يعتبرهُ الكثيرون أحد المحاربين القدامى ممن دخلوا في صراعٍ أبدي مع اللوحةِ وتخطوا مراحل الهدنة دون أن يحسموا الصراع لمصلحة أحد، "محمد أمين عبدو" فنانٌ تشكيلي من جيل السبعينيات لا يزال في قمة عطائه الفني الذي لم ينضب بعد؛ هو ابن الحداثة إلا أنه يلتفت للجانب التجريدي حيناً ويداعب الواقعية بخجل حيناً آخر، يبحث عن الجديد ويحاول خلق لوحةٍ تلامس الواقع بمضمونها وتتخطى حدود المعقول بمشهدها البصري؛ لذلك اعتاد تمزيق لوحاته التي لا تحاكي ما يدور في ذهنه.
فبعد خمسةٍ وثلاثين عاماً من ولوجه إلى بحر الألوان لا يزال "عبدو" يجر أشرعته الشامخة وراءه بعد أن قذفتها رياح المعاناة إلى شاطئ اللوحة البيضاء لتكون استراحةً لمحاربٍ عنيد بانتظار مبارزةٍ قادمة. التقيناه في مرسمه الصغير بتاريخ 29/4/2011م لينثر أجوبته أمام تساؤلاتنا بكل عفوية من خلال الحوار التالي:
أي فنان مادام يخوض تجارب فنية مُتعددة فهو يقوم بعمل مهم؛ والفنان "عبدو" له باع طويل في التجارب الفنية ويخلق الجديد عن حالةٍ هو يعيشها؛ لذلك يتفرّد بأسلوبٍ خاص
** ربما في الثانية عشرة من عمري؛ فقد نشأتُ كما أقراني من الصبية في بيئةٍ بسيطة عنوانها العفوية والطفولة البريئة، وكباقي أطفال حيّنا الفقير رسمتُ الشجر والجبال والأنهار على جدران منزلي ودفاتر المدرسة تعبيراً عن أحلامي الصغيرة. ولأنني تعلّمت الرسم على نحوٍ فطري درستُ هذا الفن بشكلٍ أكاديمي في كلية الفنون الجميلة حينها رسمت بقلم الفحم والألوان المائية والزيتية ثم تعاملتُ مع النحت والديكور، بعد تخرّجي حدّدتُ طريقاً واحداً وهو الرسم عبر الألوان بطريقةٍ تُميّزني عن الآخرين.
** هناك وجود للمدارس الفنية وفق مرحلة تاريخية معينة ولها قواعد فنية تناسب خصوصية المرحلة التي وُلِدتْ فيها؛ لكن بين اليوم والأمس ثمّة مسافاتٍ بعيدة تفصل بين أفكار كلا الزمنين وهذا برأي لا يناسب اللوحة الفنية التي تحتاج دائماً إلى تجديد.
** لا يجوز تقييد الفن ضمن قالبٍ أو نموذجٍ واحد، بل على اللوحة أن ترافق الزمان والمكان وتكون خدمةً للمرحلة والبيئة التي تُخلقُ فيها.
** أتعامل مع الريشة والألوان وفق نمطٍ معاصر حديث يمكن تسميته بالحداثة؛ وبمعنى آخر أسعى دائماً إلى خلق لوحةٍ جديدة لم يسبقني إليها أحدٌ ما؛ لذلك فأنا أبحث عن نتاجٍ فني يُميّزني ويصعب على الآخرين تقليده.
** نعم صحيح هناك حضور للمرأة في كافة أعمالي الفنية باختلاف أشكالها؛ فهي رمزٌ للوطن؛ الحبيبة؛ الأرض ومكمن الحنان، والمرأة الشرقية هي بطبعها حساسة وتحمل من العطف والحنان ما يجعلها محل اهتمام الفنان سواء مثّلت صورة الأم أو حتى الحبيبة.
** ربما مشهد طفلٍ صغير جالس في إحدى الزوايا المُهملة؛ أو حتى صورة امرأة تحمل رضيعها بيد وبيدها الأخرى تقبض على كيسٍ تجره خلفها من شدة الأرق.
