في الحياة محطات كثيرة، وكل منها يحمل حكاية بريئة جميلة وأخرى حزينة، فلا بأس علينا أن ننسج من تلك الحكايات أحلاماً، ونشيد أبراجاً تعلو قمم العالم، ونرويها، لأناس لن نصادفهم إلا على حبر الخيال، وسطوراً مسجونة على أوراق تنتظر قارئها ليطلق سراحها، ولكي نطلق العنان لشخصيات خُلقت من قلم وخيال كاتب غاص في أعماق الحياة لابتداع شخصياته من العدم.
كان لابد لنا أن نعرف السر، وهو العمل الدوؤب والصبر والجلد وممارسة العمل بجدية، وهذا برأيه من أهم الأسباب التي تصنع النجاح، ذلك الذي حصده من خلال جائزتين على مستوى الوطن العربي، جائزة الدكتور "نبيل طعمة"، و"يوسف ادريس" للأدب، لتكون دروعا شاهدة على إبداعاته.
ليس هناك من فضاء يرضي فكر الشمالي، ودائما أتطلع إلى البعيد، حيث هناك أشياء جميلة لم أرها من قبل
هو الكاتب والأديب "سامر أنور الشمالي" الذي التقاه موقع ehoms، ليشاركه نجاحه، ويخبرنا عن تلك المحطات المهمة في حياته، وكيف استطاع أن يتخطى عتبة الجوائز المحلية وينتقل إلى الجوائز العربية، بقوله:
** «مع كل جائزة أحصل عليها أشعر بالكثير من السعادة، فهذا يشعرني بأن هناك من يهتم بكتاباتي ويعطيها ما تستحق من عناية واهتمام، والجوائز الأدبية بالمحصلة هي ضرورة ثقافية في العصر الحالي، فهي تعبير عن تميز الأديب سواء في اختيار الأفكار أو انتقاء المواضيع وطرق المعالجة وأسلوب الكتابة، إضافة إلى أنها تسهم في إبراز الكاتب وتقديمه إلى المشهد الأدبي والوسط الثقافي، أما إذا درسنا الوضع من الناحية الاقتصادية فنجد أن امتهان الأدب في مجتمعاتنا لا يمكن الأديب من التفرغ للأدب، لهذا قد تسهم الجوائز المالية في ترميم وضعه المالي، وبالنسبة للجوائز المحلية الصغيرة فهي لا تغريني، اشترك في الجوائز الكبيرة منها فقط، لأنني لا أبحث عن منافسة محدودة، ولا بد من التنويه بدور اللجنة في أية مسابقة، فللجنة الدور الكبير في انتقاء الأفضل، ومنح الجوائز لمستحقيها، وللأسف هناك لجان غير نزيهة تفتقر للضمير المهني، ولهذا السبب نجد أحيانا أسماء تبرز فجأة لتنال جوائز كبيرة ثم تندثر».
** «ليس الجواب سهلا كما قد يبدو للوهلة الأولى، فالأمر يتعلق بالبحث في أكثر طبقات العملية الإبداعية غموضا، باختصار الشخصية في العمل الإبداعي هي حامل أساسي لأفكار الكاتب، وهي نتاج مشاعره وأحاسيسه أيضا، وهذا لا يشترط أن تكون تلك الشخصيات إيجابية، ففي الشخصيات السلبية يقدم الكاتب نقيض آرائه وقناعاته ليعريها ويدينها، والتي هي أحد الرموز الأساسية في النص الأدبي، حتى إن بعض الشخصيات الأدبية حققت شهرة كبيرة من خلال دلالاتها الخاصة، كشخصية "دونكيشوت" للكاتب الاسباني "سرفانتس" وشخصية "شايلوك" للكاتب الإنكليزي "شكسبير" وشخصية "عبد الجواد" للكاتب العربي "نجيب محفوظ"، وبالمحصلة شخصيات العمل الأدبي عبر علاقاتها فيما بينها، ومع العالم من حولها، تمثل موقف الكاتب من الحياة، ويجب التأكيد هنا أن الشخصيات التي تبدو أنها تنطق بلسان الكاتب هي شخصيات غير ناضجة فنيا، فعلى الكاتب أن يدير الشخصيات ضمن إطار الحدث والحبكة والموضوع والأسلوب، ليقدم ما يريد دون مباشرة فجة، فثمة أدباء يفضلون صناعة شخصيتهم بحرفية تناسب موضوع القصة وأبعادها الإنسانية والأدبية، وهناك أدباء يفضلون أخذ شخصياتهم من محيطهم الاجتماعي والكتابة عنها كما هي في أدنى حدود المعالجة الفنية، أما أنا فأميل إلى استخدام الخيال عندما لا أجد في الواقع ما أبحث عنه».
