ثلاثة وخمسون عاماً قضاها في خدمة الآثار السورية، امتد نشاطه في مجال العمل الأثري إلى محافظات "حلب" و"حمص" و"حماة" و"إدلب"، زاد اهتمامه كثيراً بآثار المنطقة، فبذل جهوداً مضنية في حمايتها وصيانتها، وكانت له اليد الطولى في تأسيس دائرة آثار ومتحف "معرة النعمان".
منحه القائد الخالد "حافظ الأسد" وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الثانية بموجب المرسوم التشريعي رقم 86 تاريخ 10/2/1985 تكريماً لجهوده في خدمة الآثار، وفي عام 1999 وعن عمر ناهز الثمانين عاماً نعته المديرية العامة للآثار والمتاحف، بعد مرض عضال وهو قائم على رأس عمله، إنه الكاتب والباحث والخبير الآثاري المرحوم "كامل شحادة".
رغم انشغاله الكبير بعمله، فقد عمل والدنا رحمه الله على تربيتنا تربية صالحة وصادقة، كان أباً مثالياً بكل ما في الكلمة من معنى، كان يتعامل معنا كإخوة وأصدقاء ولم نشعر يوماً بأنه يستخدم سيف الأبوة في التعامل معنا، لا يتدخل في خياراتنا ويعطينا كل الحرية في الاختيار ولكن ضمن الحدود، وفر لنا حياة أسرية مستقرة وكريمة
موقع eSyria وبهدف تسليط الضوء على جوانب من شخصيته وجهوده في خدمة الآثار من خلال لقاء عدد من الشخصيات التي عرفته عن قرب وعملت معه، التقى المؤرخ "فايز قوصرة" الذي تحدّث عن جهود الباحث "كامل شحادة" في مجال البحث الأثري واهتمامه بآثار المحافظة بقوله: «كانت تربطني بالمرحوم "كامل" علاقة حب وتعاون وتواصل دائم، فقد كنا نتبادل الرأي حول الطريقة الأمثل للتعريف بمواقعنا الأثرية، وهو مدير ميداني فمكتبه كرئيس دائرة آثار "المعرة" كان بين الآثار وليس في الغرف المكيفة، كان متابعاً لإزالة المخالفات والتعديات عن الآثار، وله دور بارز في حماية قلعة "المعرة"، وهو أول من نشر في مجلة الحوليات الأثرية التي تصدرها المديرية العامة للآثار والمتاحف، مع الذكر بأن هذه المجلة محكّمة ولا تنشر إلا للباحثين المتمكنين، يسجل له بأنه باحث تعلم من مدرسة الحياة، واكتسب الخبرات الميدانية الحقيقية، فهو بالأساس كان مراقب آثار، ونتيجة متابعته وجده واجتهاده واتصاله بعلماء الآثار الأجانب الذين يزورون تلك المواقع، استطاع أن ينقل نفسه إلى مصاف الباحثين الآثاريين المتميزين، عطاءاته في العمل الأثري لم تقتصر على محافظة "إدلب" بل تعدتها إلى محافظة "حماة" والبادية، حيث عمل على ترميم قصر "ابن وردان" لمواسم متكررة وطبع نشرة عنه، وترميم أعمدة الشارع الطويل في "أفاميا"، ولا ننسى جهوده الكبيرة في ترميم ضريح الخليفة "عمر بن عبد العزيز" وإعادته بشكل لائق حتى أصبح الآن بحالة جيدة جداً، وعاد إليه رونقه، إلى جانب عمله الدؤوب في موقع "البارة" الأثري»
الأستاذ "عبد الرزاق حيّاني" رئيس دائرة آثار "إدلب" بين عامي 1973- 1989 وزميل الأستاذ "كامل شحادة" في دائرة آثار "المعرة" بين عامي 1989- 1999، أبدى حماساً كبيراً في الحديث عن المرحوم "شحادة" حيث قال: «الأستاذ "كامل" رحمه الله شخص فريد من نوعه، متعاطف إلى أبعد الحدود مع الآثار، شخص مخلص جداً وصاحب ضمير حي، كان لا يكل ولا يمل من العمل، وعندما كان رئيساً لدائرة آثار "المعرة" كان يعمل بحجم سبعة موظفين، فقد كان المدير والكاتب والمحاسب وأمين المتحف، وعندما جاء أمر تسميتي رئيساً لدائرة آثار "المعرة"، قلت للمدير العام آنذاك بأني لست بحجم "كامل شحادة" لكي أحل محله، وإن أخذت مكانه فأنا بحاجة لسبعة موظفين كي ننهض بالعمل الذي كان يقوم به وحده، وأقول صادقاً بأني كنت أعتبر نفسي تلميذاً يحاول أن يتعلم من "كامل شحادة"، ولم أر في حياتي لا في محافظة "إدلب" ولا في المحافظات الأخرى التي زرناها شخصاً متفانياً بعمله بهذا الشكل».
