"بهرام حاجو" تشكيلي ترك الوطن ليستقر في ألمانيا، هناك حاول- بانكساراته والملامح المبهمة وإيماءات الحزن القاسم المشترك في لوحاته- أن يخرج إلى ما وراء اللوحة ويحلق، هو من الفنانين التشكيليين البارزين في سياق الحركة التشكيلية الألمانية الحديثة، ألمانيا التي يقيم فيها منذ ثلاثة عقود ويتمتع بجنسيتها إلى جانب جنسيته السورية، إضافة إلى اعتباره أحد رموز الفن السوري المعاصر.
وقد حظيت أعماله باحترام وتقدير واقتناء من قبل المتاحف وصالات العرض في مختلف دول العالم بينها: الولايات المتحدة، كندا، إسبانيا وألمانيا، علماً أنه تم تسليط الضوء على أعماله وتجربته في الإعلام العالمي كثيراً، حيث حقق شهرة واسعة في الوسط الفني الأوروبي.
وخلال زيارة الفنان "بهرام حاجو" لبلده الأم سورية، التقيناه وأجرينا معه هذا الحوار الحميمي.
** "بهرام" اسم كردي فارسي يعني الموهبة أو الموهوب، أما اسم "حاجو" فهو مشتق من الحج وهو اسم عربي محرف قليلاً بالكردية، بدأت بالرسم أو بالفن من صغري قبل مغادرتي سورية، كنت أرسم مثل كل طالب بالمدرسة وكل علاماتي كانت في المدرسة غير جيدة ماعدا الرسم، وبعدها سافرت إلى العراق وهناك حوالي سنة ونصف السنة كنت بأكاديمية "بغداد" وبسبب الظروف التي كانت في "بغداد" اضطررت أن أسافر واستقر في ألمانيا حيث درست علم الآثار وحصلت على الماجستير فيه، هناك وبعد ذلك درست فن الرسم والرياضة للتدريس، حيث درست في أكاديمية "دسلدورف" للفنون الجميلة.
** أنا ليس قصدي أن أعالج شيئاً معيناً في لوحاتي، بل هو تعبير للشعور والأحاسيس التي تكمن في داخلي كإنسان، وربما يلاحظ المتفرج أن الشخص في لوحتي هو مهم لي، من حيث العلاقات الاجتماعية العائلية بين الرجل والمرأة والعلاقات غير المعترف بها في المجتمع، فأنا لا أستطيع أن أعبر عن هذه المشاعر التي تضمر في أحاسيس الإنسان، ويمكن أن تكون غربتي لعبت دوراً كبيراً في ريشتي.
** أول لوحة كانت باسم "موت وحياة" وهي وجه امرأة جميلة وطرف آخر خراب ودمار، رسمتها في بيت عمي في "القامشلي" وأهمية هذه اللوحة أنها كانت بسيطة جداً، أما أهم لوحة معروفة لي فرسمتها واشتهرت في بداياتي، هي "عودة ايكاروس" وهي أسطورة تقول إن هناك شخصاً قادماً لحماية ومساعدة شخص آخر، ولكن "ايكاروس" في لوحتي كان عبارة عن شخص على ظهر شخص آخر يشكل عامل ضغط على الشخص الآخر عكس الفكرة الرئيسية.
** أنا أعتبر اللوحة التشكيلية السورية أو الفنان التشكيلي السوري متطوراً جداً، فالاشتراكية الحقيقية التي كانت متسلطة على الفن السوري تطورت ولم تبقى معممة كثيراً، فاللوحة التشكيلية السورية لا تقارن بأية لوحة تشكيلية في الوطن العربي، لها مكانة مهمة حتى في أوروبا، وممكن أن السبب هو الحرية الكاملة في التعبير عن رأيهم من خلال اللوحة، فنحن منفتحين اكثر ولا تقيدنا الديانات والحالات الاجتماعية في ريشتنا وإبداعنا.
