بين عشقٍ صارخ للفن ومقت وامتعاضٍ من الواقع الذي يعيشه الفن، تعتصر قلبه نفحات شمالية لتأخذ ألوانها من قلب بلا ألوان، فترتسم على لوحاته تناقضاتٍ لونية مشكلةً شخوصاً برزخية، تنطق العذاب بدهشة، فترجع مهرولةً إلى مستقبل مبهم...
موقع eHasakeh التقى الفنان "أكرم زافي" وكان هذا الحوار:
يسعى "زافي" إلى صناعة فن جميل بكل الوسائل المتاحة، كما يحاول أن يقنع المشاهد أنه يصنع شيئاً كبيراً، فهو يمتلك موهبة جميلة تتجلى في تناغم الألوان، ولكني أعيب عليه شيئاً واحداً وهو ضرورة البحث في أعماق الشخوص الموجودة لديه لإبراز بعض الأمور التي ربما إن ظهرت تشكل له نقلة نوعية، أنا معجب بفنه وبقدرته على اختيار المواضيع وأتمنى أن يكون طريقه سالكاً ليحقق جميع ما يصبو إليه
** لقد رسمت أول لوحاتي في أول يوم من حياتي، فالدم الذي امتزج بقطعة القماش البيضاء عندما ولدتني أمي كانت لوحتي الأولى، صحيح أنني ولدت باكياً إلا أن هذا البكاء لم يمنعني من الرسم، قد يقول قائل إن كل الناس هم فنانون بحكم اللوحة الأولى، لكني أقول هناك من يلقيها خلف ظهره مقبلاً على الحياة، لكن القلة هم الذين يصطحبون هذا المنظر في مشوارهم الحياتي، وهذا هو الفرق فأي موهبة لا يمكن أن تنمو وتكبر إلا إذا أحيطت بالرعاية الكاملة.
** بصراحة نحن نعيش اليوم في عالم يكتنفه الغموض، لقد أصبح من الصعب معرفة ما يكنه لك الآخرون، فالصدق في التعامل أصبح نادراً لهذا تجدني أخاطب المتلقين للوحاتي قائلاً إن التشويه في الشخوص الموجود في اللوحات لم يأت من فراغ، فهي صورة للنفس الشريرة داخل كل إنسان، فإذا لم نتمكن من السيطرة عليها وإحلال المحبة محلها، فبالتأكيد ستتحول صورنا الخارجية إلى ما يشبه الإنسان، وعلى هذا تكون رسالتي هي الدعوة الصريحة لنشر التسامح والمحبة بين الناس.
** أولاً أريد تصحيح كلمة مدرسة فلا يوجد شيء اسمه مدرسة فنية، فلقد ترجمت كلمة مدرسة بشكل خاطئ، والأصح هو الحركة الفنية لأن الكلمة المنقول عنها هي arts movement، أما بخصوص لأي مدرسة أنتمي، أنا لا أنتمي لأي مدرسة لأنني وببساطة أرسم ما أريد وأي نوع أريد، وبدقة أكثر أنا أستطيع أن أنتقل من خطي الذي أرسم فيه وهو ما يسمى بالتعبيرية التشخيصية إلى نوع آخر ودون أي عناء، وأعتبر أن مصطلح مدرسة هو بمثابة التقييد للفنان.
** "سبهان آدم" فنان يمتلك نظرة فنية، وهو مبدع وأنا أفخر بأنه ابن بلدي، وأنا أكن له كل الاحترام والتقدير، ولكن أؤكد أني لم أتأثر بأعماله، وحتى إن كان فليس من العيب أن يتأثر أحدنا بشخص ما، لكن ما هو حاصل إذا صح التعبير أن المشاهد يرى تقارباً بين لوحاتي ولوحاته، وهذا ما أعزوه لانتمائنا لنفس البيئة فهو رسم من واقع "الحسكة" وأنا فعلت نفس الشيء وهذا هو سبب التقارب.
** عالمي فني ولحدي مرسمي، ففيه تتلاشى الحواجز وتندثر، ويتسع الفضاء من حولي فتتكسر القيود على جدار الإحساس بالريشة، وأطبع ذاتي على قماش اللوحة لأتلذذ بما يحجبه عني فتات اللحم الذي يكسو العظام، بمعنى آخر لا يوجد شيء لا أستطيع تحقيقه على اللوحة، إلا أنني كسائر البشر ربما أستطيع أن أفصل بين حياتي اليومية وفني، لكن الإنسان مجبول من الأحاسيس ومشكلة الفن أنه حالة مزاجية لذلك ترى جزءاً من الأحداث تنطبع على اللوحة.
