في كل مدينة من مدن العالم مجموعة من الساحات ترتبط تسميتها بأحداث جرت فيها أو بأسماء شخصيات تاريخية مرت عليها، فأطلقت هذه التسميات تخليداً لهذه الأحداث أو الشخصيات التي ربما عاشت في المكان أو مرت من خلاله وفي مدينة "حمص" كغيرها من المدن تضم مجموعة من الساحات أشهرها ساحة "جمال عبد الناصر"، التي تقع بالقرب من الساعة الجديدة وسط المدينة رابطة مجموعة من الشوارع مع بعضها البعض بانسجام هادئ وللتعرف على تاريخ هذه الساحة وأهم الأحداث التي مرت عليها موقع eHoms التقى المؤرخ "فيصل شيخاني" الذي حدثنا عنها بالقول:
«يعود سبب تسمية هذه الساحة بهذا الاسم الى الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" الذي قام في عام 1961 أيام الوحدة بين "سورية" و"مصر" بزيارة إلى "حمص" ومن شدة فرح أهل "حمص" بهذه الزيارة حملوا سيارته على الأكتاف فيها وأطلقوا الساحة التي سميت باسمه وتعتبر هذه الساحة من أهم ساحات المدينة، أولها أنها في توسطها للمدينة تشبه القلب من حيث ارتباط الشرايين فيه فساحة "جمال عبد الناصر" تتكون من التقاء مجموعة من الشوارع ومنها شارع "الدبلان" الشهير وشارع "القوتلي" وشارع "عبد الحميد الدروبي".
رغم الذكريات التي تحملها هذه الساحة فإن الكثير ممن يمرون على هذه الساحة اليوم لا يعرفون أن اسمها ساحة "جمال عبد الناصر" بل إنهم لا يعرفونها إلا باسم الساعة الجديدة
والأمر الثاني أنه يحيط بساحة "عبد الناصر" أيضاً العديد من المعالم الأثرية ومنها "مقهى الفرح" الذي يعود تاريخ بنائه إلي مطلع القرن الماضي، وكان شاهداً حياً علي حياة المدينة وتحولاتها خلال مئة عام، ويُذكر أن الجنرال "ديجول" عندما زار بلدية "حمص" وثكنة "الدبويا" أثناء الاحتلال الفرنسي ألقي خطاباً أمام واجهة المقهى، كما خطب أمام المقهى العديد من رؤساء "سورية" السابقين ومنهم "شكري القوتلي" و"هاشم الأتاسي".
يشرف على الساحة مجموعة من المباني القديمة التي أزيل بعضها من الوجود حيث يشرف من الجنوب على الساحة مبنى السراي الذي أنشىء قبل أكثر من قرن، وهو يختزن الكثير من الذكريات والأحداث التي مرت علي المدينة، ويضم هذا المبني القصر العدلي ومبني المحافظة سابقا، وإلى جهة الشرق كان يشرف علي الساحة مبني السراي القديم الذي شيد سنة 1886م وهو مؤلف من طابقين يعلوهما سقف قرميدي من خمسة مقاطع مدببة أما واجهته الشرقية والغربية فهي مؤلفة من ثلاثة مقاطع ومشيدة بالحجارة البازلتية المحلية المصقولة وقد قام بهندسته هذا البناء باش مهندس السلطنة العثمانية "محمد أنيس حسين آغا" أو "قامش"، كما كان أهل "حمص" يدعونه تحبباً».
ويتابع "شيخاني" بالقول: «أزيل البناء للأسف سنة 1950م ليشيد مكانه مجمع الميتم الإسلامي كما أزيل قبل عقود قصر "الباشا عبد الحميد الدروبي" الذي كان نموذجاً معمارياً فريداً في البناء والزخرفة واختيار الموقع الجميل، وقد أُزيل هذا الموقع الأثري الجميل في الثمانينات من القرن الماضي وأُقيم مكانه مجمع بناء "البلازا" الحديث بواجهته الزجاجية ونمطه المعماري الهجين وهو يطل على ساحة "جمال عبد الناصر" من جهة الجنوب.
كما كانت الساحة تضم مبني موقع مدينة "حمص" الذي شيد في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وهو يتميز بفنه المعماري الجميل وقد أطل من شرفة هذا المبني العديد من الرؤساء ورجال الدولة في القرن الماضي ومنهم الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" الذي حملت الساحة اسمه فيما بعد، كما تنتصب في وسط الساحة ساعة "كرجية حداد " وهي مغتربة حمصية زارت "حمص" عام 1951م ضمن وفد سوري برئاسة الوزير المفوض في البرازيل آنذاك الشاعر المعروف "عمر أبو ريشة"، وخلال تلك الزيارة تبرعت هذه المغتربة بمبلغ 30 ألف ليرة سورية لبلدية "حمص" لإقامة ساعة كبيرة في ساحة "جمال عبد الناصر" وسط المدينة ورفعت المبلغ فيما بعد إلي 60 ألفاً لاستكمال المشروع، وتم تشييد الساعة سنة 1958م علي نفقة هذه المغتربة الحمصية وحملت اسمها إلي الآن.
ويمتاز بناء الساعة بنموذجه الفريد الذي ليس له مثيل في العالم فهو أقرب إلي شكل المأذنة ذات الطراز المربع وتبدو الساعة من الأعلى علي شكل قبة مريعة عليها أربعة أقواس وكل قوس منها عبارة عن باب، وفي منتصف الأقواس توجد أقراص الساعة وعددها أربعة تعمل كلها بتوقيت واحد التوقيت المحلي فقط ، أما برج الساعة فهو مبني من الحجر الكلسي الأبيض والرخام الأسود علي نمط العمارة الأبلقية المعروفة في "حمص"».
وختم "شيخاني" حديثه بالقول: «رغم الذكريات التي تحملها هذه الساحة فإن الكثير ممن يمرون على هذه الساحة اليوم لا يعرفون أن اسمها ساحة "جمال عبد الناصر" بل إنهم لا يعرفونها إلا باسم الساعة الجديدة».