هل حان وقت التخلص من الفصل بين الأنواع الأدبية، توجهاً نحو مفهوم النص المتعدي للأنواع، وهل يتعين على الكتابة اليوم أن تكون إسقاطاً للحدود، ودفعاً لفكرة النقاء النوعي؟ أسئلة طرحت في الندوة الأدبية التي أقيمت في اليوم الثاني لمهرجان الشعر السوري الثاني الذي أقيم في مدينة الحسكة.
بتاريخ 24/5/2010 الدكتور الناقد والشاعر "وفيق سليطين" الذي تحدث قائلاً: «في تأمل لتلك الأسئلة ينبغي أولاً، نقد فكرة الوجوب، ومقولة الحتم، ذات الطبيعة الجبرية، التي تقود هنا إلى إقرار تخطي وضع ما بتوثين مقلوبه، الذي سيغدو بهذا المنظور، قابلاً للتعين بخاصيات ثابتة نسبياً، من حيث هو تجاوز للثبات وانقلاب عليه، وينبغي من جهة أخرى، نقد فكرة النقاء نفسها، قديماً وحديثاً، فهي مجرد أسطورة تنشط في الرؤى اليوتوبية، وتتأسس في مدارات الحجب والانغلاق.
ينطلق النظر إلى أطروحة التعدي من درجة التعقيد التي بلغها العالم اليوم، ولا شك في أن مواجهة سبل الكتابة الإبداعية بعضها ببعض، يفتح على استكشاف طاقات واحدها قبالة الآخر، ونمن خلال مواجهته به، وينتهي تالياً إلى تفجير طاقات جديد في عمليات الاستحداث التركيبي المتعدي للسبل الواحدية، ولطرائق النظر القائمة عليها والموصولة بها، فمن شأن هذا التعدي النوعي أن يخترق منظورات البعد الواحد والتصورات المصاحبة لها، ليكشف في عمق المفاعلة عن خصوبة تعددية ومنظورات متواجهة ومتجادلة ترد فائض القيمة على ما يوازيها من طرائق الحضور الجديد في العالم، وتعضد بعائدها غنى التلاقح الفكري، وتثير أسئلته التي تبارح المراكز الثابتة والنماذج الصمتة القائمة في عزلة بعضها عن بعض، أو في وهم اكتمالها، بحيث يطوي كل منها في داخله الفجوات والصدوع، ويكبت أدلة القصور الذاتي، فيعّمي حقيقة النقصان بإشاراته النسقية التي تصون الأوضاع القديمة الحاضرة في أنموذجه على نحو أو آخر
منذ زمن ليس بالقليل بينت الدراسات المتخصصة في الفكر النقدي والبحث اللساني أن اللغة نفسها ليست نقية، فكيف يمكن للقواعد المشتقة منها أن تكون ذات نقاء جذري، وكيف يمكن لصيغة أو أخرى من صيغ البناء والتركيب أن تقوم في عزلة مطلقة، تكون عاصماً لها من الالتباس والانخراط في وضعيات مختلفة يقتضيها نشاط التفاعل وإمكان التحويل.
غالباً ما تنطلق دعوات التجاوز والعبور النوعي من واقع استنفاع التجارب في ضروب الكتابة الامتثالية، التي لا تعدو أن تكون صوراً حادثة مضروبة على أصل سابق تعيد إنتاجه، فتكف عن الوفاء بحاجات الخلق الفني والتأثير الجمالي، ويتضمن ذلك أنها تكف عن الاستجابة لمتغيرات الحياة وشروط الواقع في لحظته المركبة التي أفرزتها سياقات التحول الكوني، وتمخضت عنها رؤى العالم الجديد، وسبق "لأدونيس" أن بشر منذ نحو ثلاثين عاماً أو أكثر، بمفهومات التحول التي تراهن على التعدي النصي واجتراح آفاق مفتوحة لتمازجها وتفاعلها وانخراط بعضها ببعض، على سبيل العلو نحو مناطق جديدة في رؤى الكشف والإبداع، لكن ذلك لا يعني وجوباً الحذف النهائي للمفهومات النوعية، ومن هذا المنطلق ينبغي إعادة تدقيق مفهوم التجاوز في اختلاف طرائق استثماره بين العلم والفن، وهو ما يفتح على الاختلاف بين النفعي والجمالي، على المقياس النفعي تلغي الآلة الحديثة سابقتها، أو تقلل من سبل الحاجة إليها، لكن ذلك لا يطّرد على المقياس الجمالي، بمعنى أن الكتابة عبر النوعية لا تحمل بالضرورة فكرة التقويض النوعي، ولا تلغي إمكانية تأسيس تجارب فاعلة ضمن الأطر الموجّهة بحدود فكرة النوع، دون رفع هذا الأخير إلى رتبة النقاء الذاتي والاستقلالية المطلقة».
