أديب وفنان تشكيلي، ميّزه صمته الدائم واشتغاله على النص، الابتعاد عن الأضواء والمقابلات، منهمكاً في الكتابة والرسم عن الحياة الواقعية في بلدته الصغيرة "الدرباسية".
موقع eHasakeh بتاريخ 6/2/2011 التقى القاصّ والفنان "ماهين شيخاني" الذي كان معه الحوار التالي:
في نصوص "شيخاني" تجده يتعمد أصعب أنواع القصّ، فهو يتكئ على الحوار، والحوار القصصيّ المشروط بالرشاقة والاقتصاد الشديد، بحيث لا يشكّل استطالة عن جسد القصّ، في ما يسمى الترهّل، إلى جانب أنّه مُطالب بأنّ يقوم بدور مُحفزات القصّ، ليدفع حركته إلى الأمام، ناهيك عن دوره في تبيان طبيعة شخوصه إذْ ينقل أفكارها! ونجد في نصوصه أنه ينجح في إيصال الفكرة المراد إيصالها إلى القارئ
** كانت البدايات في عام 1984، وقتها كتبت قصة قصيرة بأسلوب الكاتب التركي الساخر"عزيز نسين"، وبصراحة كنت من المولعين بقراءة القصص والراويات، وقد ساعدني على ذلك شاب كان يعمل في إحدى المكتبات العامة، الذي كان يعيرني الكتب بشكل دائم ودون مقابل، لن أنسى معروفه أبداً، ولدى قراءتي القصة القصيرة والقصيرة جداً، كنت أحس بأنها لا تروي ظمئي، فيدفعني شعور خفي إلى العوم في بحر القصة القصيرة وكتابتها، وهكذا كانت البداية.
** كيف لي أن أتذكر وأصف تلك اللحظة الومضة في داخلي، وقد مر عليها سنون عديدة، ثم لا أظن بل أجزم أنه ليس بإمكان أي إنسان أن يصف تلك الومضة بدقة متناهية، إنه مخاض عسير يا سيدي وليست قيصيرية، فحساسيتي ورقتي المفرطة ساهمت في تحريك لواعجي ومشاعري.
** في الواقع استلهم جميع القصص من معاناة المجتمع، فأنا جزء من هذا المجتمع أتأثر به وألامس بنفسي شرايين قلبه، كما أنني أحاول أن أكتشف للقارئ الحالات التي تهمه وتهم المجتمع، لن أبالغ لو قلت لكم بأنني أتألم لمشهد طفل يبكي، أو امرأة تندب أو لشخص يتسول، أو لشاب يحب ولا يستطيع أن يحقق أمنيته، ثم لدى كتابتي لا أضع شروطا مسبقة، حيث أترك العنان لمخيلتي ولقلمي التعبير عن ما يجول في تلك الفترة ومدى تأثري بها، وما يختلج في صدري بكل حرية وأريحية، أي أنني لا أستطيع كتابة قصة في قالب جاهز، بدايته يجب أن تكون كذا والعقدة كذا، أحياناً تبقى القصة مختمرة لمدة طويلة، وفي لحظة ما تكون النهاية جاءت مفاجئة ومدهشة، حينها أشعر بأعظم لذة.
** بكل تأكيد أفكر بالقارئ وحريص جد الحرص بأن لا يمل من القصة وأحسب له ألف حساب، عندما ينشر لي قصة انتظر التقييم والتعليقات منه، وكأني بانتظار نتيجة الامتحان، كما أحترم رأيهم وتعليقهم على قراءة قصصي وتقييمها سلباً كان أم إيجاباً، وقد تختلف رؤيتي عن رؤية البعض، أرى أن الأسلوب الناجح أن يجنح القاص إلى البساطة والسهولة والوضوح في اللغة، لا إلى الاهتمام بالتأنق اللفظي والمعجمي لبروز مهاراته اللغوية، وقد يرى غيري عكس ذلك.
** مع دخول الانترنت واقتحامها إلى عالمنا، على الرغم من ايجابياتها إلا أنها أبعدت الكثيرين من المطالعة والثقافة وأصبحت ثقافتنا انترنيتية، واعتقد الواقع الثقافي في المحافظة إلى حد قريب من باقي المحافظات، ومع ذلك هناك كوكبة من أقلام مميزة تفتخر بهم المحافظة وفرضت ذاتها على الساحة الثقافية.