** «هذا السؤال أسعدني، فكثيرا ما أتهم بأنني غزير في الكتابة، على صعيد إصدار الكتب، أو النشر في الصحف والمجلات على أية حال.. أوافقك الرأي بأن نتاجي قليل، هذا إذا أجرينا مقارنة بين ساعات العمل الأدبي وما يقابله من نتاج منشور، والسبب يعود إلى أنني حريص على تقديم أفضل ما أستطيع الوصول إليه».
** «الواقع كما هو في الحياة شيء، أما الواقعية في الأدب شيء آخر، فأعتقد أن الخلط بين المفهومين يؤدي إلى إرباكات نحن بغنى عنها، مع احترامي للكثير من الأدباء الذين يكتبون بالعامية، ومنهم أدباء كبار أحرص على قراءة أعمالهم، أجد أن الإصرار على استخدام اللهجة العامية في نص أدبي مكتوب بالفصحى من باب تصوير الواقع هو أمر لا مبرر له، فلو كان الأمر كذلك حقا لما كان هناك داع للكتابة، بل ليرم القراء بالكتب وليجلسوا في الشارع كي يروا الواقع كما هو حقا؟
أما بالنسبة للنهايات التي أعتمدها، فليست النهايات المفتوحة هي الخيار الأفضل دائما، ولكن ثمة قصص تقتضي مثل هذه النهاية لطبيعتها الخاصة، وأحيانا أميل إلى استخدام النهايات المفتوحة في بعض قصصي لأنها تفتح آفاقا جديدة، وتقدم أبعادا إضافية، واحتمالات عديدة من باب التأويل، كما قد تجعل القارئ يطرح على نفسه أسئلة مفتوحة بدورها».
** «وضع الشروط في الحوار من حقي بالتأكيد، وهذا خيار ديمقراطي لا يمكن أن أتنازل عنه، فالحور يقدمني بشكل مباشر للأدباء والنقاد وللقراء أيضا، لهذا يجب أن أبدو كما أنا لا كما يريد أن يصورني الصحفي، لهذا يجب أن أناقش تلك الأسئلة من أكثر من زاوية قبل الإجابة عنها، أما بخصوص الظلم الإعلامي فهذا شيء حقيقي للأسف، فلم يُكتب عن أعمالي دراسات نقدية وافية، وما كتبه بعض النقاد والأدباء لا يغطي نتاجي الأدبي كما يجب، وهذه فرصة طيبة كي أتقدم بالشكر لكل من كتب عن مؤلفاتي، ولاشك أن الظلم الذي أعاني منه يعود إلى عدة أسباب، لعل من أهمها أنني لا أقيم في العاصمة، كما أن ظروفي تمنعني من السفر وحضور المهرجانات والندوات والأمسيات الأدبية، بالإضافة إلى أنني لا أشغل أي منصب أدبي يبرزني إعلاميا، ولا أملك المال الكافي حتى تتجمع حولي الجوقة الإعلامية، ولا أغفل أيضا دور النقاد الذين يفتقدون إلى المبادرة في الكتابة عن الأعمال الجديدة، والى الشجاعة في تناول أطروحات جديدة، وبالتأكيد عندما يتجاوز النقاد العصر الديناصوري الذي يعيشون فيه، سوف يكتبون أشياء جديرة بالاحترام، ولن أنسى الإشارة إلى أن أغلب الصحفيين الذين يعملون في الأقسام الثقافية، لا يقومون بدورهم كما يجب، فاغلبهم مجرد موظفين عاديين لا فرق بينهم وبين أي موظف في أي دائرة رسمية».
ومن الجدير بالذكر أن مجموعة "ماء ودماء" للكاتب "الشمالي" قد لاقت نقدا سلبيا لاذعا وآخر إيجابيا لطيفا من بعض الأطراف الصحفية والتي لم يشأ الكاتب أن يرد عليها لربما لأن الجوائز التي حصل عليها هي أكبر رد على تلك الأوساط الصحفية السلبية والإيجابية معا ومن المؤكد أنه كان على علم بإبداعاته وما سترقى إليه من مصاف الجوائز العربية وربما العالمية وكما يقول: «ليس هناك من فضاء يرضي فكر الشمالي، ودائما أتطلع إلى البعيد، حيث هناك أشياء جميلة لم أرها من قبل».