بدعوة من جمعية "أصدقاء حمص" قدم الأستاذ والفنان المسرحي "فرحان بلبل" محاضرة بعنوان (المسرح في "حمص" ماضياً وحاضراً)، وذلك مساء الأحد (8/11/2009) في قاعة "سامي الدروبي" في المركز الثقافي العربي بـ"حمص".
وفي نهاية المحاضرة كرمت جمعية أصدقاء "حمص" الأستاذ "فرحان بلبل"، وقام الأستاذ "عزام الجندي" رئيس الجمعية بإهدائه درع الجمعية تقديراً منها لجهوده في خدمة الحركة المسرحية الثقافية.
إذا كانت محاضرته اليوم تحت عنوان (المسرح في "حمص" ماضياً وحاضراً)، فإن الأستاذ "فرحان" بمسرحياته ودراساته والعروض التي قدمها، يشكل جسراً متيناً يربط بين ماضي المسرح في "حمص" وفي سورية بشكل يجعله يستمر في الحاضر ويؤسس للمستقبل
وللوقوف على موضوع المحاضرة وأبرز ما جاء فيها تحدث الأستاذ "بلبل" لموقع eHoms: «إن لمدينة "حمص" تاريخ مسرحي عريق وغني، إلا أن معظم مبدعي "حمص" لا يعرفون كيف يسلطون الضوء على ما أبدعوه، فبداية المسرح في "حمص" كانت في عام /1860/، وكما نعلم فإن المسرح العربي عموماً بدأ على يد الأستاذ "مارون نقاش" في لبنان عام /1848/، وتابع مسيرته فيما بعد المرحوم "أبو خليل القباني" في عام /1868/، والمسألة الأهم هنا أن أول نبضة مسرحية بدأت في مدينة "حمص" عام /1860/، وقبل كل المدن السورية، وتحديداً في بيت الحاج "سليمان صافي" الذي كان يأتي بالشباب ليمثلوا أدوار الفتيات.
وبرأيي وحسب تحليلي وتقديري فإن سبب بدء الحركة المسرحية في "حمص" قبل غيرها من المدن السورية يرجع إلى الروابط الواسعة والعلاقات الوثيقة التي كانت تربط بين أهالي "حمص" وأهالي معظم المناطق اللبنانية، ويبدو أن هذه العلاقات كانت سبباً هاماً في اطلاع أهالي "حمص" على التجربة المسرحية في لبنان».
وأضاف: «لكن هذه النبضة المسرحية التي ولدت في "حمص" ماتت بسرعة ولم تترك أثراً لها فيما بعد، لأن الرجعية الحمصية في ذلك الوقت وكعادتها في كل مكان، غضبت واتهمت الحاج "سليمان صافي" باللا أخلاقية بسبب إعطائه أدواراً تمثيلية للشبان بتجسيد شخصيات نسائية».
وعن البداية الحقيقية للمسرح في "حمص" يقول الأستاذ "بلبل": «البداية الحقيقية كانت في عام /1870/، ومنذ ذلك العام وحتى اليوم لم يتوقف النشاط المسرحي في مدينة "حمص" على الإطلاق، عدا ثلاث أو أربع سنوات توقف فيها المسرح خلال الثورة السورية الكبرى التي بدأت عام /1925/، أما بقية المدن السورية فقد شهدت العديد من محطات التوقف في المسرح».