** طبعاً.. فأنا تأثرت بالحقيقة بالاتباعيين الفرنسيين وانتقلت الفكرة إلى أكثر من ذلك مثل "فان كوخ" وآخرين مهمين في الفن التشكيلي، والتأثير الكبير علي كان في المدرسة التعبيرية الألمانية التي كانت مشهورة جداً، والآن هناك تعبيرية حديثة في لوحتي الحرة.
** باعتباري لم أعرض سوى معرضين شخصيين في سورية، فلم أقرأ لنقاد فنيين سوريين وذلك يمكن أن يكون لضعف لغتي العربية، ولا أستطيع أن أقيّم إن كان هناك نقاد جيدون أم لا، فاللغة العربية واسعة والفنانون السوريون تطوروا، لذلك وبكل تأكيد هناك نقاد جيدون في سورية.
* أنت كيف تتقبل النقد؟
** النقد دائماً بناء، إن كان سلباً أم إيجاباً، فدون نقد لا يتطور الفنان ولا الفن، ولا أستطيع أن أرسم وحدي إن لم يكن هناك نقد ورأي آخر تجاه لوحتي.
* أي الألوان أقرب إليك؟
** ليس لدي لون محدد مفضل، ولكن في معظم أعمالي اللون الأبيض والأسود هو الدارج بدرجاته المتفاوتة، وأقرب لوحة لي هي أن تكون بأقل لون وأقل خطوط ولكن أكثر تعبيرياً واللوحة التي تجذبني هي التي ترسم ببساطة كبيرة، فلا أحب اللوحة المكثفة بأفكارها وألوانها وإنما أحب ذلك الفراغ والروح الرحبة في اللوحة.
** هذه الفكرة موجودة في أي مجتمع، وهي كانت قائمة بسبب الغربة والهدف كان الوصول إلى تجمع فني في المغترب ولكن لم نصل لنتيجة بعد، ويمكن الظروف الجغرافية كانت السبب.
** "الديالوك" أي المحادثة هي التي تحضر لتوضيح اللوحة للمتفرج، حيث الفنان يرسم من قريحته وشعوره، والكلمة هنا لتوضيح اللوحة للمتفرج أو للشخص الذي يرغب في مشاهدتها، وعادة يتفرج القارئ على اللوحة ويدرج في ذهنه قبول أو رفض في فهمه لمعنى اللوحة، الكلمة في "الكتالوج" مثلاً أو الكتاب المرافق لمعرض فنان ما يساعد المتفرج للتعمق أكثر في ألوان الفنان، وهو صلة الوصل بين المشاهد واللوحة، وهنا أستطيع القول إنني أعمل لنفسي في النهاية والفنان الحقيقي هو الذي يعبر عن نفسه، واللوحة هو الفنان نفسه.
** سورية هي البيئة التي حضنتني والتي تركتني، وهي وردة جميلة ولون جميل أرسم بها من خلال ريشتي أجمل الألوان وهي اللوحة الأساسية التي تسكن أعماقي، وأوروبا هي اللوحة المؤقتة، فطال الوقت على الرغم من أنني كنت أرغب بالعودة منذ زمن إلى لوحتي الأم، ولكن هناك في أوروبا أعطتني لوحة الغربة الخبرة ومفهوم ثان هو البعد عن الوطن والأهل، وأعطتني حميمية أعمق وهذا الذي يرجعني يوماً بعد يوم لوطني الأم سورية وبيتي الأول "القامشلي"، الآن انتهيت من عمارة بيت في "القامشلي" وستكون لي رحلة نهائية في سورية في فترة قريبة.
ومن الجدير بالذكر أن الفنان "بهرام حاجو" هو ألماني الجنسية وولد في سورية عام 1952، وأكمل دراسته للفن في "منستر" بألمانيا في الفترة من 1978 وحتى 1984، حيث يعمل حالياً متفرغاً للعمل الفني، وأقام عدداً من المعارض في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، وهو عضو اتحاد الفنانين بألمانيا ويدعو بفنه إلى التأمل العميق لمحاولة اكتشاف ما وراء اللوحة وأعماله أشبه باللوحات الناطقة، كما أن موضوع فنه هو الإنسان الذي يبدو مسكوناً برؤية يمكنها أن تصبح لوحة تتجاوز فنه.