وفي سؤال لموقع eHasakeh عن أطروحة التعدي النوعي في الكتابة يقول د. "سليطين": «لا شك في أن هذه الأطروحة تكتسي أهمية خاصة، بما تفتح عليه من تعديل طرائق الاستجابة، وتخصيب رؤى العالم بالافتراع والاستحداث، وبما تروم التحول نحوه إبداعياً، باشتقاق تجارب تتوخى توسيع دوائر الكشف، وتغذية التوثب الفني على آفاق الريادة، وغزو مناطق البكارة، وتجريب الحراثة في أرض المجهول، وبهذا تصون الأطروحة وجاهتها التي تبقى محل تقدير، بما تنطوي عليه من قوة الدفع وطاقة النفي، ولعل ذلك ما جعل "أدونيس" يذهب إلى تأكيدها من جديد، ونسوق هنا على سبيل المثال شاهداً من كتابه الموسوم بـ "رأس اللغة جسم الصحراء"، يقول بعضهم هناك في الكتابة حدود لا يجوز اختراقها، أو هناك ثوابت لا يجوز المساس بها، ومعنى ذلك أن على الكتابة العربية، فكراً وأدباً، أن تظل دائماً داخل هذه الحدود، لكن هل تستطيع مثل هذه الكتابة أن تقدم للقارئ إلا فريداً من البعد عن الحقيقة، وعن الواقع، وتحديد الكتابة أو أسرها ألن يكون أسراً للغة وللإنسان، لذلك فإن إمكانات الحذف والإضافة وتخطي الحدود الثابتة والتعريفات المستقرة تظل قائمة ومفتوحة، بعيداً عن جبروت الحتم أو الوجوب، الذي يعني في دلالته القصوى، تحرير الكتابة المطوقة لإدخالها في طوق جديد محدث الصنع، ومن هنا يجب إعادة تكييف السؤال، لإدارته على نحو جديد، يتجاوز به حدود الحصر والمنع والاختزال».
يتابع الدكتور "سليطين" حديثه: «ينطلق النظر إلى أطروحة التعدي من درجة التعقيد التي بلغها العالم اليوم، ولا شك في أن مواجهة سبل الكتابة الإبداعية بعضها ببعض، يفتح على استكشاف طاقات واحدها قبالة الآخر، ونمن خلال مواجهته به، وينتهي تالياً إلى تفجير طاقات جديد في عمليات الاستحداث التركيبي المتعدي للسبل الواحدية، ولطرائق النظر القائمة عليها والموصولة بها، فمن شأن هذا التعدي النوعي أن يخترق منظورات البعد الواحد والتصورات المصاحبة لها، ليكشف في عمق المفاعلة عن خصوبة تعددية ومنظورات متواجهة ومتجادلة ترد فائض القيمة على ما يوازيها من طرائق الحضور الجديد في العالم، وتعضد بعائدها غنى التلاقح الفكري، وتثير أسئلته التي تبارح المراكز الثابتة والنماذج الصمتة القائمة في عزلة بعضها عن بعض، أو في وهم اكتمالها، بحيث يطوي كل منها في داخله الفجوات والصدوع، ويكبت أدلة القصور الذاتي، فيعّمي حقيقة النقصان بإشاراته النسقية التي تصون الأوضاع القديمة الحاضرة في أنموذجه على نحو أو آخر».
يذكر بأن الدكتور الناقد والشاعر"وفيق سليطين" من مواليد عام 1961. حائز على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابهاالأدب من جامعة القاهرة، أستاذ في كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة تشرين باللاذقية، عضو اتحاد الكتاب العرب جمعية الشعر.
له العديد من المجموعات الشعرية والمقالات والدراسات الأدبية المنشورة في الصحف والدوريات المحلية والعربية.