تتميز الدبكات في أعراس أهل الجزيرة السورية بغناها بالحركات الفنية، ومنها الدبكات الكردية التي تمتاز بالقوّة والجاذبية حيث تمتزج الأغاني الراقصة بحركات الجسد، في حلقة تعبق ألوانها برائحة النشوة والجمال.
موقع eHasakeh التقى بدايةً السيِّد "محمود عبدي" من المهتمّين بالفلكلور، فحدّثنا عن الدبكات "الكردية" قائلاً: «في مدينة "الحسكة" وبقيّة مناطق الجزيرة أنواع عديدة لهذه الدبكات الشعبيّة، وهي خاصة للحفلات الاجتماعية كالأعراس والخطبة، وتسمى "ديلان" أي الدبكة، حيث تختلف عن الرقص الديني، يشترك الرجال والنساء في أداء معظمها، وجميعها دبكات جماعية، حيث يصعب أداؤها بشكل فردي- شخص أو اثنان-، ويعاب على المتقاعس عدم ممارستها وانعزاله عنها عند حضور العرس، تعقد بشكل دائري نتيجة اعتقاد قديم وهو الدوران حول شيء مقدّس، يقودها شخص يسمى "سر جوبي" أو "سركوفند" أي قائد الدبكة، ومهمته إعادة تصحيح وتوجيه مسارها، وطبعاً لا يستطيع أيّ شخص القيام بهذه المهمة لما تتطلّبه من الخبرة في هذا المجال، غالباً ما يحمل هذا الشخص قطعة قماش ملوّنة يلوّح بها عالياً، دليلٌ على اندماجه في الدبكة، وتأكيداً لقيادته لها.
حصل تطوّر في بعض الدبكات وخاصة بعد صعود الجيل الشاب، وابتكار الآلات الموسيقية الحديثة، ولكنها لم تخرجها من سياقها التاريخي وتلاؤمها الاجتماعي، والتطوّر اقتصر على بعض الأمور الديناميكية فقط، كزيادة سرعة الإيقاع وتوزّع بعض الحركات. يتكابر المسنون في المشاركة ببعض الدبكات، كـ"الهورزي" مثلاً، لما تتميّز به من حركات خاطفة، تناسب الشباب أكثر، وكذلك "الشيخاني" المخصصة لكلّ الأعمار بما فيها الأطفال، وما عدا كبار السّن ممّن تتجاوز أعمارهم ال 50 عاماً، بينما نجد الرجال المسنين الأكثر اندماجاً في دبكة "الكرمانجي" حيث يتم إبراز الرجولة والعنفوان فيها، وللنساء نصيب في جميع الدبكات مثلها مثل الرجل
يختلف الرقص "الكردي" في كونه لا يتخّذ من الأسطورة أو المعتقدات الدينية، مصدراً له، بل يرتبط بالواقع ويعبّر عنه، كالدبكات التي ترافق العروس في طريقها إلى بيت زوجها، حيث تحمل معاناة أسرتها وتجسّدها في حركات اليدين، أو رقصة "الكرمانجي" التي تعبّر عن قوة الرجال ومتانة التصاقهم برجولتهم».
الأستاذ "صالح هواش المسلط" الكاتب والباحث في التراث الجزراوي يقول: «الدبكات الكردية شديدة التنوّع وكثيرة التفنن، تصل إلى نحو خمسين دبكة أهمّها الدبكة التقليدية التي تعتمد على حركات بسيطة قوامها عدّة هزّات في الكتف تليها خفقة وانحناءة يسيرة، تساير أنغام "البزق" والغناء المصاحب من فنّان مدرّب يتجول بشكل دائري في الحلقة الكبيرة التي يقدمها الراقصون، وهذه "الكوفند" وهناك رقصات أخرى مشهورة كرقصة "الحصاد" أو "الباله" (pale)، وهي عريقة ومعقّدة تبدأ من الحرث والبذار إلى الحصاد والطحن ثم الخبز، مصاحباً بأغان وموسيقا وإيقاعات منوّعة، كما من الرقصات المشهورة رقصة "ججاني... شيخاني"، وتتميّز بعض الرقصات برشاقتها وخفتها، ولكل رقصة أغنية ولحن، والأهم أن أهل المنطقة كلهم يستطيعون المشاركة فيها».