** بكل تأكيد المكان والبيئة التي تحيط بنا تؤثر فينا وتحدد سبل معيشتنا وشخصيتنا وتحدد حتى سحنتنا وملامحنا فكل ما يحيط بنا من طبيعة وجمال وما يتصل بنا من عادات وتقاليد تؤثر فينا، هي مصدراً إلهامياً، بل هي كنز حقيقي، أتأثر بهذه الأشياء وأكتب قصصي المتنوعة في هذا المكان الذي أستنشق رائحته- عرقه وعطره وهواءه- يومياً.
** هناك قصة من التراث الكردي عن أمير طيب اسمه "زمبيل فروش" أي بائع السلال، استقامة هذا الأمير وما يمتلك من نبل وأخلاق وتضحية وإيثار، على الرغم من أنني لا أؤمن بانتقال الأرواح من شخص إلى آخر أو بالتخاطر والتقمص، إلا أنني أحس بأن هذه الصفات قريبة من روحي، موجود في شخصيتي، وساكنة في كل جزء من أجزائي، ذاك الإنسان الطيب، المحب، الخير، الصادق مع نفسه قبل أن يكون صادقاً مع الغير، المرهف جداً والمتأثر بالكلمة والمشهد والمقربين مني يعلقون أحياناً بأنني متأثر حتى بنسمة الهواء، رسمت لوحة "زمبيل فروش" (بائع السلال) فلم تشفِ غليلي فقصصت صورتي ووضعت صورة رأسي المقصوصة موضع رأسه، حينها كتب المرحوم الأستاذ "فرهاد جلبي" مقالة على المعرض الذي كنت مشاركاً فيه: ها هو الأمير "ماهين شيخاني" حاملاً سلاله سالكاً درب أميرة القصر... الخ.
** حينما يرسم ماهين؟ ذكرتني بهذا السؤال لقصة كتبتها بعنوان عندما ترسم آناهيتا ثم بدلت العنوان بـ "لوحة آناهيتا"، لنعود إلى سؤالك بكل تأكيد يشدني أعمال الفنانين محليين وعالميين وبالأخص لوحات الفنان ديلاكروا، لكوني متابع جيد للأعمال التشكيلية، ولحظة وقوفي في محراب الرسم أمام اللوحة البيضاء كدخول الناسك في محرابه لإقامة عبادته وجل تفكيره وروحه إقامة فروضه دون شرود تاركاً همومه وتعبه عند باب المحراب، وهكذا أنا، أنسى كل من حولي سوى هذا البياض الذي يشدني إليه بوضع خطوط وألوان تنسجم معه.
** العمل الفني التشكيلي هي رسالة حضارية وإنسانية كباقي الفنون والآداب، ولكل عمل موضوع خاص به، واللوحة التشكيلية هي مرآة يعكس داخل الفنان، والفنان بطبيعته كائن ذو أحساس مرهف يرصد ويتأثر بمحيطه، ومن خلال مشاهداته وانفعالاته تلك يرسل لنا رسالته عبر اللوحة بطريقته الخاصة.
الأديب "محمد باقي محمد" يقول عنه: «في نصوص "شيخاني" تجده يتعمد أصعب أنواع القصّ، فهو يتكئ على الحوار، والحوار القصصيّ المشروط بالرشاقة والاقتصاد الشديد، بحيث لا يشكّل استطالة عن جسد القصّ، في ما يسمى الترهّل، إلى جانب أنّه مُطالب بأنّ يقوم بدور مُحفزات القصّ، ليدفع حركته إلى الأمام، ناهيك عن دوره في تبيان طبيعة شخوصه إذْ ينقل أفكارها! ونجد في نصوصه أنه ينجح في إيصال الفكرة المراد إيصالها إلى القارئ».
يذكر بأن الفنان والقاص "ماهين شيخاني" مواليد "الدرباسية" 1960 يكتب في الصحف والمجلات الدورية القسم الثقافي منها- له مجموعة قصصية بعنوان "على ضفاف الخابور"- شارك في العديد من المعارض الفنية الجماعية والفردية في المحافظة.