على بعد ست وعشرين كيلو مترأً، وإلى الغرب من مدينة "الحسكة"، تتربع على هضبة بازلتية جرداء، وتطل على بحيرة لا تلبث أن تمتلئ حتى تفرغ، تقع قرية "تل عرفان"، هذا التل الذي لم يكن يقصده في الماضي إلا عابر سبيل، فيما أضحى اليوم وجهة القاصي والداني.
بدء العمل ببناء هذه القرية منذ ثلاث سنوات، عن ذلك يقول الملا* "صالح الجزرة" أحد علماء القرية: «إن قدومنا لهذه القرية جاء نتيجة تحول جذري، فأغلب الناس يعرف أن" تل عرفان" بات اليوم هو مقر الطريقة النقشبندية، بعد أن كان مقرها الرئيسي في "تل معروف" إلى الشرق من مدينة "القامشلي"منذ عام 1920م».
إن قدومنا لهذه القرية جاء نتيجة تحول جذري، فأغلب الناس يعرف أن" تل عرفان" بات اليوم هو مقر الطريقة النقشبندية، بعد أن كان مقرها الرئيسي في "تل معروف" إلى الشرق من مدينة "القامشلي"منذ عام 1920م
يضيف الملا "الجزرة": «بعد دراسة معمقة تضمنت مواصفات المكان من حيث البعد والقرب وملائمة المكان لإقامة قرية نموذجية، وقع الاختيار على موقع "تل عرفان" عام 1428هـ الموافق 2007م، حيث تم وضع حجر الأساس من قبل فضيلة الشيخ "محمد مطاع"، وسميت هذه القرية بهذا الاسم اشتقاقاً من المعرفة والشكر، وله أصل في مصطلحات الصوفية فكأنه يشير إلى العلم والمعرفة بالله وإلى الاعتراف بفضل الله العلي القدير ومنّه وكرمه».
أما الملا "طه درويش" مدير المعهد فيقول: «كانت هذه الأرض قبل قدومنا إليها جرداء ولا تصلح لأي شيء، إلا أن الهمم العالية والعزم والإصرار جعلها حديث القاصي والداني، حيث تم التخطيط الهندسي لهذه القرية بخبرات ذاتية من قبل مهندسين ينتمون إلى الطريقة، حيث حاكى التصميم الفن العمراني للمنطقة، كما حاكى موائمة البناء لواقع المنطقة».
يضيف "درويش": «تم البناء في القرية بتكلفة رخيصة نظراً لاستعمال الحجر الأسود البازلتي الذي دخل في كل الأبنية المشيدة، حيث قام العمال بتشذيب الصخور الضخمة ونحتها يدوياً حتى أصبحت تفي بغرض البناء، كما أن صلابة الأرض وفّرت كميات كبيرة من الإسمنت، ويتميز الموقع بوفرة الماء العذب وقربه من مركز المدينة الذي يسهل توافد الناس في وقت يشاءون».
ويقول الملا" جمعة المصفي" أحد علماء القرية: «لقد تم إنجاز هذه المباني المشيدة على عجالة من أمرنا، فالقرية كما ترى تتربع على مساحة كبيرة جداً، وكان أول ما تم بناءه هو مسجد القرية والذي تبلغ مساحته 3500 م2، وهو أكبر مسجد في المنطقة الشرقية بأسرها ويتألف من طبقتين، كما تم بناء "معهد العرفان الخزنوي للعلوم الشرعية والعربية"، على مساحة بلغت 800 م2 ويضم المعهد خمسة عشرة قاعةً للتدريس، كما يضم ستة وعشرين غرفة سكنية مجهزة بالمرافق، وأيضاً بنيت مضافة لاستقبال الوفود الزائرة على مساحة 1000 م2، ويتكون بناؤها من طابقين مع غرف للمنامة ومرافق.
وبني أيضاً مسجد للنساء في الطرف المقابل من القرية على مساحة تجاوزت 6000 م2، ويتكون من مسجد وساحة كبيرة أمامه لكي يتسع لكل النساء الوافدات مع عائلاتهم، كما تضم القرية سكناً للعلماء والمدرسين في المعهد الشرعي وأيضاً سكن خاص للشيخ وإخوته الصغار، ومما تتضمنه القرية فرن يلبي احتياجات المتواجدين في القرية كافة مهما كثر أو قل عددهم، وختم الملا "جمعة": جاري الآن بناء مضافة كبيرة لاستقبال العلماء الوافدين من كل الدول».
ويختم الملا "صالح الجزرة" حديثه: «يعتبر هذا الموقع الأهم في المنطقة، فهو مركز إشعاع علمي وتربوي، يؤمه طلاب المعرفة والعلم ويتخرج منه كل عام عدد كبير من الدعاة والعلماء العاملين، كما له دور كبير في وأد الخلافات بين الناس وإصلاح ذات البين، وتخليص الناس من العادات السيئة والأخلاق الفاسدة، ليحل محلها الأخلاق الحميدة حتى أصبح الذي يتردد على هذا الموقع، يعرف بين الناس بصلاحه وحسن خلقه، وجرت العادة إذا أراد شخص أن يصلح حال شخص آخر، والله تعالى هو المصلح الأول والأخير سعى به إلى هذا المكان، حيث العلم والعلماء والمحبة والصفاء والوقوف والالتزام عند جادة الحق والصواب، وأسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيختارون أفضله».