نعيش في "سورية" خلال هذه الأيام مرحلة حوار على كافة المستويات بغية الوصول إلى أفضل السبل وأسلمها لتحقيق مسيرة إصلاح شاملة أطلقتها القيادة السورية وأكدت أنها مستمرة ولن تتوقف، الأمر الذي يتطلب معرفة القواعد والمعايير الصحيحة لنجاح هذا الحوار بشكل يفضي إلى النتائج المرجوة من هذا الحوار.
يقول الدكتور "أحمد أبو راس" دكتوراه في علم الاجتماع: «للحوار شروط ومقدمات ومؤسسات، فالحوار لا يمكن أن يكون في الشارع ولا يمكن أن يكون بالقتل، والحوار لا يمكن أن يحقق الهدف المنشود وهو الإصلاح إذا كان هناك عصبية مطلقة أو تطرف في المعتقدات والأفكار، ينبغي أن يكون هناك مؤسسات للحوار ومكان راق للحوار، ينبغي أن يكون هنالك مناخات مهيأة وخطة أو برنامج عمل للحوار، نبين فيه على ماذا نتحاور وما القضايا الرئيسية التي سوف نتحاور من أجلها، يجب أن يكون هنالك برنامج ما قضايا معينة تعرض على طاولة الحوار، وما أود الإشارة إليه هو أن الحوار ينبغي أن يكون وفق مؤسسات وهذه المؤسسات ينبغي أن تكون ممثلة بشكل حقيقي لكل فئات الشعب، وأدبيات الحوار تقتضي أن تكون هناك مؤسسات منظمة ودليل عمل ويكون في الحوار نوعا من قبول الآخر، كيف نتحاور وأنت لا تقبلني وكيف نصل إلى نتيجة ونحن بالأساس لدينا أفكار مسبقة بعدم الاتفاق على رؤية معينة؟ أي ينبغي أن يكون هنالك مرونة وإقناع موضوعي، ويتطلب الحوار وجود عقل نير ونية طيبة وبالتالي أن نتحاور من أجل التطوير والإصلاح، وبكل تأكيد ليس كل شخص هو أهل للحوار بل هناك ممثلون لفئات الشعب هي المخولة بالقيام بهذا الحوار».
يقول تعالى: "ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فالجدير بنا أن ندعو بعضنا بعضا لما يرضي الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولأن الله تعالى امتنّ على النبي الكريم بقوله: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"، فالحوار مع الآخرين يجب أن يكون بعيدا عن الفظاظة والغلظة لكي يكون جامعاً لا مفرقاً، ولا ننسى أن الله سبحانه بعث "موسى وهارون" إلى "فرعون" أعتى أهل الأرض فقال لهم: "اذهبوا إلى فرعون فإنه طغى فقولا له قولاً ليناً" فإذا كان الله سبحانه وتعالى أمر "موسى وهارون" أن يدعواه بالقول اللين الحسن ويتلطفا في محاورته، فالأولى والأجدر أن يحاور بعضنا بعضا بهذا الأسلوب اللين اللطيف، فلسنا بأفضل من "موسى وهارون" وليس من نحاورهم بأسوأ من "فرعون"
يقول الأستاذ "محمد نذير دويدري" عضو سابق في مجلس الشعب: «يجب أن يتميز الحوار بالصدق والابتعاد عن المجاملة ما أمكن ومن يريد أن يجلس على طاولة الحوار يجب أن تتوافر فيه شروط الوطنية أي إنه غير موجه ولا يحمل أفكارا مصنعة في الخارج ويجب أن يكون المحاور بعيدا عن الغايات الشخصية وذا ثقافة واطلاع واسع بالموضوع موضع الحوار وأن يتقبل كل من الطرفين الحوار وأن يبتعد الطرف الممثل للسلطة أثناء الحوار عن كلام الحكومة في الرد فقط وأن يتقبل المتحاور الآخر وأن يكون الحوار بعيدا عن مبدأ خالف تعرف وأن يكون صادقا من قبل الطرفين في طرح الأمور بمنتهى الصراحة ومعالجتها بحلول ممكنة فأحيانا يتم طرح مشكلة ما ولكن لا نمتلك إمكانية المعالجة، ويجب عدم المجاملة ويجب من الشخص الذي يتصدى للحوار أن يكون لديه على الأقل حد أدنى من المعرفة بمختلف الظروف المحيطة بموضوع الحوار، ولكي نضمن نجاح الحوار بين مختلف الثقافات والأجيال يجب أن يقوم على مبدأ مخاطبة الناس على قدر عقولهم أي ألا تتحاور مع الشخص من برجك العالي بل يجب أن تنزل لمستواه وبهدوء لكي تحقق نتيجة معه وأن يكون هناك استيعاب للمتحاور الأقل عمراً أو الأقل ثقافة».
