عكف على دراسة الحرف دراسة مستفيضة فاستغرق في الشكل الذي قدّمه له الخطاطون من خلال النصوص، وحتى لا يكون النسخة الثانية كما هو ثابت بين الطالب وأستاذه. شرع يفكّر في الإضافة وتغيير المسار حتى وصل إلى ولادة ثانية للحرف من حيث الدقة، والتركيب.
إنّه الخطاط "محمد أمين أخرس" الذي التقاه موقع eIdleb ليحدّثنا عن تجربته ورحلته الطويلة مع الخط العربي، فكان هذا الحوار.
*كيف تعلمت الخط العربي؟
**في البداية كان من خلال اللوحات المتناثرة في أماكن هي محطّ أنظار الشارع العام، والنصوص التي تزّين دور العبادة والأماكن الأثرية، والتي شكّلت النواة الأولى لتعلم الحرف العربي الذي يمثل لي الآن حالة متفرّدة في دائرة الفنون، إذ أن هذا الحرف يتجسّد في كلّ المشاهد من تكويناته اللانهائية، والتي لا تقف عند حدّ، وبخاصة عند من يريد أن يرى الحرف بشكله الآخر على غير ما قُدم لنا في الإطارات الجاهزة التي كانت في وقت من الأوقات عبئا على الخطاط، إذ لم تسنح له امكانية التصرف، وأنا أعزو الأمر إلى الكاتب ذاته إذ يجب أن تكون هناك رؤية متجددة، لتفرز شكلا إبداعياً غير متوقع، وتثبت نمطاً لتكوين جديد يمنح الخطاط آفاقا لا تنتهي، ومدارك غير محددة، فما سار عليه الخطاّطون الأقدمون من التزام قاس إذا صح التعبير، بقدسية القاعدة التي لا أرى وجوبا الالتزام بها، حيث أنّ على الخطاط أن يلمّ بالقاعدة الماماً أكاديميا، ثم يحلّق في مدارات الحرف والتشكيل، بشرط أن تكون الإضافات أكثر جمالا، واتقانا، وسحراً، ومن هنا لابد من الإشارة إلى أن يكون للتركيب الحروفي مساحته الخاصة التي من خلالها يمكن التعبير وافراز حالة أو مشهد آخر أكثر روعة من الذي كان مخزّنا في الذاكرة.
*ما ذا يمثل لك الحرف وأنت الخطاط المحترف والشاعر في آن واحد؟
**يمثل لي الخط هاجسا فنياً شأنه في ذلك شأن الكلمة حين تعبّرعن المشاعر والأحاسيس، لننتج بها القصائد التي يكون لها تواجدا في الساحة الثقافية، وأنا تعاملت مع الخط من خلال دراسة ما هو الجديد والمفيد والفاعل والمتميز من أجل أن يكون لكلّ من يرغب في معاركة هذا الفن حضور خاص ومميز.
وأحب أنّ أضيف أن على الجهات المعنية بالشأن الثقافي أن يكون لها دور أكثر جدّية في التعامل مع كتابة الحرف من خلال عرضه، وطرحه خاصة في المراحل الأولى للراغبين في تعلّمه بشكل منهجي في المدارس، حتى يظلّ هذا الفن بصورته الأمثل وألا يكون على هامش الحياة بعد دخول الكومبيوتر إلى معظم بيوتنا، لذلك يجب أن يعتاد الطالب على محاكاة الحرف وكتابته ورسمه وتجسيده من خلال المران الدائم في مرحلة التعليم الأساسي، لأنّه بعد تلك المرحلة سيغدو صعبا عليه عندما يكبر ويفقد صورة الحرف الذي يجب أن يكون عليه. وهذا الأمر باعتقادي من أهم الأسس والسبل للطفل، إذ من المفروض ألا يعتاد على الاستسهال والتلقي السلبي فقط، ومن هنا سيفتح الجيل عينيه على المرأى الأخّاذ للحرف الذي كان يرسمه أباؤنا، وأجدادنا الأوائل، فالحاضر هو ابن الماضي.
*برأيك من هم الخطاطون الذين تركوا بصمة واضحة في مسار الخط العربي على الساحة الفنية؟
**الحقيقة أن هناك أساتذة كبارا محليا وعربيا في سورية مثلا هناك الأستاذ "بدوي الديراني"، و"ممدوح الشريف"إذ قدما النماذج الرائعة التي كانت منهلاً لمن جاء بعدهم من المعاصرين، ومن أضاف الاضافات التي عرضنا لها الأستاذ "أحمد الباري" إذ قدّم لنا نموذج بخط النسخ لم يسبقه إليه أحد من قبل، فله شهادة وبصمة بيضاء وأثر لا بد أن يحظى باهتمام الدارسين بالمستقبل القريب، ونسخته من المصحف الشريف هي شمعة بين النسخ، وطبعا لا بد من الإشادة إلى أن أفضل نسخة كتبت للقرآن الكريم هي نسخة "محمد أمين الرشدي" من العراق والتي تعدّ من أنفس ما رأته العين.
*ما المعارض والمسابقات التي شاركت فيها؟
**شاركت ضمن احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية من خلال المعرض الفني الذي أقيم على هامش هذه الاحتفالية مع خطاطي سورية وبعض البلدان العربية، وكان من المشاركين الأستاذ "أمين السم" و"عدنان الشيخ عثمان"، و"محمد غنّوم" بالإضافة إلى أسماء كبيرة، وقد وصل عددهم إلى حوالي ثلاثين خطاطا مشاركا، وقد قام السيد محافظ "حلب" بتكريم المشاركين ومنحهم شهادات تقدير.
كما شاركت في معرض أقيم في الباكستان في العام2008 وشاركت في معرض آخر في الإمارات العربية المتحدة في العام 2009كما شاركت في مدينة "إدلب" في معرض أقامته جمعية العاديات في العام 200، وحاليا أقوم بالتحضير لمعرض فردي يضم عددا من اللوحات التي أعمل على تنفيذها من أجل المشاركة فيها في معرض "دبي" في العام الحالي.
*كيف تقدم خبرتك لدارسي وطلاب هذا الفن؟
**أقدمه من خلال عملي وتدريسي لهذه المادة منذ خمسة عشر عاما في مركز الفنون التشكيلية في المركز الثقافي في "إدلب"الذي يقوم السيد وزير الثقافة الدكتور "رياض نعسان آغا" بإيلائه اهتماما بالغاً ورعاية خاصة لتخريج الطلاب، وتقديم هذا الفن من خلال أعمالهم للمشهد الثقافي، ومن أهم تلاميذي الذين تخرجوا عل يدي "خير الدين عبيد" و"إياد شاوي"، ونقوم حاليا من خلال مركز الفنون التشكيلية بالإعداد لمعرض في الخط لطلاب المركز.
أخيراً نذكر أنّ "محمد أمين أخرس" من مواليد "إدلب" عام 1957.
درس الأدب العربي في جامعة حلب حتى السنة الثالثة ، ولم يتخرّج، حيث سافر إلى السعودية، وعمل في مدينة "جدة" في مجال الخط، وله بعض الأعمال المقتناة في مدينة "دبي"، وهو شاعر وله مجموعة شعرية للأطفال بعنوان "غيمة عطر"، وفاز بجائزة "أنجال هزاع لشعر الطفل العربي" في العام 2005، و له عدّة مجموعات شعرية أخرى للكبار.