شهدت الساحة الثقافية في الحسكة في الآونة الأخيرة، وبشكل غير مسبوق، اهتماماً جميلاً بإبداعات الشباب في مختلف الأجناس الأدبية في المحافظة، عبر التعاون القائم بين فرع اتحاد الكتاب العرب بالحسكة، والمركز الثقافي العربي، في مدينة يفوح منها عبق التاريخ وحكايات الأوابد الأثرية، التي مرت وتعاقبت بين ضفتي دجلة والخابور، فكان لزاماً علينا أن نتحاور مع من كان صدره رحباً لنتاجات هؤلاء الشباب، ولمن لم يبخل يوماً بوقته وجهده في رعايتهم واحتضان مواهبهم.
محمد باقي محمد، قاص وروائي معروف من الحسكة، ولد عام 1955، حاصل على الإجازة العامة في الآداب « قسم الجغرافية» من جامعة دمشق، ودبلوم في التأهيل التربوي من كليــــة التربية، جامعة دمشق، وهو حالياً رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالحسكة.
ehasakeh التقت القاص والروائي محمد باقي محمد وكان الحوار التالي:
** بدأ الأمر في نهاية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، حين كان وقتذاك ثمة ملحق ثقافي يصدر عن صحيفة الثورة، برئاسة الدكتور علي سليمان، وعضوية: أدونيس، سعد الله ونوس، شوقي بغدادي، د. كمال أبو ديب، وفي هذه الفترة نشر الأستاذ شوقي بغدادي قصتي الأولى الموسومة بعنوان « ليالي الشمال الحزين» وقد صدر لي بعدها: « أغنية منتهية بالرصاص -مجموعة قصص -1986» و« عن اختفاء العامل يونس - مجموعة قصص – 1988» و« الطوفان - مجموعة قصص -1991» و« فوضى الفصول – رواية -1997» وهناك قيد الإعداد مجموعة قصصية وهي بعنوان: « هواجس شخصية».
** ربما مجموعة « الطوفان» ذلك لأنها كعنوان لا تحمل عنوان أحد قصصها كما هي العادة، بل لأنها تحاول أن تلَخص فضاءاتها، التي تحاول أن تقف على الواقع بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وذلك عبر نماذج محددة وشديدة الخصوصية، وتنتمي إلى مكان وزمان محددين، على عكس ما قد يشي به الظاهر.
** إلى الواقعية النقدية عموماً، بمعنى أنها ترسم واقعاً نصياً فنياً يحاذي الواقعي ويتقاطع معه ليبدو مقنعاً، وهي في ذلك تفكك الواقع، تحلله بأبعاده المختلفة من اجتماعي واقتصادي وثقافي وسياسي، ثم تعيد تركيبه وفق رؤية معينة لمصلحة مقولة محددة، تؤسس للمعرفة، إحدى وظائف الفن الأساسية إلى جانب المتعة على حد تعبير « هوراس» ولا يخلو الأمر من نزوع تجريبي لمقاربة أشكال القصَ الحديثة، بمختلف تجلياتها لاجتراح الجديد، المفارق والمدهش بآن واحد.
** لا أحد على وجه التحديد، يستطيع ادعاء الإحاطة بالكيفية التي تتداعى فيها عناصر معينة مثل: الحبكة، والسرد، والحوار في نسج فني قصصي، وبالتالي ليس ثمة جواب قاطع: لماذا وقع الاختيار على هذا الموضوع وليس ذاك، ربما كان الأمر في مجمله محكوماً بقانون صارم يحكم - ليس الأدبي فحسب – بل الحياتي أيضاً، إنه قانون الحذف والاصطفاء ، فنحن نحذف بحسبنا ما هو عارض، وهذا يختلف من شخص إلى آخر، بحكم الخبرة والتجربة وحتى الموهبة، ونصطفي ما هو جوهري، وهذا أيضاً يختلف للأسباب ذاتها من شخص إلى شخص.
** لم أفكر في المشاركة في المسابقات الأدبية إلا لمرة واحدة، وأنا نادم عليها، ربما لأنَ هذه التظاهرات تحتكم إلى الكثير من الذاتي، ما له علاقة بالأهواء أو العلاقات، والقليل من الموضوعي القائم على الحيادية، مايؤسس لتسابق نظيف.
** لا شيء!!... ومن موقعي الحالي كرئيس لفرع اتحاد الكتاب العرب في المحافظة، فأنا أراهن على الشباب كثيراً، زاعماً أن المستقبل سيكون لهم، وربما استطعت الوقوف على شيء ما مهم وجوهري، إذن فالذاتي عندي مؤجَل أو مهمل بسبب الانشغال إلى حين.
** ربما لا تكون وظيفة الكتابة طمس جرح أو علاجه، ولكن وضعه في دائرة الضوء ، بما يجعله بالتالي تجربة لا تنسى، ومن يدري؟!... فقد نكون قد قلنا قولتنا وانتهى الأمر!!... وأنا شديد الإيمان بما قالته شارلوت برونتي، من أنه « ليس هناك إنسان ضروري بشكل لا يمكن الاستغناء عنه»... وعليه علينا أن نعي ونحن في طريقنا إلى القمة، أن نجماً ساطعاً يصعد إلى القمة ذاتها، وعلينا أن نفسح له المجال ليتربع عليها، هذا إذا كنا أصلاً قريبين من القمة، أية قمة!!... ثم ما الضير في الصمت إذا لم يكن لدينا جديد؟!...