نتيجة تعدد الأحياء و الشوارع في المدن فقد سميت بأسماء تسهل معرفتها ولها دلالات ترتبط إما بأحداث جرت فيها، أو شخصيات كان لها تأثيرها سكنت في هذه الشوارع قديما، والتصقت هذه التسميات بهذه الأحياء وأصبحت لا تعرف إلا من خلالها. ومع مرور الزمن تكاد الأجيال الجديدة لا تعرف إلا الشيء القليل عن سبب تسمية الحي أو الشارع الذي تسكن أو تعمل به، ومدينة "حمص" كغيرها من المدن القديمة التي تمتلئ شوارعها بأسماء لها حكايات ودلالات. وللتعرف أكثر على سبب تسمية وحكايات الشوارع القديمة بـ"حمص" موقع eHoms التقى بتاريخ 16/8/2009 المؤرخ والباحث الحمصي "فيصل شيخاني" والذي حدثنا عن بعض أسماء شوارع "حمص".
يقول "شيخاني": «إنه من أشهر شوارع "حمص" وأكثرها شعبية للنزهة المسائية شارع "الدبلان" الذي أخذ اسمه من كنية صاحب مقهى اسمه "أمين الدبلان" الذي أقام مقهاه على الساقية التي كانت تجري مخترقة المنطقة حتى ما بعد منتصف القرن الماضي، واشتهرت قهوة "الدبلان" لتعطي فيما بعد اسمها للشارع المؤدي إليها وهو يمتد من الساعة الجديدة إلى حديقة الدبلان». وأضاف "شيخاني": «ومن الأحياء المشهورة أيضاً في "حمص"، "حيّ بستان الديوان" ويعود سبب التسمية وحسب تواتر المصادر إلى أنه كان في السابق بمكان الحيّ بستان كبير وفي مدخله مكتب الوالي، وترجع بعض المصادر إلى أن مكان إقامة الصحابي "خالد بن الوليد" رضي الله عنه كان هناك».
ومن الأحياء المشهورة أيضاً في "حمص"، "حيّ بستان الديوان" ويعود سبب التسمية وحسب تواتر المصادر إلى أنه كان في السابق بمكان الحيّ بستان كبير وفي مدخله مكتب الوالي، وترجع بعض المصادر إلى أن مكان إقامة الصحابي "خالد بن الوليد" رضي الله عنه كان هناك
ويتابع " شيخاني" «أما حيّ "أبو الهول" فهي تسمية تطلق على الشارع الممتد ما بين السوق "المسقوف" و"بستان الديوان" نسبة لمزار فيه ضريح "لأبي الهول"؛ وهو تابعي كان مولى لبني "طريف من كندة" وسمي بـ "أبي الهول" لشدة سواده وضخامة جسمه وبعد إسلامه ساهم مع قومه في فتوح الشام، وكان له دور مهم في فتح قلعة "حلب" ثمّ سكن في "حمص" وتوفي بها و يزار ضريحه حتى الآن. ومن شوارع "حمص" القديمة شارع "أبو العوف" ويصل مابين شارع "القوتلي" حالياً وسوق الخضرة وقد اتخذ اسمه من ضريح في "طرفه الشمالي" يقال إنه لـ"محمد بن عوف الطائي" وهو من أشهر رواة الحديث وحفظته بالشام في القرن الثالث الهجري، وعندما هدمت مديرية الأوقاف المقام لتجديده عام 1994 ظهرت عدة قبور مع شواهد حجرية كتب على أحداها "محمد أبو العوف الطائي الميلوي".