وأضاف: «ما بين عامي /1870/ و/1914/ ولد في "حمص" أربعة كتاب مسرحيين كان لهم دوراً كبيراًَ في تاريخ الحركة المسرحية الحمصية، والبداية كانت مع الشيخ "عبد الهادي الوفائي" الذي قدم مسرحيات مستمدة من التراث القديم، وكانت مدينة "حمص" في تلك الفترة إحدى أهم المدن السورية بالموسيقا والغناء، فأدخل "الوفائي" الغناء والشعر في مسرحياته، ودعا فيها إلى الأخلاق وتهذيب النفوس، تماماً كما فعل "أبو خليل القباني"، وعندما ترك "القباني" مدينة "دمشق" بعد أن أحرق مسرحه، جاء إلى "حمص" وسكن فيها، وكان الشيخ "الوفائي" أحد ابرز أصدقائه، وبتعرف "القباني" على أبرز موسيقيي "حمص" أخذ منهم كل ما يعرفونه عن الموسيقا والغناء، وهو أيضاً نقل إليهم ما يعرفه أهل دمشق في هذا المجال، في صورة رائعة من التلاقح والتمازج الفني الثقافي بين المدينتين».
وتابع "بلبل" حديثه عن كتاب المسرح في "حمص": «وبعد "الوفائي" الذي كان يقدم مسرحياته في البيوت، ظهر الشيخ "محمد خالد الشلبي" الذي بنى أول مسرح في "حمص" الذي سماه مسرح "المنظر الجميل"، وبذلك حول "الشلبي" المسرح في "حمص" من حركة الهواية إلى حركة الاحتراف، وكان مسرحه ذا طابع سياسي أكثر بعد ظهور النزعة القومية العربية في تلك الفترة أي حوالي العام /1880/. ومن طرف آخر ظهر المعلم "داوود قسطنطين الخوري" ذو الفضل الكبير على الحركة المسرحية في "حمص" وكان يقدّم أعماله على مسرح المدرسة الأرثوذكسية في حي "بستان الديوان"، ومن أهم وأروع مسرحياته التي قدمها عام /1891/ على ذلك المسرح مسرحية "جنفياف"، ومع المعلم "داوود" كان زميله في المدرسة الأرثوذكسية المعلم "يوسف شاهين" الذي قدم للمسرح الحمصي مسرحيتين فقط».
وعن واقع المسرح في مرحلة ما بعد الحكم العثماني لسورية قال "بلبل": «مع نهاية الحرب العالمية الأولى ودخول الفرنسييين سورية أصدر الحاكم الفرنسي قراراً بإغلاق النادي العربي الثقافي في "حمص" أسوة بإغلاق غيره من أندية المدن السورية التي كانت تضم خيرة الوطنيين والمثقفين، فردّ أهل "حمص" بعد بضعة أشهر على قرار الإغلاق بقرار إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية في بداية عام /1921/ التي كان ظاهرها العمل الخيري وباطنها العمل السياسي الوطني، فتجمع فيها كبار الوطنيين والمناضلين، ولم يهل عام /1922/ إلا وكان في "حمص" خمسة مسارح هي: مسرح المنظر الجميل، ومسرح سينما الشرق، ومسرح سينما الفردوس، ومسرح قهوة الفرح، ومسرح المدرسة الأرثوذكسية، وكان العاملون في المسرح في تلك الفترة سياسيين قبل أن يكونوا مسرحيين، وكان المسرح عندهم عملاً سياسياً محضاً، يقفون من خلاله ضد المستعمرين الفرنسيين، من خلال عرض مسرحيات تراثية وطنية يتحايلون بشتى الوسائل من خلالها على السلطات الحاكمة التي كانت تضيّق كثيراً على النصوص المسرحية المقدمة في تلك الفترة، قبل أن يتوقف المسرح مع الثورة السورية الكبرى».
