يبدو في شعره كمالك الحزين، الطير الذي يحني هامته لضربات القدر ولكن ما إن تقسو عليه الظروف حتى نراه يحلق وصوته أنين العصر وضربة السوط الوحيدة على العنق الذي يحمل تعب المتعبين وتأتي أناشيد فيها أصالة الفنان وصنعه الذي يخلق الكلمة من صدوره وأعصابه.
موقع eHoms التقى الشاعر "الياس الفاضل" ليحدثنا بدوره عن تجربته في قصيدة النثر وقد اكتملت خارطتها لديه فهو سريالي الحلم.
"الياس الفاضل" شاعر يعيش الكلمة، أنيق الحرف من غير ضعف، كل شيء عنده إذا مر على الحس والقلب عاد شعراً
* كيف كانت البداية؟
** نشأتُ في "مرمريتا" تلك البلدة الساحرة، حيث كل شيء فيها يوحي بالشعر، ففي"مرمريتا" كتبتُ أولى محاولاتي الشعرية وأرسلتها إلى إذاعة دمشق ببرنامج اسمه "الجندي" فأذيعت القصيدة بكاملها، وبعد ذلك انتقلت إلى "دمشق" وأنا أحمل أحلاماً وأوهاماً تعرفت من خلالها على الوسط الأدبي، وبدأتُ انشر قصائدي في مجلات وجرائد محلية، انطلقت حياتي الشعرية بالشعر الموزون العمودي وشعر التفعيلة، ولكن شعرتُ فيما بعد أن هذا النمط من الشعر لا يبني تطلعاتي وهواجسي، فكان عليّ خروج من هذا النمط والتحليق عالياً بالقصيدة الشعرية، فكتبت قصيدتين إحداهما أرسلتها إلى مجلة "النقاد" ونُشرت القصيدة بالطريقة التي كتبتها وفي مكان وحروف بارزين، كان يديرها الأديب "سعيد الجزائري"، والثانية أرسلتها إلى مجلة " الأديب" اللبنانية الذي خصص لها المرحوم" ألبير أديب" صفحة كاملة وجاء ترتيبها الثانية بين القصائد التي ضمها العدد، ومن هنا تابعت مشواري بكل جرأة وثقة بالنفس، ومن وقتها بدأت أكتب القصيدة النثرية.
** أُعتبر واحداً من الرواد في كتابة قصيدة النثر في سورية إلى جانب كل من "سليمان عواد" و"محمد الماغوط" و"إسماعيل عمو"، حيث صدرت أولى مجموعاتي الشعرية بعنوان "أوراق جريحة" في عام 1958 ولدى صدورها أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية في سورية، وكُتب الكثير من النقد في الصحافة حولها، لأنها كانت جديدة في كل شيء أي في الأسلوب وفي المضمون، فكنت متمرداً على القوانين والشعر العمودي والتفعيلة والقوالب الجاهزة ، حتى أن الأديب "ممدوح حقي" كتب عني في جريدة "الأيام" أنني أضيع موهبتي في كتابة قصيدة النثر.
وفي هذه الأثناء صدر في مجلة "الصياد" اللبنانية وهي تحمل مقال عن مجموعتي بقلم الأديب والشاعر الكبير "سعيد عقل " حيث قال أن "الياس الفاضل" شاعر معرفة جعل الحياة بكلماته أشبه بأسطورة، وبعد هذه الشهادة من قبل الشاعر الكبير صمت الجميع في "دمشق" لان قصائدي صنفت من بين أفضل قصائد الغزل في العالم.
وبعد هذه الفترة بقليل أصدرت مجموعتي الشعرية الثانية بعنوان " أحزان القمر الأخضر" واعتمدت فيها أيضاً على الأسلوب النثري فلاقت حفاوة وترحيب من قبل الشعراء والنقاد والأدباء ومنهم "إبراهيم جبرى" و"سعيد جبرى"، ولكن في كل ما كتبت لم أكن أسعى إلى تأسيس قصيدة النثر وبالتالي حتى هذه اللحظة لا أزال كما بدأت لا ألتزم بأي شيء عندما أكتب الشعر، إلا أنه ما كان مطروحاً في وسط الأدب العربي، كان يفرض علينا صيغة جديدة للقصيدة وكان لا بد من حدوث هذا التحول الذي قاده مبدعون حقيقيون وأصليون جددوا دماء وخلايا الشعر العربي.
