الصدق والدفء في اللون يغلب على لوحاته، يرسم بالواقعية التعبيرية لأنها جوهر اللوحة، مساحاته من الألوان موحدة مترابطة بريشة ناعمة، تجد في لوحاته وجوهاً من أحزان كثيفة مسربلات بالأنين ونسوة من رحيق الأزهار، ومن نسغ الكركور وبقايا أطياب معتقة، يبحث عن عوسجة لم تنم في سرير البراري ليرسمها.
في مرسمه الصغير في إحدى زوايا منزله بمدينة "عامودا" موقع eHasakeh بتاريخ 13/2/2011 التقى الفنان "محمد سعدون" وكان معه الحوار التالي:
لوحات "سعدون" تمرست بالصدق والأمانة مع نفسها، وهو يجتهد بالإطلاع المستمر على المعارف والفنون بدون استثناء، ليبقى وفياً لأدواته المعرفية وأبجديته وتجاربه الخاصة وأميناً لذاكرته البصرية، يبتعد قدر المستطاع عن إرباك الفكر الذهني الذي تعيشه اللوحة التشكيلية في بلده، بمعنى أن هناك دائما فنّاً ينتمي بخصوصيته المحلية تاريخاً وحاضراً، وربما هو معيار مهم للفن الحقيقي وليس المستهلك
* كيف تكون بداية اللوحة؟
** البداية تكون دراسة الفكرة الأساسية، وهذه دائماً ترتبط بشكل أساسي بالطقس الشرقي المباشر والمحيط العام الذي أعيش فيه، وهنا ننطلق من مقولة الناقد المجري "جوج لوكاتش" (عظمة أي فنان تنبع من عمق خبرته بالواقع وتراثه).
** المرأة أرسمها كعنصر تعبيري ورمزي وجمالي، لأنه في الحضارات القديمة تمثلت المرأة بالإلوهية كآلهة الجمال "فينوس" عند اليونان، كما أن اسم المرأة جاء تعبيراً مرتبطاً بالحرية والوطن والأم والحبيبة والأسطورة والحلم، وحين أرسم المرأة فإنما هو تعبير عن الانتظار والفقدان، وهي أحد العناصر المساعدة لتكوين اللوحة وتحقق القيم التصويرية في أي لوحة فنية ويتم طرح مواضيع كثيرة عن طريق رسم لوحة لامرأة أو وجه نسائي.
** التراث الشرقي مملوء بالحكايات والقصص الجميلة، فحاملات القش والطبيعة ونسوة الحصاد والعاملات في الحقول والمحراث القديم والأساطير القديمة، كلها لوحات فنية تدغدغ الذاكرة.
** الفنان عادة يكون مرآة لواقعه، ومن هنا تنطلق الفكرة واللون والمخيلة نفسها لدى كافة الفنانين التشكيليين، ومثال ذلك الفنانين العالميين "مالفا وبشار عيسى"، فرغم عالميتهما وغربتهما لا يستطيعان الهروب من الألوان الشرقية في لوحاتهم، وما تم اختزاله من ذاكرة الجزيرة بكافة أطيافها، وتأتي الخلفية التجريدية في لوحات "مالفا" منذ البداية وحتى الآن، مربوطة بخيط لوني واحد شرقي لا يتغير.
** أنا أرسم شخوصاً لا يكررهم الزمن مرة أخرى، وجوه غريبة وفلكلورية، أرى من خلالها الأساطير القديمة وحكايا الأجداد، ومثال لوحة "علي بك" من خلال تراسيم وجهه الشرقي وعمامته، ومثل هذه الشخصيات لا تعود وتبقى في ذاكرة منسية لذلك لا بد أن ترسم لتبقى.
** سابقاً كانت عبئاً، أما الآن ومع انتشار صالات العرض والوعي الثقافي الفني وتطوره، يستطيع الفنان عرض لوحاته بكامل الحرية ومتى شاء ذلك، بالإضافة إلى ظهور فئة من التجار ومذوقي الفن باقتناء اللوحات أو شرائها بهدف التجارة مما يدر ربحاً مادياً على الفنان.
** الفنانون التشكيليون في "الحسكة"، أثبتوا جدارتهم على المستوى المحلي والعالمي، وأكبر مثال على ذلك الفنان "بهرام حاجو" والفنان "يوسف عبدلكي" وغيرهم أنطلقوا من "الحسكة" وهناك جيل آخر يشق طريقه نحو العالمية في الفن التشكيلي، وما ينقص الفنان في "الحسكة" قلة الصالات، وضعف ثقافة الجمهور المختص من عشاق الفن التشكيلي.
** لا حدود لكليهما ولا حدود للفنان بالذات، وأحلامه لا يمكن أن تقف في وجهها مساحات طوطمية أو أورقة لولبية صماء، وأحلامه يحملها على كتفه ما دام الخريف صفحته المفضلة وأشجاره العارية تفصح عن حقيقة الكامن من الحياة، ودروبه تحتضن أوراق الوقت المتراقصة على وقع موسيقى ريح لا تقف.
يقول عنه الفنان التشكيلي "محمود عيسى": «اللوحة التعبيرية عند "محمد سعدون" تتجاوز الأفق، وشخوصه أشبه ما يكونون بقساوة الجدران الطينية، لهم حساسية الفراشات وعطر البابونج وأسرار الحُجب المعتقة، يفوح منها عطر الرسائل، نسوة يعشقن الثياب الملونة وعطر الحناء والأغنيات الحزينة كالرحيل، لا زمان لهم ومكانهم وتخومهم البيادر في ليالي الصيف المقمرة، حيث القمة المضاءة بالأحلام والرغبات، ألوانه الحارة تعكس حرارة الصيف الملتهبة لكن برؤية جديدة ومعالجة جديدة، حملت جوانبها رغبة الصانع في التألق بصنعته، والمبدع في البحث عن شتى السبل التي تؤدي في النتيجة إلى التأثير العميق في المشاهد...لا التأثير المباشر».
أما الفنان التشكيلي "خضر عبد الكريم" فقال: «لوحات "سعدون" تمرست بالصدق والأمانة مع نفسها، وهو يجتهد بالإطلاع المستمر على المعارف والفنون بدون استثناء، ليبقى وفياً لأدواته المعرفية وأبجديته وتجاربه الخاصة وأميناً لذاكرته البصرية، يبتعد قدر المستطاع عن إرباك الفكر الذهني الذي تعيشه اللوحة التشكيلية في بلده، بمعنى أن هناك دائما فنّاً ينتمي بخصوصيته المحلية تاريخاً وحاضراً، وربما هو معيار مهم للفن الحقيقي وليس المستهلك».
يذكر أن "محمد سعدون" من مواليد مدينة "عامودا" 1964، درس ر ـ ف ـ ك ومارس وعشق الفن التشكيلي عن موهبة...
عُرضت أول أعماله عام 1988 في مدينة "عامودا"، بالإضافة إلى مشاركاته في عدة معارض أخرى آخرها في مدينة "ديار بكر" في تركيا في عام 2010.