو الحكم، وبين المشاهد والعمل الفني تتراكم مجموعة من قيم هي التي تشكل صلة الوصل بينهما وهي اللوحة نفسها ومن الذي رسمها وهل لحياة الفنان أو شخصيته أثر في إنتاج هذه اللوحة وهل يمكن الربط بين معاناة الفنان وحياته وبين اللوحة؟ أم نأخذ اللوحة بمعزل عن الفنان، وماذا في هذه اللوحة من قيم تشكيلية تتعلق بالمضمون الذي يعكسه الموضوع المطروح ومدى قدرة الفنان على إيصال الفكرة إلى المشاهد وهل نجح في تحقيق هذه الغاية؟ هذا من ناحية الهدف، أما من ناحية الوسيلة التي استخدمها الفنان للوصول إلى ذلك نناقشها على أساس قيم تقنية كالأسلوب المتميز للفنان أو الطابع الشخصي الذي يحدد هويته مقارنة مع باقي التجارب.
ويندرج تحت هذا الأسلوب مجموعة من المقومات منها ما يتعلق باللون أو الخط أو الحلول التشكيلية المطرحة داخل العمل الفني من إحساس بالحجم أو الدرجات اللونية أو علاقة الحجم باللون أو الإحساس بالبعد الهوائي أي الفراغ وتلمس الفرق بين الخامات سواء كانت حجراً أم خشباً أم قماشاً، وهنا أيضاً موضوع التناظر والتوازن بين اللوحة في تشكيل اللوحة ومدى قدرة الفنان على التوافق بينهما».
وفي هذا السياق سألنا الفنان التشكيلي "خضر عبد الكريم" كيف يقرأ المشاهد العمل الفني؟ فأجاب: «اللوحة عندما تعرض هي التي تجذب المتلقي أو لا تجذبه ولا يعيرها المتلقي أي اهتمام وهذا يبقي حسب طبيعة المتلقي وثقافته ومتابعته للفن التشكيلي بشكل عام وللوحة بشكل خاص، وأيضاً حسب الأفكار المطروحة في العمل الفني إذا كان لدى المتلقي الإمكانية في قراءتها وتحليل رموزها وعناصرها وعلاقة هذه العناصر مع بعضها وتبقى هذه القراءة لها خصوصية المتلقي، ويجب ألا ننسى أن الفن التشكيلي جاء في الأساس كحاجة بشرية ولم تكن هذه الحاجة لها علاقة بالجانب الإبداعي ولا يوجد في الفن التشكيلي ثوابت للفنانين والدليل على ذلك أن الفنانين التشكيليين تاريخياً كانوا سباقين في فكرة التغيير».
فإذا كانت ثقافة المتلقي هي التي تحدد قراءته، فإلى أي مدى يمكن لهذا العمل أن يشد المتلقي إليه أو يبعده منذ النظرة الأولى التي يقع عليها عينه وما يمكن أن يشعر به المتلقي من حزن أو بهجة أو تأمل في محاولة الكشف لرموزه إذا افترضنا أن الانطباع الأولي هو كل ما يشكل للعمل الفني من قراءة؟
يجيب الفنان التشكيلي "عيسى النهار": «إن التأثير الأولي الذي يحدث في النظرة الأولى له أهمية كبيرة في علم النقد لأنه مرتبط بعوامل آنية تعتمد على الانطباع الفطري أكثر من اعتمادها على التجربة الموضوعية المدربة ولكن يلجأ بعض النقاد إلى عدم الاعتماد على الانطباع الأول حتى لا تأخذهم فكرة الانبهار كما جاء في نظرية علم الجمال بان الفن انبهار باعتبار إن الانبهار ظاهرة مؤقتة لكنها في حد ذاتها تشكل صورة ايجابية للإحساس الخاص بالمشاهد فقد يتأثر بموضوع اللوحة أو بألوانها أو الأسلوب المعالج به كالتقنية اللونية أو الملمس المتنوع، ومن هنا فالانطباع الأول الذي تشكله اللوحة هو محرض هام ودعوة للتأمل والتقييم».
من أي زمن يمكن أن يأخذ الفنان موضوعه، هل ذلك من واقع الحياة اليومية أم من الماضي أم يرسم رؤيته للمستقل؟
جوابا عن هذا السؤال يقول "النهار": «يمكن ألا يرتبط موضوع الفنان بأي صلة بواقع الحياة وبذلك قد تجاوز الوقت والزمن في عالم غيبي من نسيج الخيال يشكله الفنان كما يريد من خلال ما يطرحه من الأفكار والمشاعر والتي تتمثل في "السريالية" ومن جهة أخرى هناك لوحات يحاول فيها الفنان نقل الواقع بكل حيوية وحرارة في أعمال يركز على موقف الإنسان ودوره من خلال تأكيد الزمان والمكان في إطار واقعي طبيعي منفذ بتعبيرية رومانسية يعطينا فكرة واضحة عن علاقة الإنسان بواقعه، وقد تبهرنا هذه الموضوعات المستمدة من الواقع والمطروحة بكثير من المهارة في الرسم واللون والأداء التعبيري قد تجعلنا نحلم أو نفرح أو نحزن كعملية مشاركة وجدانية».
إذا قلنا إن المشاهد في البداية ينظر إلى اللوحة التشكيلية ثم يذوق وبعدها يحكم، فهل يمكن أن يكون الحكم على جودة العمل دون الالتزام بهذه المراحل المتعاقبة؟
يرى الفنان "النهار": «إن المشكلة تكمن في الحكم المسبق والذي يحصل في كثير من الأحيان إن المشاهد قد يجهل رموز اللوحة فلا يتقبلها، وأنا أرى أن أفضل شيء هو تدريب الرؤية وتثقيف العين وهذا لا يأتي فقط بمشاهدة لوحة أو لوحتين إن مسألة التذوق هي مسألة بناء الإنسان من الداخل بناءً جمالياً».
في بعض الأحيان قد يعجز مشاهد اللوحة التشكيلية من فك رموزها، فيطلب من الفنان صاحب العمل أن يعبر له عن معاني اللوحة لغةً، فهل طلب المشاهد جائز؟
يجيب عن هذا السؤال الفنان النحات "دنخا زومايا" قائلاً: «هذا الطلب غير جائز مطلقاً لأن الفنان يصنع العمل وينتهي دوره وليس المطلوب منه أن يشرح عمله لأن اللوحة هي التي تعبر عن الموضوع».
وبين هذا والفنان وذاك ربما الرؤية مختلفة في مسألة التذوق ولكن أغلبهم متفقون على أنه لم تتبلور بعد في مجتمعنا الشرقي قواعد نقدية واضحة في الفن التشكيلي وإن كان هناك من يمارسون النقد فإنهم يعتمدون بذلك على المدارس النقدية الأدبية.