عدّه الدارسون والنقّاد السوريون والعرب من شعراء الحداثة الذين برزوا في ستينات القرن الماضي، صدر له ستة عشر مجموعة شعرية، وكتابان في النقد الشعري، نشر قصائده ودراساته وزواياه في العديد من مجلات وصحف سورية وعدد من الأقطار العربية عمل في التعليم والصحافة والإذاعة حتى بلوغه سنّ التقاعد، إنه الشاعر والأديب الأستاذ "عبد الكريم الناعم" الذي التقيناه في منزله ليحدثنا في الكثير من محطات حياته الأدبية والنقدية.
فعن تجربته مع الشعر قال بداية: «أعتبر أني في تجربتي مع الشعر مررت بثلاث مراحل شعرية، المرحلة الأولى بدأت في أوائل الستينات حيث كانت محاولاتي الأولى في الشعر، ثم تلتها مرحلة أخرى أكثر تطوراً وعمقاً، ومنذ حوالي (15) عاماً وإلى اليوم إن صح التقدير هي مرحلة ثالثة أعتبرها مرحلة النضج والاكتمال في الكتابة الشعرية، ولا أستطيع القول أنها مرحلة الوصول لأنه ما من فنان أو مبدع حقيقي شعر بينه وبين نفسه أنه وصل إلى ما يصبو إليه لأن الرغبة تظل أكبر مما يمكن إنجازه، وقد تكون حافزاً أو دافعاً لديه للإبداع».
أعتمد في نقد الشعر على تذوقي بالدرجة الأولى كشاعر مطلع بالدرجة الأولى على المدارس العربية والغربية في النقد، وأعتقد دون أي انحياز أن خير من يكتب نقد الشعر هم الشعراء أنفسهم، واستثني من هذا الكلام الناقد المميز "يوسف سامي اليوسف" الذي كانت كل كتاباته عن الشعر ترقى إلى سوية الكتابة الشعرية
وفي سؤالنا له عن الأشياء التي ميزت تجربته الشعرية قال: «حاولت كآخرين أن يكون هناك نضج بنائي في القصيدة وخاصة في المراحل الأخيرة منها، مع الاعتناء بمسألة علاقات الصورة الشعرية ودلالاتها، لأنني أرى أننا اليوم وفي مسألة ما نقرأه من طوفان شعري في قصيدة النثر أو في قصيدة التفعيلة أن معظم من يكتبون اندفعوا باتجاه الصور اعتقاداً منهم أن الصورة وحدها تخلق شعراً، فتجد ركاماً وترهلاً من الصور، وكأن إنتاج الصورة وحده هو الهدف، لكنني أزعم أنني في نصوصي استطعت أن اضبط هذه المسائل، فقصيدتي تعتمد من الناحية الفنية على بنية التشكيل اللوني، وتشكيل الصور وعلاقات الصور المتساندة فيما بينها، وعلاقة الإيقاع، لأنني من الشعراء المنحازين إلى الإيقاع في الشعر وأعتبره ذا قيمة نفسية وجمالية وتعبيرية في النص الشعري».
وعن المواضيع التي مر بها في شعره قال الأستاذ "الناعم": «هناك حقلان في مواضيعي الشعرية التي طرقتها، فالحقل الأول هو تلك القصائد التي حملت الهم القومي، ويستطيع من يتتبع قصائدي التي كتبتها في هذا الاتجاه أن يجد الحدث المباشر في كتابة قصائد الالتزام الوطني القومي، وقصائد الالتزام الطبقي، التي انحزت فيها إلى الفقراء، وإلى المقهورين، وإلى الطبقات الكادحة، وإضافة إلى هذا الجانب فلدي الجانب الوجداني الداخلي. أضف إلى ذلك مسألة أخرى خاصة بي، وهي أني منذ (15) عاماً طغى بشكل واضح في كتاباتي المسألة الصوفية في الشعر، والصوفية هنا بمعنى التأمل الكوني وتذوقه، وهذا يتجلى واضحاً في مجموعتي الشعرية (مائدة الفحم)».
وكون الشاعر "عبد الكريم الناعم" اعتبر من شعراء الحداثة المعاصرين في الوطن العربي، سألناه كيف يرى مسألة الحداثة فقال: «مسألة الحداثة متعلقة بمسألة الانتماء الفكري من جهة ، ومتعلقة بمسألة البنية المطلوبة في القصيدة الحديثة من جهة أخرى، ومرتبطة بأن يكون النص جميلاً وناضجاً ومدهشاً حتى نضعه بخانة الحداثة، وإلا تصبح الأمور شكلانية، ومجرد أن يكتب أي واحد قصيدة على الشكل الحداثي سواء في قصيدة التفعيلة أو في قصيدة النثر يمكن أن يعد نفسه من هذه الحداثة، وأنا اربط الحداثة بالإضافة إلى مضامينها ونزوعها، بالنص الناضج والجميل والمدهش وإلا فلا حداثة، وهو يكون وهم حداثة».
وعن الذي تناوله في تجربته النقدية الأدبية قال الأستاذ "عبد الكريم الناعم": «كتبت العديد من المقالات النقدية في أكثر من صحيفة وخاصة في الشعر، وفي هذا الجانب صدر لي كتابان: الأول بعنوان (كسوفات) وهو صادر عن اتحاد الكتاب العرب، فيه قراءة لعشر مجموعات شعرية لعشر شعراء مختلفي الانتماءات، وإذا استثنينا الشاعر "محمد علي شمس الدين" الذي هو من لبنان فبقية الشعراء كلهم من سورية، ومن هؤلاء الشعراء من كتب قصيدة النثر والوحيد الذي تعرضت له في مجموعتي هذه وأعتقد انه الرائد على مستوى الوطن العربي الذي تجرأ أن يكتب ما كتبه نثراً ويسميه شعراً وهو "خير الدين الأزهري".