أما حيّ "وادي السايح" فهو منخفض يقع شمال "حمص" القديمة كان يسمى وادي "الخالدية" لامتداده نحو ضريح "خالد بن الوليد" وسمي بـ"السايح" نسبة إلى الشيخ "محمد السايح الاسكندراني" الذي جاء إلى "حمص" في القرن التاسع عشر، ويذكر أنه كان مسيحياً يعيش في "الاسكندرية"، وأمسكه اليهود لذبحه لكنه استطاع الفرار منهم بأعجوبة ثم أسلم وتزهد وساح في البلاد حتى وصل "حمص" فسكن في بيت على شكل صومعة قرب الوادي حتى وفاته».
وبيّن "شيخاني" أن من أحياء "حمص" القديمة أو حاراتها أيضاً كما كان يطلق عامة الناس على الحيّ حيّ "العصياتي" وهي تسمية لحمام وجامع يقعان على مقربة من السور الشرقي للمدينة ما بين "باب تدمر" و"باب الدريب" حيث يعود الاسم نسبة إلى عائلة حمصية اشتهرت باسم "ابن العصياتي" ومنهم "البدر محمد بن إبراهيم" وكان فقيهاً مفرط الذكاء من طبقة القضاء الأولى. كما اشتهر الحفيد "محمد بن محمد" الذي عرف بـ"الحافظ" وقد ولد بـ"حمص" عام 843هـ 1439.
أما "جورة الشياح" فتعتبر من أحياء المدينة الجديدة وكانت المنطقة عبارة عن منخفض على يسار المتجه شمالاً من باب السوق إلى جامع "خالد بن الوليد"، وكانت مكاناً للمكالس حيث يحرق فيها الحجر ويحول إلى كلس وكان الوقود هو نبات الشيح البري، وربما سكن فيها / شياح/ جامع نبات الشيح فدعيت باسمه. أما "جورة الشناوي" فهي منطقة سكنية الآن وكانت منخفضاً ما بين القلعة ومقام "الخضر"، حيث كانت تزرع سقياً لوجود نبع ماء صغير فيها، أمّا اسم "الشناوي" فنسبة إلى شخص من آل السيد "سليمان" تملّك قطعة منها وسكن فيها وهو "شناوي" من أتباع الطريقة الصوفية الشناوية المتفرعة عن الطريقة "الأحمدية"».
وأضاف "شيخاني" أن من أحياء "حمص" القديمة "العدوية" حيث تطلق هذه التسمية على جزء من زاوية صوفية تحولت الآن إلى مضافة يقال إنها لإحدى زوجات "نور الدين الشهيد"، وكانت امرأة صالحة تقية متصوفة، وقد أطلق عليها اسم المتصوفة المشهورة "رابعة العدوية" تشبيهاً بها لزهدها.
وذكر "شيخاني" أن "حيّ المريجة" هو أرض البيادر لـ"حمص" القديمة حيث تكدس عليها الحبوب بعد حصادها لتدرس وتذرى، وفي الربيع ينبت الحب المتساقط على الأرض فتتحول المنطقة إلى مرج أخضر، ومن هنا جاء اسمها "فالمريجة" تصغير للمرجة ولذلك كانت مقصد المتنزهين في الربيع وتجاور "باب الدريب" من الجنوب، واشتهر فيها الاستعراض الغنائي الشعبي الذي كان يقوم فيه الشباب أثناء النزهة وهو "قبة حمام الزيني". كما أطلق على "حيّ الصفصافة" القديم هذا الاسم نسبة لوجود شجرة صفصاف كبيرة كانت في ساحة صغيرة تقع جنوب "جامع الزعفرانة"، أمّا تسمية "قصر الشيخ" فأطلقت على شارع في "حمص" القديمة يمتد من شارع "أبو الهول" حتى الورشة وهي نسبة إلى بيت قصر الشيخ "عبد الله الحراكي" وهو أول مشايخ زاوية "الحراكي" القريبة من القصر وكان آخرهم الشيخ "ياسين" الذي تروى عنه كرامات كثيرة.
