ينشغل الفنان "سهف عبد الرحمن" بالقلق الذي يعتبر شرطاً وجودياً وإبداعياً لكل فنان تشكيلي، على الرغم من وجود مواضيع تسيطر على لوحاته، وتصبح قلقه اليومي ومصدر إلهامه بنفس الوقت، اليوم هو منشغل بالحَمَام.
يتعامل معه كأنه مشروع أبدي تلك الرؤى الشاعريّة في الأدب العربي تجاه الحمام تظهر بالأبيض والأسود عند "عبد الرحمن" أحياناً نافرة حزينة بغرافيكٍ ذي مفهوم تصويري.
هناك فرق بين الهذيان المنظم والهذيان غير المنظم، الفنان بعد عمر له بالرسم، والخبرة بالفن التشكيلي وثقافته الطويلة، يستطيع أن يخلق ما يسمى بالفوضى الخلاقة
"سهف عبد الرحمن" فنان حمصي شاب يرسم مذ كان طفلاً صغيراً بفضاءات متعددة، ويعمل في مجال تدريس الرسم للأطفال ذوي الاضطرابات النفسية.
الفنان "سهف" يعتبر الحمام الآن مقولته، وقد اشتغل نحو /20/ لوحة عن هذا الموضوع، ولا يعرف متى يحدث التغيير وينتقل لموضوع آخر، يتحدث الفنان "سهف" عن مقولة اللوحة التشكيلية فيقول: «المقولة البصرية تختلف تماماً عن المقولة الشعرية أو الأدبية، ربما هي تقارب المقولة المسرحية، لكن مقولة اللوحة هي السؤال الذي يرابط في أذهان الجميع، أحيانا نحضر معارض بأكملها دون أن نفهم ماذا يريد الفنان، ربما لا نملك ثقافة بصرية جيدة لذلك يعاني أغلبنا من عسر في فهم اللوحة الفنية».
يعتبر "عبد الرحمن" أن الواقع وتفاعل الفنان معه هو أكبر جدلية تتحداه لاستنباط مواضيع للرسم. التفاعل مع كل ماهو موجود، يجعله يرسم، ويضرب أمثلة عن ذلك؛ حذاء "فان كوخ". أما التجريد فهو فن الفكرة يذهب إلى الأفكار ورد الفعل اللاموضوعي في كثير من الأحيان. لكن هذا النوع من التجريد استسهله بعض الفنانين برأي "عبد الرحمن" فأصبحوا يرسمون لوحات "أي كلام" ويعرضونها وكأنهم يتحدون من يفهمها ويتباهون بالغموض.
من هنا يدخل "سهف" إلى ما يسمى بـ"الهذيان البصري" الذي يعرّفه بالتجريب لرؤى ما تتفاعل في ذهن الفنان، وكان له تجربة معرض واحد من هذا النوع وقال إنه نادم عليه، عندما سألته ألا يمكن أن تكون هذه الهذيانات مجرد تهويمات بصرية وقع فيها هو نفسه في استسهال الأسلوب فأجاب: «هناك فرق بين الهذيان المنظم والهذيان غير المنظم، الفنان بعد عمر له بالرسم، والخبرة بالفن التشكيلي وثقافته الطويلة، يستطيع أن يخلق ما يسمى بالفوضى الخلاقة».
يتحدث الفنان "عبد الرحمن" عن مطب ما بعد الحداثة الذي وقع فيه أغلب الفنانين الذين يريدون كسر القواعد، فخرجت لوحاتهم منفلتة من الإيقاع وبلا أبعاد واضحة، ويقول عنهم (بسخرية حارقة): «كيف يمكن لشخص يريد كسر القواعد دون أن يعرف ماهي القواعد الأصلية...، انظر إلى "الجوكندا" ما زالت تحافظ على أهميتها التاريخية، رغم أنها تنتمي إلى الأسلوب الكلاسيكي، اللوحة الرائعة هي أن تقول أفكار راسمها بأقل وأبسط الأشكال، أحيانا تستطيع لوحة سماء حزينة ملبدة بالغيوم أن تقول ذلك.... ، اللوحة معنى أكثر من أن تكون أشكالاً لها معنى».
هذا ما يجعل الفنان "سهف" يعود إلى قلم الرصاص عندما يكون في مشكلة لونيّة على حدّ تعبيره بحثاً عن الإيقاع.
يرى الفنان "سهف" أن الأساسيات في اللوحة حالياً شبه غائبة العلاقة بين الوحدات والفقرات الكتلة والمسافة فترة الصمت ما بعد المسافة، كل هذه الأمور التي لا تدرّس أكاديمياً بل تأتي بالحلول الفطرية تبدو مشوشة ومضطربة في ذهن الفنان المعاصر.
تتوقف قدرة الفنان برأي "عبد الرحمن" على التغيير وإحداث نقلة نوعية بالفن الذي يشتغل به، بتنوع عوالمه الداخلية فالداخل الفارغ والفقير لا يقدم شيئاً والداخل الغني والمملوء بالأحاسيس هو من يصنع المشروع الثقافي، وختم هذا الشق من الحوار بقوله: «الأجيال الحالية تمر بلحظة إحباط تاريخية».
وبخصوص رؤيته للفن التشكيلي المعاصر قال الفنان "سهف عبد الرحمن": «الآن هناك من يشتغل على السطح والتكتيك، وليس على العمق لإخفاء العجز الروحي والفقر الثقافي، مما جعل الحداثة تدخل علينا بالشكل فقط. ويرى الفنان "سهف" أن النشاط الثقافي الموجود حالياً هو حراك نخبوياً جدد الأشكال وكرر المضامين نفسها».
يعترف الفنان "سهف" بأننا نفتقر للقامات البديلة ليس بالرسم وحده بل بكل الفنون فمن حل محل "فاتح المدرس" و"محمد الماغوط" و"محمود درويش" من يملأ مكانهم، نحن نعيش انكسار رحيلهم".
يرى الفنان "سهف" أن اللوحة ما زلت طارئة في حياتنا ومفصولة عن المتلقي العربي، بعكس المسرح مثلاً، فالمسرح يؤصل نفسه رغم أن الجميع دائماً يتحدث عن أزمة يمر بها المسرح منذ أكثر من عشرين عاماً إلا أنه دائماً يبحث عن تشكيله.
الجدير بالذكر أن الفنان "سهف عبد الرحمن" من مواليد "حمص" /1947/، متزوج ولديه طفلتان "الوجد" و"جوليا"، مدرّس مادة الرسم للأطفال ولذوي اضطرابات التوحد، أجرى عدداً من المعارض الفردية والجماعية.
عمل عدداً من السينوغرافات للعديد من الأعمال المسرحية، وصمم ديكورات وبرشورات لعدد من المسرحيات والمهرجانات الثقافية في "حمص". يعمل بأسلوب أقرب إلى الغرافيك المطبوع منه إلى التصوير. يشتغل على اللوحة على أنها مشروع بصري قائم بذاته أي باعتبار اللوحة مجموعة من الأعمال. اشتغل عدداً من الأغلفة لدواوين شعرية وروايات أدبية.