ويقول الأديب الدكتور "مصطفى عبد الفتاح": «أهم شيء بموضوع الحوار أن يعترف المتحاورون بعضهم ببعض، فأنا إذا أردت أن أحاور الآخر فيجب أن يقبلني الآخر كما أنا وأن أقبله كما هو، هذه هي ثقافة الحوار التي تنجح بها المجتمعات والأمم لكي ترتقي للأعلى، فعندما أكون في مجتمع يرفض مثلا سلوكية معينة فلماذا لا يكون هناك حوار مع الأشخاص الذين يمارسون تلك السلوكيات بطريقة عقلانية بعيدة عن الرفض بل يجب أن يدور بيننا حوار عقلاني بغية التعرف على القناعات التي تجعله يمارس تلك السلوكيات ومحاولة إقناعه، فالشرط الأول للحوار الناجح هو أن أعترف بالآخر والآخر يعترف بي، والشرط الثاني عدم إجبار الآخر على الاقتناع بآرائي فكل منا حر بآرائه شرط أن تقف هذه الآراء عند حدود معينة فحريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، والحوار بين المتحاورين يجب أن يقوم على النقد البنّاء البعيد عن التجريح وإهانة الرموز، ففي هذه الحالة يصبح هجوماً واعتداء وليس حواراً، ولقد سادت الحضارة الإسلامية لحوالي ألف عام لأنها قامت على ثقافة الحوار مع الآخر فكانت متنوعة جمعت كل الأطياف الدينية، فمدرسة "باب الحكمة" في "بغداد" مثلاً كان أغلب رؤسائها من المسيحيين وبعضهم من غير العرب لأن التميز في ذلك الزمن كان للعمل وليس للدين أو العرق، وهذا من معايير النجاح أيضاً، ويجب أن يستوعب الأكبر الأصغر وأن يستوعب العالم الجاهل، فيقول الإمام "علي": "ما حاورت عالما إلا غلبته وما حاورني جاهل إلا غلبني"، فهو بذلك يؤسس لحوار يقوم على محاورة الشخص الجاهل ضمن مستواه الفكري المحدود وبأفكاره فقط، أما محاورة الشخص صاحب الثقافة فتكون بالفكر والحجج والأدلة، وفي ذلك فقط تنجح ثقافة الحوار، ويمكن تطبيق حوار السلطة مع الشعب عندما يعتبر من هو في السلطة نفسه واحدا من أفراد الشعب، فهو يتحدث كواحد من أبناء الوجع، أما عندما يتعالى ابن السلطة على الشعب ويخاطبهم بفوقية فهذا سوف يسيء للحوار ويجعله بلا معنى، فنحن نتمنى أن يكون هناك حوار شفاف يضم كل الأطراف وكل الأطياف، حوار يجمع الآخرين ووسيلة لتبادل وجهات النظر، والشيء الجميل في الحوار أن يؤخذ بكلمة الحق أيا كان مصدرها، فالخليفة "عمر بن الخطاب" أخذ بنصيحة امرأة عادية لأنها قالت كلمة حق، ففي القضايا الإنسانية لا يوجد طبقات أو مستويات وإنما كلمة حق أو كلمة باطل فالآخر يجب أن ينصاع لكمة الحق التي أملكها وأنا يجب أن أنصاع لكلمة الحق التي يملكها الآخر».
الشيخ "محمد دلال" يتحدث عن جانب آخر من جوانب إنجاح الحوار بالقول: «يقول تعالى: "ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فالجدير بنا أن ندعو بعضنا بعضا لما يرضي الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولأن الله تعالى امتنّ على النبي الكريم بقوله: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"، فالحوار مع الآخرين يجب أن يكون بعيدا عن الفظاظة والغلظة لكي يكون جامعاً لا مفرقاً، ولا ننسى أن الله سبحانه بعث "موسى وهارون" إلى "فرعون" أعتى أهل الأرض فقال لهم: "اذهبوا إلى فرعون فإنه طغى فقولا له قولاً ليناً" فإذا كان الله سبحانه وتعالى أمر "موسى وهارون" أن يدعواه بالقول اللين الحسن ويتلطفا في محاورته، فالأولى والأجدر أن يحاور بعضنا بعضا بهذا الأسلوب اللين اللطيف، فلسنا بأفضل من "موسى وهارون" وليس من نحاورهم بأسوأ من "فرعون"».
الأب "إبراهيم فرح" قال: «يرتكز الحوار على مفهوم الحرية، والحرية بمعناها المصداقية أن تكون أنت صادقا مع نفسك ومع الآخرين، فلكي يكون الحوار ناجحاً يجب أن يكون طرفا الحوار حرّين، والحرية مرتبطة بالمصداقية التي تشكل قاعدة حقيقية للحوار، ولكن لا يكون هناك حرية دون مصداقية والتي تقوم على عنصرين أساسيين هما المعرفة والوعي، المعرفة بمعناها الموسوعي الشمولية أي أن تعرف من تتحدث إليه عمره وثقافته وفكره، وكذلك معرفة الحياة بقوانينها الاقتصادية والطبيعية الاجتماعية وأن تدرك وتعي أن استخدام هذه المعارف يجب أن يكون لمصلحة الآخر وليس للتنافر والاقتتال معه هذا شرط أساسي لإنجاح الحوار، وعندئذ يصبح الحوار بين واعين ومعرفيين وأحرار غير مرتبطين بنفس الوقت، فالحرية وليس التبعية هي المصدر الحقيقي للحوار الناجح، وليس كل شخص هو أهل للحوار لأن مفاهيم الوعي والمعرفة والاعتراف بأهمية الآخر ليست متوافرة في كل الأشخاص، فشروط نجاح الحوار باختصار هي الحرية والمعرفة الشمولية والوعي بأهمية قوانين الحياة للتلاقي مع الآخر وليس التنافر معه».