تروي "روز موسى" ذكرياتها عن زيارة دور السينما السورية أيام سبعينيات القرن الماضي فتقول: «كان تقليداً في العائلة أن نأتي للسينما صغاراً وكبار، وبنا شغف كبير لحضور أفلام "دريد" و"نهاد" الجديدة، عندما كان يأتي فيلما سورياً جديداً، كان ذلك بالنسبة لنا عيداً حقيقاً نتهيأ له قبل أسبوع، اليوم يبدو أن فيلما حديثا يستحق المشاهدة». مشاهد غير مألوفة تشهدها بعض صالات السينما في سورية في الأسابيع القليلة الماضية، بعد عودة العديد من روادها ولو بشكل بطيء، ففيلم "سيلينا" الجديد المأخوذ من فيلم "هالة والملك" للرحابنة (إخراج "حاتم علي")...
استطاع أن يعيد الكثير من شرائح المجتمع السوري إلى الصالات وكذلك فيلم "دمشق تتكلم"، الذي يتناول قصة حياة "بولس الرسول" عندما آتى إلى "دمشق" قبل حوالي ألفي عام، تزامن ذلك مع افتتاح صالتي عرض حديثتين في العاصمة السورية "مجمع سينما دمشق"، هذا ما جعل السينمائيين في سورية يعربون عن أملهم بعودة صناعة السينما السورية إلى سابق عهدها في الإنتاج والمتابعة من قبل الجمهور.
أن الإنتاج يتوقف على وجود دور العرض ملائمة صحيا وفنيا واجتماعيا لعودة الجمهور لها
الآن مع عودة منتجي القطاع الخاص على خط السينما السورية بعد غيابهم لفترات طويلة بدأ العمل على صناعة عدد من الأفلام، المخرج الشاب "جود سعيد" تحدث لموقع eSyria عن الإنتاجات الجديدة فقال: «هناك ما يبشّر بدخول القطاع الخاص في إنتاج وتمويل الأفلام، لكن الحركة لازالت خجولة، لأن شركات الإنتاج لا تتشجع كثيراً في إنتاج الأفلام وتتجه إلى الدراما باعتبارها أكثر تسويقاً». ويعتبر "السعيد" أن ميزانية المؤوسسة العامة للسينما غير كافية لزيادة الانتاجات، كما أشار إلى فقر المُدن السورية لدور العرض ذات المواصفات الجيدة، مما جعل بعض السينمائيين الشباب يتجهون إلى إنتاج الأفلام التسجيلية القصيرة، بسبب انخفاض تكلفتها.
بدأت سورية بصناعة الأفلام عام /1928/بعد عام واحد فقط من ولادة السينما في مصر، حيث قام مجموعة من الهواة بصناعة فيلم بوليسي، ثم أصبحوا فيما بعد شركة إنتاج، بعدها المنتج المعروف "نادر أتاسي"، عددا من الأفلام عرضت خارج سورية، لتأتي الانطلاقة الحقيقية عام/1963/ مع ولادة المؤسسة العامة للسينما، التي تولت الإنتاج والتسويق والتوزيع وحتى عام /2008/ أنتجت /55/ فيلماً روائيا طويلا.
المخرج والسينارست "عبد اللطيف عبد الحميد" هو واحد من الجيل القديم للسينما وقد عمل أكثر /15/ فيلم، يرى بأن جهود الشركات الخاصة بدأت تظهر ثمارها في صناعة السينما السورية وقال: «إن فيلمي القادم هو إنتاج خاص، فبعد أن كانت المؤسسة العامة تنتج فلمين طويلين وحوالي /10/ أفلام تسجيلية قصيرة في العام، بدأ القطاع الخاص ينتج عددا آخر يضاف لها، وهذا أمر يساعد المؤسسة على صناعة السينما في البلاد».
وفيما يتعلق بالممثلين الذين يفضلون التلفزيون على السينما قال "عبد الحميد": «في العشر سنوات الأخيرة كان الممثل يفضل التلفزيون دائما، لكن الآن مع الانتاجات الجديدة ووجود كم من الشباب المتحمس لصناعة السينما، بدأ الممثل يشعر بقوةّ وضرورة أن يتواجد في فيلم سينمائي لأن ذلك ينقله إلى العربية والعالمية».
بالنسبة لدور العرض يرى "عبد الحميد" أن الكرة في ملعب القطاع الخاص لأن هذه الدور مملوكة من قبل أشخاص وليست لوزارة الثقافة. وأضاف: «أن الإنتاج يتوقف على وجود دور العرض ملائمة صحيا وفنيا واجتماعيا لعودة الجمهور لها». يوجد حوالي /25/ صالة سينما حاليا منتشرة في المحافظات السورية، وفق بيانات وزارة الثقافة السورية ومؤسسة السينما.
الكاتب "كمال مرة" يرى أن التفاؤل في السينما السورية أمر، بسبب عدم وجود شركات إنتاج تغامر في إنتاج الأفلام، ويتحدث "مرة" عن السينما بوصفها صناعة بحد ذاتها تساهم فيها مؤسسات كثيرة، ويضيف "مرة": «إن تحويل "مهرجان دمشق السينمائي" لمهرجان سنوي أمر جيد لكنه لا يكفي برأي لنجاح السينما السورية لأن الأخيرة (أي السينما السورية) أقرب إلى سينما الهواة»، ويؤكد أن سبب عدم إقدام المنتجين على تمويل الأفلام هو عدم ضمانهم لربح بسبب عدم وجود صالات سينما كافية ولائقة بالعروض وبالتالي لا يوجد شباك تذاكر ولا جدوى اقتصادية للمنتج من الفيلم، مما غيّب ما يدعى بنجم الشباك بين الممثلين السوريين لأن عملية إنتاج الفيلم هي دورة اقتصادية يجب أن تكون ناجحة لكي يتشجع أي منتح حسب رأي "مرة".
يأمل العاملون في السينما وروادها من الجمهور أن تعود لهم ذكرياتهم مع في طقوس حضور الأفلام السورية، كما حدث مع العديد من العائلات التي ذهبت لحضور فيلم "سيلينا" الذي لا يزال يعرض في دور السينما.