أما الكتاب الثاني فعنوانه (في أقانيم الشعر) صدر عن دار الذاكرة بـ"حمص" عام /1990/، تناولت فيه عدداً من المحاور، ولم أكتف بطرح المحاور، بل أخذت نماذج من الشعر المعاصر وقدّمت عليها تطبيقات، ويضم هذا الكتاب بحث حول الحداثة والحداثة عربياً، وبحث عن التفريق بين الغموض والإبهام، وحوالي ثلث الكتاب تطرقت للدفاع عن الإيقاع الشعري في القصيدة العربية الحديثة والقديمة، كون البعض اعتبر الإيقاع في الشعر شكل خارجي، ومن خلال بحثي تتبعت بنية التفعيلة العربية ووجدت أن للإيقاع في الشعر ليس قيمة شكلية فقط وإنما قيمة نفسية وجمالية وتعبيرية، واثبت أنه لا إيقاع غلا من خلال بنية التفعيلة العربية: السبب، والوتد، والفاصلة، والفاصلة الكبرى».
وأضاف: «أعتمد في نقد الشعر على تذوقي بالدرجة الأولى كشاعر مطلع بالدرجة الأولى على المدارس العربية والغربية في النقد، وأعتقد دون أي انحياز أن خير من يكتب نقد الشعر هم الشعراء أنفسهم، واستثني من هذا الكلام الناقد المميز "يوسف سامي اليوسف" الذي كانت كل كتاباته عن الشعر ترقى إلى سوية الكتابة الشعرية».
وعن كتاباته الصحفية في العديد من الصحف والمجلات السورية والعربية، وعن عمله الإذاعي قال الأستاذ "الناعم": «كتبت في الزاوية الصحفية، وفي المقالات السياسية والفكرية، وفي الزوايا الاجتماعية، إضافة إلى مقالات أدبية متعددة وخاصة في نقد الشعر، كما كتبت في الفلكلور الشعبي، فلي اهتمام خاص بما يتعلق بقضايا الفلكلور، وخاصة فلكلور الريف، حتى أن وزارة الثقافة ومنذ بضع سنوات تشكلت فيها مديرية تهتم بالفلكلور وهناك كتباً إذا وقع فيها الاختلاف فإنهم يحيلونها إلي للنظر فيها، وأنا على اطلاع بجميع ألوان الفلكلور الطقسي والغنائي في سورية ولدي مكتبة فلكلورية غنائية كبيرة جمعتها من كل المحافظات وخلال عدة سنوات، لأنني أتذوق الموسيقى بصورة عامة، والفلكلورية منها بصورة خاصة.
وقد استفدت من هذا الموضوع في عملي الإذاعي إلى حد ما في البرنامج الأخير الذي أقدمه على إذاعة صوت الشعب منذ عام /1991/ وكان اسمه (هنا "حمص")، وصار اسمه منذ عام ونيف (آفاق)، وهو برنامج يومي مرّ بمرحلتين، الأولى وفي فترة نصف ساعة كان يتناول فيها قضايا الثقافة والفلكلور، وتغطية مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية، وفي المرحلة الثانية بعد أن اختصر إلى ربع ساعة اقتصر البرنامج على تقديم الجانب الثقافي وبعض الجوانب الخدمية في "حمص"».
«الأماني والآمال لا تنتهي، ومنذ بضعة أشهر وبعد أن محوت أميتي في التعامل مع الحاسوب عكفت على جمع كل ما لدي من قصائدي المخطوطة وفرزتها بحسب اهتماماتها وموضوعاتها وبدأت بتنضيدها على الحاسوب ضمن مجموعات متفرقة، وإلى الآن أنجزت حوالي ثلاث مجموعات شعرية، وبين يدي الآن أوراق مخطوطة ما قد يشكل ثلاث مجموعات أخرى أرجو أن أتمكن من طباعتها ونشرها كلها، كما أن الكثيرون من أصدقائي وزملائي طالبوني بعد نشري الجزء الأول من كتاب (مدارات- سيرة زمن) الصادر عن وزارة الثقافة بإنجاز الجزء الثاني منه، فالجزء الأول (مدارات 1) يبدأ من الطفولة وينتهي صباح الثامن من آذار عام /1963/، وأنا بصراحة متهيب وخائف من ألا أستطيع المحافظة على السوية الأدبية التي كتبت فيها الجزء الأول لأنه يبدأ من الطفولة من الريف، من الأمطار والغيوم، ومن القصص الشعبية الكثيرة وهذا يعطي الكاتب فسحة لكتابة نص أدبي جميل، كما أن مثل هذا العمل بحاجة لأن يعكف عليه الإنسان سنة أو سنتين حتى ينجز، وآمل أن أستطيع ذلك».
الجدير بالذكر أن الشاعر عبد الكريم الناعم ولد عام /1935/ في قرية "حَربْنَفْسِه" التابعة لمحافظة "حماه"، وسكن أهله مدينة "حمص" منذ عام /1949/.
صدر له ستة عشر مجموعة شعرية، أولها (زهر النار) عام /1965/، وآخرها (حريق الحانة) عام /2008/، كما صدر له كتابان في النقد التنظيري والتطبيقي، وكتاب واحد ( شعر وعتابا) باللهجة المحكية البدوية، وكتاب (مدارات- سيرة زمن).
كان عضواً في جمعية الشعر ضمن اتحاد الكتاب العرب
شغل كأمين سر في فرع اتحاد الكتاب العرب في "حمص" لعدة سنوات، شارك في العديد من المهرجانات الأدبية والثقافية داخل وخارج سورية.