"عذبة" والعذوبة هنا عنوان رواية "صبحي الفحماوي" عضو اتحاد كتاب العرب في سورية، والأردن ومصر أيضاً. الرواية تمّ طبعها تحت اسم روايات الجيب في سلسلة كتاب الشهر برقم 32 لعام 2009. اختارت الرواية "فادية غيبور"، وقدم لها الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب.
الرواية تؤرخ لأحداث وفواجع وويلات الشعب الفلسطيني خاصة إبان مرحلة التهجير عن أرض فلسطين بتواطؤ غير خاف مع الإنكليز.
يقول الدكتور في مقدمته إنّ خط سير الرواية ينمو وسط حالات البؤس والتشرّد والقتل ويتابع بأن تجربة الكاتب مميزة واختلط فيها الوطني بالقومي، وينوه أن الرواية لم تأبه كثيراً بمناهج التجريب المعتمدة عند البعض بسبب من طبيعة الرواية التاريخية.
هذا الكلام صحيح فيما ارتبط بالمنهج وما ارتبط بتأريخ مآسي مرحلة مفصلية حرجة من تاريخ الشعب الفلسطيني، أما اختلاط القومي بالوطني في الرواية فهو بحاجة لإعادة نظر.
تقع أحداث الرواية المعنونة باسم "عذبة" وهو اسم امرأة يجمح الروائي صوبها وتنتابه التداعيات على الطريق وينتهي الطريق وتنتهي الرواية ولا ينتهي الحلم، فالرواية ترصد عبر الـ /275/ صفحة المطبوعة بخط ناعم حكايات وأخبار ووقائع مجنونة مغبونة ومظالم وفواجع من أول سطر في الرواية حتى السطر الأخير تحت ذريعة الحديث عن "عذبة" أي أرض فلسطين، وهذه الحالة مطروقة كثيراً في الأدب القومي وخاصة الفلسطيني منه سواء بالشعر أو القصة وحتى الرواية .
لم ينس الكاتب قصة عاشها أو سمعها من أحد أو حكاية أو فكرة أو مناسبة إلا وحكى عنها ، لم ينس أية شاردة أو واردة إلا وبوّبها ودفعها في سياق روائي بمبرر وبدونه حتى بدت الرواية وكأنها محضر لكلّ ما قرأناه وسمعناه من الأدب الفلسطيني مجتمعاً، بالعسف بالحسنى زجّه ضمن السياق على حساب فنية العمل أو حتى من غير فنية على الإطلاق فليس مهماً ! المهم أكثر أنه تجاوز بمراحل كل من جرّب أن يكتب عن محنة الشعب الفلسطيني من السابقين واللاحقين. الرواية معرض فواجع!، والمشكلة لكثرة ما قرأنا عن هذه النوازل ولكثرة ما كتبنا وسمعنا لم يعد الحداء يهز نخوتنا الأدبية إلا عبر سياقات فنية كالتي قدّمها "غسان كنفاني" و"جبرا" و"إميل حبيبي" و"محمود عيسى موسى" وغيرهم، حفظنا هذه الفواجع غيباً كما حفظنا أزقة مكة والمدينة أكثر من أهلهما. من أيام الصف الثاني الابتدائي 1952 ونحن نصيح في باحة المدرسة المتصلة بواد مفتوح على ريح الشمال بكسوتنا الرقيقة والدنيا تسف الثلج البارد على وجوهنا المقرورة " فلسطين نادت فلبوا النداء " وقرأنا عن هذه النوازل الباكية لاحقاً الكثير وانفعلنا، أكثر من نصف قرن ونحن نقرأ ونقرأ وننفعل وبعدها سألنا ما العمل ؟ أنا من جهتي ليس بيدي شيء يا صاحبي مع أن الإذاعة تصيح وأم محمود تصيح والشيخ يصيح، يتوهمون أن نخوتي غارت والكل يتهمني ويحاول تأليبها من جديد، لكن فعلاً ما العمل ؟ ثم لا يمنني أحد وأنا على مد خمسين سنة أوزّع هذه النخوة على طلابي وأنفعل معهم وليس في ضيعتنا مثلاً إلا القليل من البيوت التي لم تدفع بأسير أو شهيد أو مفقود أو جريح وأنا لم أسلم.