** تجربتي في "بيروت" كانت في قمة عطاءها الشعري فالوسط الأدبي هناك يدفع الشاعر إلى الإبداع ومواصلة ذاته في الوجود الشعري، حيث كان الأدباء والكتاب يستقبلوننا بالإعجاب والاحترام، وترجمت جميع أشعاري إلى اللغة الفرنسية، وبعد ذلك نشرتُ مجموعتي الجديدة باسم "تحت سماء آسيا" عام 1971 وأتحدث فيها حول ما عانيت من التشرد والغربة في "بيروت" الذي انعكس في قصائدي، لأن الحلم الذي كان يراودني في خلق حياة جديدة قد تحطم وضاع وأجنحتنا تكسرت قبل أن نطير فحلت السوداوية والجهل الذي سيطر على حياتنا بشكل كامل، ومن هنا أحسست انه لم يبقى لي في هذا الحياة إلا الألم والمعاناة، فكتبتُ عن هذه الأوجاع والمعاناة التي تجسدت في ذاتي.
** القصيدة عندي ينبوع يأتي مثل الموت فجأة وتحدث هذه العملية بمحض الصدفة، حيث لا أعرف ولا أخطط للكتابة الشعر ولا أجلس وراء الطاولة للتفكير بنوع القصيدة، فكل ما في الأمر أن القصيدة تأتي فجأة فأدونها ولا أفكر بأنها ستكون قصيدة ذات نمط طويل أو ذات نمط قصير، فالشعر ليس صناعة لدي ولا أهدف وراء كتابته لجمع الأموال، وإنما أكتب الشعر لمجرد إرضاء الذات حيث لا يهمني التراكيب والصور والتشبيه والبلاغة، وأكتب الشعر بكل عفوية ولا أوظف المجاز والصور بل أنها تأتي خاطرياً والصورة لدي لا تدخل في التشبيه مثلاُ أقول" إني عصفور أزرق قادم من الريف إلى المدينة".
** الشعر في سورية الآن يعاني من أزمة كون الشباب الذين يكتبون الشعر الآن يستسهلون عملية الكتابة، فهم يسيئون للشعر وللقصيدة النثرية بشكل خاص بهذه السهولة والبساطة، فبعض هذه القصائد فيها الجمال ولكن ما ينقصها أنها لا تؤثر على مجرى الحياة الشعرية في سورية، مع الأسف أن الشعراء الشباب أقحموا الشعر في وضع سلبي بسبب عدم التزامهم بجوهر القصيدة.
** قصائدي هي مزيج من جمالية المرأة فهي البداية والنهاية وبدون المرأة تبقى الحياة قصيرة وجرداء وبلا معنى، فالمرأة هي الملهم الأول والأخير للشاعر، أما الحب فهو تكسير الحياة ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون الحب لأنه الهيكل الذي يتجه إليه المؤمنون لصلاة الخشوع، ومن بين العناصر التي تسحرني هي الطبيعة فهي إلهام بجمالها الساحر من خلال أشجار الصنوبر والسنديان والسرو والكروم والتين والعنب الذي تربيت على صورتها في "مرمريتا" ومنها أستمد الخيال الذي لا يلحقه أي خيال، ومن أكثر دواويني التي تعبر عن ذاتي في هذا الصدد هو "بقايا اللوح المكسور" فهو فعلاً بقايا اللوح المكسور عن ذاتي ووجودي أتحدث فيه عن الآلام واليأس والبؤس في نهر الإنسان فهو صورة كاملة عن معاناتي الشخصية.
يقول الشاعر"جبرا إبراهيم جبرا" عن وصفه للشاعر" الياس الفاضل" بقوله:« "الياس الفاضل" شاعر احترف على ما تقول فيروز الحزن الانتظار وثمة كلمة تضاف إلى هذا القول: هي أن الشاعر احترف الحب أيضاً والرغبة والشوق، إنه من جيل شعراء الرفض والثورة والصراخ». ومن جانبه يؤكد الشاعر "كنعان فهد" أن: «"الياس الفاضل" شاعر يعيش الكلمة، أنيق الحرف من غير ضعف، كل شيء عنده إذا مر على الحس والقلب عاد شعراً».
من الجدير بالذكر أن الشاعر "الياس الفاضل" مواليد 1933 في بلدة " مرمريتا" خريج الكلية الحقوق في دمشق له المجموعة الكاملة تتضمن: أوراق جريحة، أحزان القمر الأخضر، تحت سماء آسيا، وخطوط على الريح وقناديل في العاصفة وقصائد يتيمة، وأخيراً مجموعته "بقايا اللوح المكسور" في عام 2008، وله مسرحية شعرية بعنوان"نادي الرجولة "، إضافة إلى عمله في الصحافة والإذاعة والتدريس، عمل مراقباً للنصوص في الإذاعة والتلفزيون، كما عمل سكرتير مجلة الثقافة الأسبوعية، غادر إلى الكويت عمل محرراً في صحيفة الأنباء وسكرتير تحرير مجلة "القبس" و"المجالس"، فهو مؤسس لجمعية أدباء العرب وعضو مؤسس في اتحاد الكتاب العرب، ترجمت بعض قصائده إلى الفرنسية والانكليزية والاسبانية.