** ليس تماماً؛ لكني أحاول تناول المعاناة لتكون سبيلاً للوصول إلى الفرح.
** صعبٌ جداً هذا التخمين، فلا يوجد فنانٌ في العالم راض عن لوحاته التي انتهى من رسمها حديثاً، لذلك تبقى اللوحة الفنية ناقصة دائماً ويظل الفنان يبحث عن ضالته.
** هناك بعض الأسماء حقّقت في الماضي نجاحاتً على مستوى المحافظة والبعض الآخر ربما على مستوى القطر أو حتى على المستوى العالمي. أما في الوقت الحالي فثمّة أسماءٌ شابة كثيرة تحاول تقديم الأفضل؛ وسيكون أمام الحركة الفنية في المحافظة فرصة حقيقية للتطور بفضل اتحاد الفنانين التشكيليين الذي سيدعم هؤلاء الشباب سواء بإقامة معارض جماعية لهم أو حتى دعوتهم إلى معارض على مستوى القطر، فلم يعد الأمر صعباً كما في الماضي وبإمكان أي فنان خوض تجربة المعارض ولو بلوحةٍ واحدة طالما هنالك جهة رسمية ترعاه.
قال عنه الفنان "أحمد الأنصاري" عضو اتحاد الفنانين التشكيليين: «رغم انقطاعه الطويل عن الرسم إلا أنه عاد أقوى من السابق؛ يمتلك أدواته الخاصة به ويأخذ أغلب مواضيعه من الواقع اليومي والبيئة التي تحيط به ليعبر عنها من خلال جسد المرأة، وأنا اعتبره من الفنانين الجيدين على مستوى المحافظة».
الفنان التشكيلي "خضر عبد الكريم" أضاف: «أي فنان مادام يخوض تجارب فنية مُتعددة فهو يقوم بعمل مهم؛ والفنان "عبدو" له باع طويل في التجارب الفنية ويخلق الجديد عن حالةٍ هو يعيشها؛ لذلك يتفرّد بأسلوبٍ خاص».
الفنان "أحمد عكو" تابع: «له قدرة هائلة على التعامل مع جميع مدارس الفن التشكيلي؛ ومع ذلك يتحرر من الأساليب الكلاسيكية القديمة ويتْقن استخدام الألوان بما يناسب الحداثة، تجاربه كثيرة ولا أحد غيره يدري إلى أين ستقوده، فنانٌ لديه ثقافة أكاديمية فنية عالية لذلك فإن تجاربه تستحق الوقوف عندها طويلاً».
الفنان "جورج ميرو" رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين بـ"الحسكة" عبّر بالقول: «لديه طراز واحد ليس كرسام بل كمبدع وهذا يؤكد أنه نشيط ويحاول طرح أفكار جديدة تُعبر عن مهنية القول، يشتغل على التقنية الحديثة ويتناول المرأة بشكلٍ محترف في أغلب موضوعاته ليست كجسد بل كوعي وثقافة، اعتزُ بعمله لأن له خصوصية واضحة ومُميّزة، فهو مبدع بشكلٍ متكامل لكنه لم يأخذ فرصته في الفن التشكيلي السوري».
تجدر الإشارة إلى أن الفنان "محمد أمين عبدو" من مواليد "القامشلي" عام /1958/م حمل الريشة منذ عام /1975/م درس في كلية الفنون الجميلة قسم التصوير بـ"دمشق" عام /1979/ وتخرّج فيها عام /1985/م بدرجة امتياز. شارك في العديد من المعارض الجماعية والفردية ضمن محافظة "الحسكة". كما شارك في معرض مشترك أُقيم في "السويد" عام /1981/م وآخر في "ألمانيا" عام /1990/م؛ حصل على جائزة تقديرية ضمن معرض جماعي في "ليبيا" عام /1990/. وفي عام /2009/ اختير كعضو ضمن لجنة الفنانين والرسامين لتصميم وإخراج رسومات منهاج الصف الأول الثانوي لمادتي الرسم والجغرافية. مُقيمٌ حالياً في مدينة "القامشلي" ويعمل كمدرس لمادة الرسم في معهد الفنون النسوية.