«"طين" و"خشب" ثمّ "إمراة"» جملة اعتاد أن يصف بها فنه، حياته، ومستقبله، فهو يرى أنّ "المرأة" إله من "عشتار" إلى "مريم العذراء" هي الموضوع الأبدي لكلّ أعماله، هي التي تستحق أن يولد المرء من أجلها مرتين، لعلّ المعادلة صعبةً للبعض إلا أنّها كانت سهلة التطبيق بل وأساس في الحياة للنحات "وائل قسطون". لابدّ من وجود الهواية، والتاريخ الكافي ليتشكل فيه حبُّ "النحت"، هذا كلّه حدثنا عنه عندما التقيناه في محترفه المتواضع بحي "الأرمن"، ذلك المحترف الذي أسقط عليه الكثير من حميمية الفن الراقي وبداية يتحدث عن تلك المرأة بالقول:
«لا يوجد قضية أو فكرة أو خاطر يدور في ذهني ومحترفي ومجتمعي سوى "المرأة" هي إله حقيقي من الأسطورة إلى الآن، هي شيء مختلف عن العقيدة، وإنما تتشكل كفلسفة للحياة تأتي من خاصية الخلق التي خصها بها الله، فعلى الرغم من مشاركة الرجل لها، إلا أنّها الوحيدة التي تحسّ بكل شيء».
لا يوجد قضية أو فكرة أو خاطر يدور في ذهني ومحترفي ومجتمعي سوى "المرأة" هي إله حقيقي من الأسطورة إلى الآن، هي شيء مختلف عن العقيدة، وإنما تتشكل كفلسفة للحياة تأتي من خاصية الخلق التي خصها بها الله، فعلى الرغم من مشاركة الرجل لها، إلا أنّها الوحيدة التي تحسّ بكل شيء
"قتلتني أمي بحنانها ولمّا خرجت وجدتها فوق صدر كلّ إمراة". يتابع السيد "وائل" بأنّه وُلد مرتين مرّة من رحم أمِّه الدافئ في شتاء قريته البارد ومرّة من جبين حبيبته الصارخ، فالإنسان بالنسبة له هو ثنائية الخاص والعام، الرجل والمرأة، عندما يخرج للمرّة الأولى إلى هذه الدنيا يشعر باستقلاليته الكبيرة رغم عمق علاقته بأهله إلّا أنّه يذوب مع من اختار ويصبح الاثنان واحداً عندما يحب ويتزوج وعن ذلك يضيف: «زوجتي هي حبيبتي الأولى والأخيرة، أعيش معها قصة حب لن تنتهي، هي موجودة في كلّ أعمالي قبل أن أعرفها وبعده، ولكن هذا لا ينفي أنّ المرأة هي في ذات المرتبة لدي مهما اختلف تصنيفها من أمٍ أو أختٍ أو حتى حبيبة فهي في تلك المرتبة العليا، وعدم وجودها في مجلس يجعلني متوتر ووجودها يمنحني الهدوء والفكر المنطقي والمبدع».
يجتمع "النحت" مع "المرأة" في احتلال قلب النحات "وائل" فالنحات هو أقرب المخلوقات إلى الله، يصنع من موادٍ بين يديه ما يريد ويخلق أشياء وأشياء، فكيف وجد ضآلته إلى "النحت" في خضّم تلك الفنون من حوله؟، يتحدّث: «لم أعتقد أنني سأختار "النحت" يوماً وإنما كان التصميم الأكبر بأن أرسم وأدخل كلية "الفنون الجميلة" لأختص بذلك، وبدأت القصة مذ كنت صغيراً في الابتدائية حيث اعتاد مدرسوا الرسم أن يعيروا تلك المادة أهمية أقلّ من غيرها، لكنّ توفر الجمال والطبيعة من حولي كوني من ساكني الريف جعلني أرسم وأنحت بما هو متاح، وأول ما قمت به كان باستخدام "الحجر" والرسم على القماش، حتى تبلور لدي الهدف بأن أدخل كلية "الفنون" وبدأت هنا قصة أخرى حيث أنني رُفضت أول مرّة في الكلية رغم حصولي على أعلى درجة في فحص المقابلة، هذا الرسوب جعلني أدرس بـ "المعهد الطبي" لمدّة سنتين كانتا بمثابة تمرين مستمر لي على "الرسم"، و"النحت" في حدائق "حلب" مكان دراستي، ذلك كلّه زاد في التصميم لدي بأن أدرس "فنون جميلة" وبالفعل أعدت "الباكالوريا" وتقدّمت لامتحانها وامتحان التخرج من المعهد في ذات الوقت ودخلت الكلية التي حلمت بها دوماً، بحصولي على أعلى درجة في فحص المقابلة للمرة الثانية».
يروي السيد "وائل" أن أيام الدراسة بما فيها ذلك "المُحترف" الذي كان يحتضن التلاميذ ببساطته من أهمّ ذكرياته، ويضيف: «لقد كان المكان الذي نعمل به بسيطاً وحميمياً لدرجة كبيرة، فهو ذو سقف من "التوتياء"، فيه من "التراب" و"الأخشاب" ما يجعلك تتنشق الرائحة عندما تنهمر الأمطار في الخارج، ويتسرب ما تيسر منها إلى الداخل، وتلك الرائحة مع صوت السيدة "فيروز" يحمل المرء إلى عالمٍ آخر، عالم جعلني أتحول من حبِّ "الرسم" إلى عشق "النحت" فالرسم مهما كان جميلاً هو في النهاية يُصنع على سطحٍ ليس له أية تضاريس أو معالم، بينما يعطيك "النحت" شعور الخلق بين يديك شعور بأنك تصنع الجمال أو الحياة».
لا يفضل نحاتنا "الحجر" وإنما يعشق "الطين" و"الخشب" فالأول هو الإنسان لأنّه من التراب وإلى التراب، و"الخشب" لأنه القريب الأقرب لنا، يُولد بلطف، يراهق بعنفوان، ويموت بحكمة، تلك الحكمة التي يراها في حرية "محترفه" الخاص وابتعاده عن جو التدريس في قسم "النحت" الذي أحرز فيه التفوق والمرتبة الأولى ويختم قائلاً: «قد يستهجن المجتمع أعمالي وأفكاري، لكنني لا أوجهه له بالمجموع، وإنما لأهل الثقافة فيه، لا يهمني إن أعجب الجميع، بل الأهمّ يتجسد في أنَّ كلّ عمل هو بمثابة فكرة وليدة خرجت من رأسي الذي كان مثقلاً بها ليستعدّ بدوره لاستقبال غيرها، أفرح بوجود الناس في معارض أقيمها وأحب أن يروا "إمراة" أعشقها في كل جزء منها -الأعمال-».
لا مكان للـ "الذكر" في أعماله لأنه "النحات" بذاته وإنما مشروع "النحت" هو لأجل "ألوهية المرأة".
الجدير ذكره أن "وائل قسطون" هو من مواليد قرية "مرمريتا" 1966، متزوج من السيدة "إيفا" ولديه ولدان "يارا" بعمر العاشرة، و"نوّار" بعمر الخامسة، شارك في العديد من المعارض بمدينة "حمص" أولها كان من تنظيم "شبيبة الثورة" بعد نيله لشهادة التعليم الثانوي.