لكن سأقولها للكاتب الذي خلط ما هو وطني بما هو قومي على ذمة الدكتور، ما مبرر هذه اللهجة الحادة المتهمة للعرب أنهم ليسوا عرباً بما يكفي من وجهة نظره ؟ أنا سمعت الكثير من هذه الأصوات المتهمة الصادرة عن كتاب أعرفهم لم يخدموا الجيش ولا لقّموا بندقية في حياتهم وتعلمت معها أن الأصوات العالية غير مشكورة النية، تعلمتها أنا وغيري حتى لو وصلتني من فلسطيني!
ما أخشاه أنها قميص "عثمان" صارت.
اتهم غيرك مجاناً وعندها ستسجل على محضر المتنصرين للقضية بمستوى قصيدة، قصة، مسرحية، رواية أيضاً، وكأن هناك من هو غير متنصر!
هذا الموال بات مملاً .
أعود للرواية التي أحسبها خلت من مجد الرواية المتعارف عليه.
صوت عال يقرع القارئ، أشبه بمنشور سياسي أو تأريخ لمصالح مهيمنة من تلك التي تراها على الشاشات أو على صفحات المذكرات بوفرة. سباب ولعن تحت اسم التلغيز والمواربة،
لماذا يا رجل؟
هل صارت الرواية منشوراً إعلامياً؟
منشوراً لا يصبّ لا من قريب ولا من بعيد في صالح فنية العمل الضروري في حدوده الدنيا؟ قرأنا روايات من الحرب والسلم مروراً بالدون الهادئ وكل ما كتبه العالم وصولاً للفحماوي، ولكنني لم أر مثل هذا العرض والحداء.
هناك يا رجل كتب للتوثيق، هناك إذاعات، هناك مؤرخون ومشايخ فوق المنابر لا يكلون!
أما أن تقول لي رواية! ...تعرف ونعرف أنه ليس هكذا تورد الإبل!
هل سمعت بدين سماوي أو أرضي أو مفكر أو عاقل أوصى أماً بأن تحب ولدها؟
يوصون الولد بأن يحب أمه وليس العكس! صرنا على ما يبدو نتهم الأم!
أنت تضعنا في روايتك أمامك باستعداد وتوزع علينا مناشيرك القيمية على اعتبار أننا قادمون من المريخ، ولم نسمع بهذه القضية التي رفعت من رفعت وحطت من حطت بمن فيهم كتاب من شمال وجنوب البلد باتوا يعرفون هذا النغم، وكتبوا في رواياتهم عن فدائيين ينتسبون لأسماء قرى وجدوها على الخريطة بمن فيهم نساء من شمال البلد لم يلتقين بفلسطيني في حياتهن ولا أدين الخدمة العسكرية ولا يفرقن البارودة عن المساحة!، ويتوهمن أن كل ما لا يمر من هذه الطاقة ليس أدباً!
العلة يا صاحبي ، ويفترض أن تعرف ، ليست في العرب ولا العروبة ولا العربان الذين تشنعون بهم على الطالع والنازل! العلة وراء الأكمة وعمرها بعمر الأمة ونحن من جيل الزهو الناصري فلا تنس، ولكن هل هناك كما تتوهم من نحمّله المسؤولية حتى نرتاح! من ناحيتي أعرف ولا أجرؤ وأنت مثلي لا تجرؤ على ما يبدو فلم هذه المناحة التي تعقدها فوق رؤوسنا وأنت عضو اتحاد لثلاث دول! احتفالية عالية !! حاول أن ترى ما يدور وراء الأكمة قبل أن تبصق على الناس، وفيهم أهل ضيعتنا الذين احتملوا كما أهل غزة وما زالوا متحمسين ومستعدين أكثر من أهل غزة .
سأدعي أنني أتفهم دواعي الدكتور حسين، لأنّه على الأقل مثلي ليس ناقداً روائياً، ثم هو بحاجة لتقديم عربون للقدس كعاصمة للثقافة العربية، لوحة مثلاً، رواية، صورة للمسجد الأقصى، أيّ شيء يستطيعه في هذه المناسبة لولا أنني لم أحس "بالغبن" في حياتي كما أحسست بعد قراءتي هذه الرواية.