ترعرعت على الكلمة الطيبة وفهمت معنى الحرية، فكانت تفصل بين حقوقها وواجباتها، شاركت بنات جيلها في العمر ولكنها خالفتهم بالتصرف، عشقت الشعر لأن فيه حرية الكلمة وعشقت الحرية لأنها تلد الشعر دون قيود، فكانت أول من صدح صوتها على المسارح لتقول هذه هي المرأة العربية.
"ايفيت تانو" شاعرة من الزمن البعيد رسمت دربها بالكلمات وسط الزحام، التقاها موقع eHasakeh في منزلها لتحدثنا عن رحلتها بين بحور الشعر فكان هذا الحوار:
بدأت مع "ايفيت" منذ السبعينيات وأعرفها جيداً بل أستطيع القول إنني أكثر من يعرفها، هي شاعرة تحمل إحساساً مرهفاً يفوح شعراً وشاعرية، وهي في المقام الأول إنسانة بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، هي شاعرة بكل معنى الكلمة فهي تبحث دائماً عن الكلمات الجزلة لتوظفها في خدمة الموضوع، لا تقول الأشياء عبثاً بل عن دراسة ودراية، أنا أعشق شعرها ومعانيها وإخلاصها وأتمنى أن تعطي المزيد دون توقف فهي كانت ومازالت الناطقة باسم المرأة والمعبرة عنها
** منذ طفولتي كنت دائمة البحث بين الأوراق عن صورة لأجعل منها قصة أحكيها للآخرين، كنت وقتها في ربيعي الرابع، وقد كان والدي من أشد المشجعين لي، لقد ولدت وفي فمي ملعقة من ذهب ولكن لم أكن أهتم كما تهتم الأخريات بالمظاهر، بل انصب اهتمامي على الكتاب حتى أضحى صديقي الأوحد.
** قرأت أمهات الكتب في المرحلة الإعدادية فعشت الشعر الجاهلي بكل تفاصيله، وعرّجت على الشعر العباسي والأموي، وحطت رحالي عند شعراء الأندلس كما قرأت لـ "جبران خليل جبران" و"بدر شاكر السياب" ولم أقف هنا بل رحت أرشف من الأدب العالمي فقرأت لـ "ألبير كامو" و"هوركي"، باختصار أنا نهمة جداً في القراءة.
** في سن الشباب وتحديداً عندما كنت ابنة السابعة عشرة من العمر ولم يكن المركز الثقافي الحالي مشيداً بعد، بل كان هناك المركز الثقافي العربي الأول في منطقة الساعة حالياً، تلك القصيدة لن أنسى صداها ما حييت، فقد كانت القاعة تغص بالحضور لدرجة أن كل شخصين كانا يجلسان على كرسي واحد، كان الناس وقتها متعطشون لسماع الكلمة الصادقة.
** أول قصيدة كتبتها مازلت أحتفظ بها لغاية اليوم مع الأخطاء الموجودة فيها، كانت القصيدة تصف الوحدة التي كنت أعيشها، هذه الوحدة هي الضريبة التي كنت أدفعها نتيجة اختلافي عن الأخريات من بنات جيلي.
** صحيح أنني الأولى التي كتبت الشعر في الجزيرة ولكن لا بد من الإشارة أنه قد سبقتني "الفارعة الشيبانية" وهي ابنة الجزيرة، وأذكر لها بيتاً من الشعر تنعى وفاة شقيقها تقول فيه:
أيا شجر الخابور مالك مورقاً/ كأنك لم تحزن على ابن طريف.
وهذا الشعور يبعث في نفسي الفخر لأني استطعت أن أصنع شيئاً للمرأة فأنا أشعر بالسعادة حين أمثل المرأة في شعري، وللمعلومة فأنا أول من كتب القصة القصيرة من نساء المحافظة وأول من نشر أشعاره وقصصه في الصحف.
** أستوحي كلماتي وأشعاري من معاناتي ومن معاناة الآخرين، من وجه طفل يبكي أو من قصة امرأة تعاني العنف في هذا الزمن.
** كتبت عن الأم الفلسطينية التي امتزجت آلامها مع التراب وعرقها مع الزيتون، وكتبت عن الأم العراقية وعن نساء بغداد الرازحات تحت وطأة الاحتلال، كتبت عن النساء اللاتي يعانين من الاضطهاد، فكل هم ينتاب النساء هو همٌ ينتابني.