وعن دور الأستاذ "كامل شحادة" في تأسيس دائرة آثار ومتحف "معرة النعمان"، يقول رئيس دائرة آثار "المعرة" "غازي علولو": «للأستاذ "كامل شحادة" دور أساسي في تأسيس دائرة آثار "المعرة"، حيث بذل جهوداً كبيرة في إقناع المديرية العامة للآثار والمتاحف بتأسيس هذه الدائرة وإنشاء متحف يضم اللقى الأثرية التي يمكن العثور عليها في منطقة "المعرة"، وقد سهر وتعب لتحقيق هذه الأمنية، فعمل على ترميم خان "مراد باشا" وتحويله إلى متحف عرض فيه روائع لوحات الفسيفساء واللقى الأثرية المكتشفة في المنطقة، وقام بإجراء مسح كامل للمواقع الأثرية في المنطقة من تلال ومدن منسية، وتعتبر كتاباته مصدراً مهماً جداً لتوثيق معالم تلك المباني التي ضاعت معظم ملامحها»
إن عطاء المرحوم "كامل شحادة" الكبير في مجال العمل الأثري، قابله عطاء أكبر للأسرة، فكان الأب النصوح والصديق الصدوق، الأستاذ "علوان شحادة" النجل الأكبر للمرحوم "كامل"، تحدّث عن "كامل شحادة" الوالد بالقول: «رغم انشغاله الكبير بعمله، فقد عمل والدنا رحمه الله على تربيتنا تربية صالحة وصادقة، كان أباً مثالياً بكل ما في الكلمة من معنى، كان يتعامل معنا كإخوة وأصدقاء ولم نشعر يوماً بأنه يستخدم سيف الأبوة في التعامل معنا، لا يتدخل في خياراتنا ويعطينا كل الحرية في الاختيار ولكن ضمن الحدود، وفر لنا حياة أسرية مستقرة وكريمة».
نشير بأن المرحوم "كامل شحادة" من مواليد عام 1919 قرية "كفرومة" على بعد خمسة كيلو مترات غرب مدينة "معرة النعمان"، كان يجيد الفرنسية بدأ عمله في مجال الآثار أواخر عهد الاحتلال الفرنسي في دائرة آثار محافظة "حلب" ثم نقل إلى "دمشق" وبعدها إلى "حماة"، تدرج في الوظيفة حتى أصبح رئيس دائرة آثار "المعرة" وأمين متحفها في عام 1983 عندما صدر قرار إنشاء دائرة آثار "المعرة"، شارك في عدة بعثات تنقيب أثري عربية وأجنبية ورافق عدداً من العلماء والباحثين الأجانب مثل "جورج تشالينكو" لمدة ثماني سنوات في المدن المنسية و"جان بالتيه"، ورافق "بيير كانيفينا" مع البعثة البلجيكية في "حورتة" و"أفاميا" في محافظة "حماه" لمدة ست سنوات، ورافق أيضاً البعثة السويسرية برئاسة "روف ستوك" في حفريات تل "الحاجن" في حوض "الفرات"، وأشرف شخصياً على حفريات وترميم دير "القبة" المعروف بقصر "ابن وردان" كان عضواً في معهد التراث العلمي في جامعة "حلب"، وعضواً في جمعية "العاديات".
مثّل سورية في أكثر من مؤتمر، له العديد من المقالات والأبحاث منها: دراسة وترميم قلعة "شيزر"، دراسة وترميم دير "القبة" المعروف بقصر "ابن وردان"، تاريخ مخطوط "حماة"، قصر "الطيارة الحمراء" أو القاعة "الكيلانية"، متحف "المعرة" في خان "المراديات"، المباني الأثرية في محافظة "إدلب"، نشأة الحضارة العمرانية في "سورية" الشمالية، ترميم ضريح الخليفة العادل "عمر بن عبد العزيز"، بالإضافة إلى بحوث أثرية وتاريخية عديدة صدرت تباعاً في حينها في مجلة الحوليات الأثرية السورية. اهتم الأستاذ "كامل شحادة" بتوثيق وتصنيف التلال والمباني الأثرية القائمة في محافظتي "حماة" و"حمص"، بدأ بترميم متحف "حماة" في قصر "أسعد باشا العظم" بين عامي 1961-1964، وأوفد بالعديد من البعثات الأثرية خارج القطر لصالح المديرية العامة للآثار والمتاحف.