الكتابة للأطفال من أصعب الفنون الأدبية، لما تحتاجه من فهم للعملية التربوية للطفل، والإلمام بحاجاتها المعرفية بما يتناسب مع المرحلة العمرية التي يمر فيها والبيئة التي ينتمي إليها، كل ذلك ضمن قالب محبب للطفل سهل الفهم ومتفق مع المنطق، حتى يحقق الهدف المرجو منه في توسيع مدارك الطفل وخياله وتنمية قدراته وقيمه واتجاهاته وتوجيهها نحو الصواب.
ومؤخراً بات العديد من الكتّاب يتجه إلى هذا النوع من الكتابة، محاولين تقديم المعلومة والفائدة والتسلية ضمن قالب قصصي فكاهي قريب من نفس الطفل وعالمه، ومنهم الكاتب "منار معماري" الذي التقاه eHoms وأجرى معه الحوار التالي:
** أعتبر أن طفولتي كانت الدافع أكبر وراء كتابتي للأطفال، ففي مرحلة الطفولة كنت أراقب حالات معينة أثّرت في نفسي كالمناظر الطبيعية، تساقط الأمطار، صوت الرياح وهي تلامس العشب، صوت العصافير وأشياء عديدة توحي لي بقصص معينة، ومن جانب آخر النقص الكبير في الكتب الموجهة للطفل، هذا كله بالإضافة إلى عملي في إعطاء الدروس في مادة الرياضيات للأطفال (كوني حاصل على إجازة في الرياضيات من الجامعة اللبنانية) الأمر الذي جعلني أبحث عن طريقة تساعد في إيصال الفكرة عن طريق سرد قصة تحتوي على مجموعة من التمارين الحسابية بأسلوب محبب للطفل وهو ما يعتبر نقطة البداية لتوجهي إلى الكتابة للطفل.
** ألجأ إلى استخدام الفكاهة والمقترنة باللعب محاولاً إيصال الفكرة ضمنها، فالطفل بطبيعته يميل إلى الانتقاء بنفسه ويكره أن يملي أحد ما عليه فعله، كما أن اللعب من أهم الأشياء لدى الطفل فإذا أردنا إدخال فكرة أو معلومة إلى الطفل علينا الاستحواذ على قلبه وعواطفه وذلك من خلال بناء جسر يربط بين ما نريد تقديمه وبين ما يطمح إليه الطفل .
وبرأيي ليس أفضل من الفكاهة للدخول إلى أعماق الطفل فالمعروف في علم نفس الطفل أنه بطبيعته يحب الاكتشاف وأيضاً التقليد، وهنا علينا أن نعرف كيف نوجه الطفل بإرادته ودون أن يشعر بأنه موَّجه، لذلك حاولت أن أصبغ كتاباتي بنوع من الجاذبية الخفية كأن تضع قطعة حلوى أمام الطفل وتنتظر منه أن يأكلها دون الإلحاح عليه بذلك.
** الشطرنج لعبة تعبر عن الواقع بأسلوب منطقي وعقلي، يحتاج إلى التفكير العميق والصبر والتخطيط الصحيح ولهذا كان أول كتاب لي (أتعلم الشطرنج) للأطفال والكتاب يحكي عن حركة القطع مع التمارين الصحيحة وهو بالتالي يعطي الطفل مدخلاً مبسّطاً للعبة بطريقة محببة تجعله يُقبل على الشطرنج والغاية كما قلت لك، جعل الطفل يكوّن علاقة حميمية مع ألعاب الذكاء وتخطي الحواجز بطريقة التفكير الصحيح.
** بالطبع.. لأن تعليم المواد العلمية بشكل قصصي مدعّم بالرسوم اليدوية يترك أثراً كبيراً في نفس الطفل الذي يُقبل في أغلب الأحيان على قراءة الكتاب من أجل المتعة وهنا نكون قد حققنا هدفين معاً، تعليم الطفل، وإكسابه نوعاً من المتعة.
** للأسف هذا صحيح.. فالكتابة للطفل لدينا تعاني من التكرار وعدم التخصص فمعظمها ذو هدف تربوي فقط دون التفرد بمواضيع علمية أو أدبية، وقسم كبير منها يعتمد على محاكاة الكتب الأجنبية دون مراعاة لظروف البيئة والمجتمع الذي ينتمي إليه الطفل وما يترتب عليه من سلوك وعادات تختلف من بلد لآخر، كما أن هناك نقطة أخرى وهي أن معظم كُتّاب الأطفال هم في الأصل كُتّاب كبار وبالتالي معظم الكتابات تقليدية تبتعد عن مجال الخيال أو المواد العلمية.
** برأيي أن أطفال الريف يعايشون الطبيعة أكثر والبيئة الموجودة لديهم تعطي الطفل خيالاً خصباً بخلاف طفل المدينة الذي يقبع في كتل إسمنتية وجو مملوء بالضجيج والتلوث الصناعي إضافة لضيق المساحة التي يشغلها فهو ينتقل من غرفة منزله إلى غرفة الصف إلى الشارع المكتظ بالسيارات، وبالتالي كان توجهي لطفل المدينة أكبر محاولاً تقديم القصص بقالب مليء بالطبيعة التي يفتقدها الطفل.
** يوجد قيد النشر كتاب (أتعلم الحساب مع الرسم والتلوين) وكتاب (قصص الدجاجة بق بق) ومجموعة قصصية بعنوان (رسام في عالم الخيال) وكنت قد قدمت كتاب (درهم وقاية) وهو يتحدث عن مرض اليرقان النووي الذي يؤدي إلى الشلل الدماغي في قالب قصة تعليمية ضمن إطار موضوع الصحة العامة، وكتاب (زهرة الشمع) وهو يحكي عن الاستشارة الوراثية قبل الزواج بطريقة الإجابة عن بعض الأسئلة حول زواج الأقارب، وطبعاً هذان الكتابان أنجزا برعاية جمعية الورود الصغيرة لرعاية وتأهيل الاحتياجات الخاصة حيث أعطت هذه الجمعية اهتماماً واضحاً بالطفل من خلال التأكيد على تنمية موهبة الإبداع لديه.
ومن الجدير بالذكر أن الكاتب "منار معماري" من مواليد حمص /1978/، يقطن في حي الحميدية، حصل على إجازة في الرياضيات من الجامعة اللبنانية، يعمل في مجال التدريس في مادة الرياضيات إلى جانب الكتابة للأطفال.