وتابع: «في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين عاد المسرح من جديد، وظهر عمل السياسيين الوطنيين أمثال: "أديب الموصلي"، و"هاني السباعي"، و"نوري طليمات"، والشيخ "نديم الوفائي" وغيرهم، وكل هؤلاء عملوا بالمسرح وأسسوا عدداً من الجمعيات والأندية بقي منها حتى اليوم نادي "دوحة الميماس" للموسيقا والتمثيل، والذي كان ظاهره فنياً موسيقياً وباطنه سياسياً وطنياً، وفي هذه المرحلة ظهر عدد كبير من الكتاب في "حمص" وأبرزهم المرحوم "مراد السباعي" الذي أسس ما نسميه قواعد التأليف المسرحي، وكان يقدم مسرحية في كل أسبوع، وهو يعتبر أول كاتب مسرحي سوري يكتب نصاً مسرحياً مكتملاً من الناحية الدرامية في سورية، وبالتالي مسرحياته تصلح اليوم أن تقدم للمسرح وتحقق نجاحاً جماهيرياً كما حققته في تلك الفترة، فالسباعي لم يترك جانباً من الفساد الاجتماعي إلا تناوله، وهو أول شخص يدعو النساء لحضور عرض مسرحي في أحد البيوت».
وعن مرحلة ما بعد الاستقلال يقول "بلبل": «بعد الاستقلال توقف "مراد السباعي" عن العمل المسرحي بسبب الظرف الجديد الذي مرت به سورية ولم يعرف كيف يعبر عنه، إلى أن تم تأسيس المسرح القومي في "دمشق" عام /1960/، وكان من المفترض أن يؤسس المسرح القومي في "حمص" بعد "دمشق"، حيث شكلت وزارة الثقافة فرقة "حمص" المسرحية في المركز الثقافي وسلمتها لـ"مراد السباعي" على أن يتم تحويلها إلى فرقة المسرح القومي، لكن المشروع أوقف فيما بعد ولم يشكل المسرح القومي في "حمص"».
وعن هذا النشاط والتكريم للأستاذ "بلبل" تحدث الأستاذ "عزام الجندي" رئيس جمعية أصدقاء "حمص" لموقع eHoms قائلاً: «تأتي محاضرة اليوم ضمن خطة الجمعية في تحقيق أحد أهدافها الرئيسة في نشر الوعي الثقافي والفني عن مدينة "حمص"، وبنفس الوقت كان لنا شرف تكريم الأستاذ والمبدع "فرحان بلبل" ابن "حمص" وأحد رجالات هذه المدينة العظماء الذين تركوا بصمة هامة في العمل المسرحي بشكل عام، وقد سررنا بهذا التكريم، الذي سعينا منذ انطلاقتنا وسنسعى لتطبيقه في كافة مجالات الحياة الثقافية والفنية والوطنية، إلى جانب الأنشطة الشمولية التي تقيمها الجمعية في مجالات الحفاظ على البيئة وإحياء التراث وغيرها».
أما الأستاذ "عمر قندقجي" عضو جمعية أصدقاء "حمص" وأحد مؤسسي المسرحي العمالي بـ"حمص" فقال: «احتفت جمعية أصدقاء "حمص" اليوم بشيخ المسرحيين العرب، الذي كرمه مهرجان "القاهرة" الدولي للمسرح التجريبي عام
/1995/ معتبراً إياه واحداً من أهم عشرة مسرحيين في العالم، إلى جانب تكريمه في أكثر من عاصمة عربية، والأستاذ "فرحان" ليس فناناً فقط، وإنما هو معلم ومربٍ، ومؤسس لفرقة مسرحية ما زالت بعد خمس وثلاثين سنة من تأسيسها تحمل صليب المسرح المقدس على أكتافها، وقد تعاقب عليها أكثر من جيل وما زال الأستاذ "بلبل" يواكب الفرقة ويدير دفتها باقتدار، وما زالت أعماله التي يؤلفها ويخرجها ويؤديها شبان المسرح تضيء خشبة المسرح».
وأضاف "قندقجي": «إذا كانت محاضرته اليوم تحت عنوان (المسرح في "حمص" ماضياً وحاضراً)، فإن الأستاذ "فرحان" بمسرحياته ودراساته والعروض التي قدمها، يشكل جسراً متيناً يربط بين ماضي المسرح في "حمص" وفي سورية بشكل يجعله يستمر في الحاضر ويؤسس للمستقبل».