وللحديث عن أنواع الدبكات الأكثر شهرة التقينا الفنان "موسى محمّد" الذي حدّثنا عنها بالقول: «تنقسم الدبكات الخاصة بأكراد مدينة "الحسكة" إلى أنواع عديدة، بعضها ذو حركة سريعة، والبعض الآخر ذو حركة بطيئة، وأنواعها هي: "ملاني، شيخاني، كرمانجي، هورزي، يار كووزال، سي كاف، بوطاني، به روبشت" والعديد من الدبكات التي اختفت عن الوجود، تبدأ الأعراس عادة بـ"الهورزي" كنوع من التحمية، تعقد هذه الدبكات بشكل دراماتيكي عند عزف الآلة الموسيقية، أو عند اجتماع الشباب ببعضهم في الرحلات والزيارات الخاصة، وتتخِّذ منها وسيلة للترويح عن النفس وإعادة الحيوية للروح، يرافقها أغنية خاصة تسمى اصطلاحاً "ديلوك"، تنقسم بدورها إلى عدّة أسماء، لتسمّى كلّ دبكة باسمها، قديماً كان يرافقها آلات موسيقية شعبيّّة كـ"الزرنا والداهول"، أما الآن فلا تدخل تلك الآلات إلا في دبكة "الكرمانجي" وبشكل نادر».
وفيما يتعلّق بطريقة أداء بعض تلك الدبكات الأكثر شهرةً أضاف "محمد" قائلاً: «تختلف الدبكات حسب السرعة والحماس من دبكة إلى أخرى، فمثلاً في "الكرمانجي" يكون الإيقاع سريعاً جداً، حيث تتشابك أصابع المشاركين من جهة راحة اليّد بشكل جيّد، وتلتصق الأكتاف بعضها ببعض والأذرع ممتدة إلى الأرض، حيث تهتّز بشكل عنيف أثناء أدائها، وتثنى الركبتان عدّة مرات صعوداً ونزولاً، لتقترب من الأرض أثناء الحماس، مع مَيلان واضح للراقصين فيها، بينما يتحرّك الرأس يميناً وشمالاً، وكأن الشخص يبحث عن شيء يهدِّئ به روحه المتمردة.
أما في دبكة "الشيخاني" فنجد المؤدين بشكل أكثر هدوءاً، وهي دبكة بطيئة جداً، تناسب مشاركة العروس فيها كما يحصل عادة، حيث يشبك إصبع الخنصر من يّد الشخص الراقص مع خنصر يّد من يجاوره، وتبتعد الأكتاف عن بعضها، ثم تبدأ حركة القدم اليسرى بخطوة واحدة نحو الأمام والعودة مجدداً، يتبعها ثلاث حركات من القدم اليمنى يساراً ويميناً وأيضاً يساراً ثم العودة، يليها حركة نصف دائرية للقدم اليسرى وهكذا، في هذا الوقت تكون الأيادي مرتفعة قليلاً عن الجسم، تؤدي حركات اهتزازية أماماً وخلفاً.
بينما نجد دبكة "الهورزي" أكثر حيوية من "الشيخاني" وأقل عنفاً من "الكرمانجي"، حيث تشبك الأيادي كما في دبكة "الشيخاني"، يتناوب القدمين في أداء الحركات الشمالية واليمينية، فتبدأ الدبكة بحركة يمينية مرتفعة من القدم اليسرى، والعودة إلى موضعها، يخلفها حركة يسارية مرتفعة من القدم اليمنى، والعودة مجدداً إلى موضعها، ثم ينهي القدم اليسرى الإيقاع بحركة تشبه حركة شفرات المقص، في هذا الوقت يكون كامل الجسد يتمايل مع الإيقاع».
السيّد "محمد أشرف خليل" قال: «حصل تطوّر في بعض الدبكات وخاصة بعد صعود الجيل الشاب، وابتكار الآلات الموسيقية الحديثة، ولكنها لم تخرجها من سياقها التاريخي وتلاؤمها الاجتماعي، والتطوّر اقتصر على بعض الأمور الديناميكية فقط، كزيادة سرعة الإيقاع وتوزّع بعض الحركات.
يتكابر المسنون في المشاركة ببعض الدبكات، كـ"الهورزي" مثلاً، لما تتميّز به من حركات خاطفة، تناسب الشباب أكثر، وكذلك "الشيخاني" المخصصة لكلّ الأعمار بما فيها الأطفال، وما عدا كبار السّن ممّن تتجاوز أعمارهم ال 50 عاماً، بينما نجد الرجال المسنين الأكثر اندماجاً في دبكة "الكرمانجي" حيث يتم إبراز الرجولة والعنفوان فيها، وللنساء نصيب في جميع الدبكات مثلها مثل الرجل».