** في الحقيقة لم ألمس الشرقية بمعناها الضيق في حياتي فقد كان والدي فناناً يرسم الأيقونات ويعشق الورود وأنى لرجل كهذا أن يمنعني من كتابة الشعر، لقد علمني منذ البداية الفرق بين الحرية والتسيّب وبين الصواب والخطأ، ومن ثم ربت على كتفي لأمضي قدماً، وحتى زوجي في الفترة اللاحقة كان من المشجعين، وهكذا لم أجد مع يعوقني عن كتابة الشعر والبوح بخواطري.
** كتبت الشعر الموزون في بداية كتابتي للشعر وعشت معه فترة فاقت عشر سنوات، ومن ثم تحولت إلى قصيدة التفعيلة لأنني رأيت فيها نفسي فهي تعبر عما أريد قوله دون حواجز أو حدود، أما سبب بعد الشعراء عن الشعر الموزون فالسبب يعود إلى تطور كل الأشياء ومن ضمنها الشعر، فالشاعر اليوم يريد أن يقول أشياء كثيرة لا يمكن للشعر القديم أن يصل إليها، أيضاً اللغة العربية كائن حي سقط منها الكثير من الألفاظ التي كانت مستخدمة في الأزمنة الغابرة، ولكن هذا لا يعني أن نبتعد عن اللغة فهي العامل الأهم في قوميتنا العربية، ولكم ينتابني شعور بالفرح عندما أرى شاعراً يلقي شعره بلغة سليمة.
** طبعت أربعة دواوين كانت البداية مع ديوان "حواء" اسميته كذلك لأن اسمي عندما يترجم من الفرنسية إلى العربية يأخذ هذا الاسم، فأنا لا أحب اسمي ولطالما تساءلت لماذا لا يسمي الإنسان نفسه، كنت أحلم باسم عربي أصيل ولهذا كتبت فيه قصيدة عنونتها بـ "أكره اسمي"، وحمل الديوان الثاني عنوان "إذا فسد الملح" تساءلت فيه عن هذا الزمن وما يحمله من متغيرات، و"كطيف الخريف" كان الديوان الثالث تحدثت فيه عن الحرب على غزة، وكان الرابع من نصيب الأطفال والديوان الخامس يشارف على النهاية، أعالج فيه قضايا المرأة فالمرأة برأيي هي الوطن وأنا ضد تسليعها تحت أي من المسميات.
** على الإطلاق فبناتي هن كل حياتي ولم أعترض يوماً على مشيئة الله، لكن تبقى المسؤولية تجاه الفتيات أكبر، وقد شكلت أسماءهن كمطلع قصيدة فهن "روى" "ندى" "زهر" "جنان" وكأني أقول فيهن
روى الندى زهر الجنان.
** هناك أصوات واعدة تشعرني بالفخر أن مدينتي عندما تمخضت أنجبت الكثير من الولادات الهامة، ولكن هذه الأصوات يلزمها أن تصقل أنفسها بالكثير من القراءة والمطالعة، أتمنى أن يضع كل مبدع هدفاً محدداً نصب عينيه وأن يمضي بكل ما أوتي من قوة ليحققه.
الشاعرة "هدى يونان" تقول في رفيقة دربها: «بدأت مع "ايفيت" منذ السبعينيات وأعرفها جيداً بل أستطيع القول إنني أكثر من يعرفها، هي شاعرة تحمل إحساساً مرهفاً يفوح شعراً وشاعرية، وهي في المقام الأول إنسانة بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، هي شاعرة بكل معنى الكلمة فهي تبحث دائماً عن الكلمات الجزلة لتوظفها في خدمة الموضوع، لا تقول الأشياء عبثاً بل عن دراسة ودراية، أنا أعشق شعرها ومعانيها وإخلاصها وأتمنى أن تعطي المزيد دون توقف فهي كانت ومازالت الناطقة باسم المرأة والمعبرة عنها».