** الحقيقة أن حضارة ما بين النهرين كانت ومنذ الأزل عامرة بالثقافات، وتركت بصمتها على مر العصور فآثارها الشاهدة عليها تروي قصصاً للتاريخ، والرسومات التي نقشت على الجدران في مراحل زمنية متباعدة تغني مخيلة أي شخص فما بالك بالفنان، أنا زرت معظم هذه الآثار ووقفت على أطلال نتاجٍ رائعٍ للحضارات الآشورية والسومرية وحضارة الموزوبوتاميا، وكانت كلها تمزج بين الإنسان والحيوان وعلى الأرجح أن تأثري جاء من هنا.
** أعطتني الكثير ولكن سلبتني الكثير أيضاً، فهي أعطت كما تعطي الأم الرؤوم دونما حساب، أنا ممتن لها لكوني ابنها، فطبيعتها أغنت لوحتي بالألوان فهي بحد ذاتها لوحة، ولكنها سلبتني الشهرة والانتشار فهي محافظة نائية وبعيدة عن أسواق الفن العالمي، أنا لا ألقي اللوم كله عليها ولكن له النصيب الأكبر، لذلك أنا متيقن أن فني لن يرى النور إلا خارجها، فعلى الرغم من المسافة القليلة التي تفصلها عن العاصمة، إلا أن الوصول إليها يعد قفزة بالنسبة لي فالعائق المادي الذي خلق فيه الفنان يجعله بمنأى عن الحراك الفني.
وعن معارضه يقول "أكرم": «أقمت الكثير من المعارض وحاولت أن أضع فني في متناول الجميع، فالفن في النهاية هو رسالة، وقد اختصنا الله تعالى لإيصالها، فشاركت في معارض داخل وخارج البلد ومن معارضي:
** المعارض الفردية
2001 المركز الثقافي "بالحسكة"، 2002 صالة الباسل للمعارض "بالحسكة"، 2008 معرض في "عامودا"، 2008 صالة الباسل للمعارض، 2009 غاليري ناي آرت كافية "باللاذقية"، 2009 المركز الثقافي "بالحسكة"، 2009 غاليري artiquea بريطانيا – لندن، 2010 معرض في مرسم الفنان ولمدة يوم واحد "بالحسكة".
** المعارض الجماعية
2002 معرض تحية للشاعر العراقي الراحل "عبد الوهاب البياتي" "بالرقة"، 2003 معرض تحية للفنان "أحمد معلا" والموسيقي الفرنسي "جوليان فايس" "بالرقة"، 2003 معرض تحية للفنان الفلسطيني الراحل "مصطفى الحلاج"، 2004 معرض تحية للروائي "عبد الرحمن منيف"، 2007 معرض الفنانين الشباب في صالة الباسل للمعارض "بالحسكة"، 2009 معرض لخمسة من فناني "الحسكة" في ملتقى السرداب الثقافي "باللاذقية"، 2009 معرض "وترو لون" ضمن الملتقى الثقافي "بجبلة".
ويختم "زافي": «حلمي أن أعيش بين الألوان وأن أموت بينها، فالموت في الثقافة السائدة هو أسود اللون، إلا أنني أحب أن تكون خاتمتي لونية، وجل ما أتمناه أن أصل للعالمية وأن أترك بصمة تخلد ذكراي على مر العصور».
الفنان التشكيلي "دلدار فلمز" يتحدث عن أعمال الفنان "أكرم زافي" بالقول: «بدأ الفنان "أكرم" منذ سنوات وقد تابعته عن قرب، كان يرسم بفطرية جميلة، فكتبت عن فنه في جريدة الثورة، الحقيقة كنت أول من كتب عنه، إلا أن "زافي" اتبع الموضة في رسمه، كما اتبع بعض الأمور الجاهزة التي قد يشعر المتلقي أنه قد رأى هذه اللوحة سابقاً، وأنا لا أقصد أنه يأخذ من غيره، بل ما أرمي إليه هو أن البيئة التي يعيشها الفنانون في "الحسكة" متشابهة نوعاً ما، لذلك أقول إن الفنان يجب أن ينظر من زاوية لم يسبقه أحد إليها، فلو تعمّق في ذاته لكان الناتج أقوى وأروع».
الفنان التشكيلي "فرهاد خليل" يقول: «يسعى "زافي" إلى صناعة فن جميل بكل الوسائل المتاحة، كما يحاول أن يقنع المشاهد أنه يصنع شيئاً كبيراً، فهو يمتلك موهبة جميلة تتجلى في تناغم الألوان، ولكني أعيب عليه شيئاً واحداً وهو ضرورة البحث في أعماق الشخوص الموجودة لديه لإبراز بعض الأمور التي ربما إن ظهرت تشكل له نقلة نوعية، أنا معجب بفنه وبقدرته على اختيار المواضيع وأتمنى أن يكون طريقه سالكاً ليحقق جميع ما يصبو إليه».
من الجدير بالذكر أن الفنان "أكرم زافي" من مواليد "الحسكة" عام 1974م.