وتعدّ "التغرة" بـ"حمص" منطقة من "حيّ الفاخورة" في المدينة القديمة وهي نسبة إلى ثغرة أحدثت في السور الشمالي بعد إهماله وانتهاء دوره الدفاعي للعبور منه إلى خارج المدينة، وهي من أولى الثغرات في السور وكان فيها حمام عرف باسم حمام "الثغرة"، بينما كانت طاقة أبو "جرس" إحدى الثغرات في السور الشرقي مابين "باب الدريب" و"باب تدمر" وعن سبب التسمية يتناقل سكان المنطقة رواية شعبية تقول إن حيواناً يؤكد البعض أنه كلب في رقبته جرس كان يشاهد ليلاً بالقرب من الطاقة، وهناك تلميح إلى أنه من الجان ويقوم بحراسة هذه الثغرة.
وأضاف "شيخاني" «يطلق الحمامصة على حيّ "تحت المادنتين" بالعامية الحمصية أو المئذنتين على جزء من "شارع الأبرار"، وقد اكتسب هذا الاسم من مئذنتي جامع الأبرار وجامع الحنابلة ولارتفاع المآذن، فقد قيل للمنطقة التي بينهما تحت المئذنتين بينما تسمية "ضهر المغارة" فتطلق على أحد أحياء "حمص" القديمة الذي يمتد شمال القلعة، ويقال إنها نسبة إلى مغارة القلعة التي تتجه جنوباً، وإن هناك رأي آخر يقول إن التسمية جاءت من مغارة كبيرة تمتد تحت المنطقة، وظهر المغارة أي أعلاها ويمكن أن تكون هذه المغارة التي يؤكد البعض معرفتهم بها إحدى الدياميس أو المقابر البيزنطية وهي كثيرة الوجود بـ"حمص"».
و أشار" شيخاني"«بأنه خارج "باب تدمر" إلى شمال شرقي "حمص" القديمة يقع حيّ "الكثيب" وهو مرتفع من الأرض كان يسمى "الكثيب الأحمر"، وقلبت العامة الثاء تاء للتخفيف وقد اتخذ هذا الكثيب كمقبرة للمسلمين منذ الفتح العربي، ويذكر أن به عدداً كبيراً من قبور شهداء الفتح من الصحابة والتابعين كما أنه مازال مقبرة إسلامية حتى الآن.
أما اسم "حيّ الناعورة" فجاء اسمها من ناعورة كانت ترفع الماء من الساقية المجاهدية إلى "الجامع النوري الكبير" وكانت بالقرب من باب السوق جانب فرع مصرف "سورية المركزي" حالياً، وكانت الناعورة أقيمت في ربيع الأول 1124هـ 1712م، والناعورة اليوم هي اسم لمنطقة من أسواق "حمص" الجديدة».
وختم "شيخاني" الحديث عن أسماء بعض أبواب مدينة "حمص" بأن سبب تسمية "باب السباع" بهذا الاسم إلى أن التسمية جاءت من باب الحيّ الذي نقش عليه صورة سبعين متقابلين وهو شعار "الظاهر بيبرس"، وكانت قوافل الحج تخرج منه. وسبب تسمية "باب هود" هو رمز لمقام كان موجود في تلك المنطقة يقال إنه للنبي "هود"، وفي الفترة الأخيرة تمّ نقل المقام إلى مقبرة باب "هود" قرب جامع "الدروبي".
يذكر أن"حمص" حالياً توسعت كثيراً وظهرت تسميات جديدة للأحياء والشوارع ومنها منطقة "حمص" الجديدة غربي المدينة القديمة، وحيّ "كرم اللوز"، و"كرم الزيتون"، و"كرم شمشم"؛ وهي منطقة البساتين التي كانت تحيط بـ"حمص" قبل التوسع. ومن أهم الشوارع الجديدة شوارع الشعراء وهما شارعي "أحمد شوقي" و"نزار قباني"، ولعل أشهر شارع متداول بين الشباب هو شارع "العشاق" في حيّ "عكرمة".