شاعر الجمال، شاعر في زمن ندر فيه الشعراء، الشاعر الشّفاف، ألقاب كثيرة أطلقت على الشاعر "عبد الرحمن الإبراهيم"، وكلها محاولات لوصف ذلك التدفق من الأحاسيس والمشاعر الصادقة والجميلة والشفافة، التي تترجمها ريشة هذا الشاعر على ورق دواوينه الشعرية، ما يميز الشاعر "عبد الرحمن الابراهيم" أنه يستحضر الشعر من بقايا حضارات الأمم السالفة، فكان كثيراً ما يلجأ إلى بقايا أوابد أثرية قريبة من قريته "الغدفة"، يستقي منها مخزوناً شعرياً غنياً، الشاعر "أبو علاء" خصّ موقع eSyria بهذا الحوار:
أقول بكل صدق أني لم أتخذ في أي قصيدة كتبتها قراراً مسبقاً عن شكلها ومضمونها، فشكل القصيدة ونوع الفكرة كانت وليدة لحظتها دون أي إعداد مسبق، هذا الموضوع يحدث بمنتهى العفوية بمجرد ما تخطر على بالي جملة تشكل شرارة القصيدة وبحسب انطلاقتها تكون القصيدة إما تفعيلة أو عمودية
** «بصراحة أول من ناداني بهذا اللقب هو الشاعر اللبناني الكبير "غسان مطر"، رئيس اتحاد كتاب "لبنان"، فقد كان يقول لي ليست فقط كلماتك فيها شفافية رائعة، بل أيضاً طريقتك في الحياة وتعاطيك مع الآخرين، وهذا اللقب محبب كثيراً إلى قلبي، لكونه صدر من شخص أحبه وأحترمه جداً، فهو حريص على أن يتصل بي باستمرار ويستمع إلى آخر ما كتبت».
** «منذ بداياتي الشعرية وحتى سن الخامسة والثلاثين كنت أكتب خواطري بشكل نثري دون التوقف عندها على أنها شعر، حتى اكتشفني شقيقي الأصغر "فاتح"، وكان يدرس في الجامعة، فكان كلما قرأ لي مادة يصر على أنها شعر، فحفزني على التعمق في ذلك، فبدأت أتثقف بقواعد اللغة العربية، فأنا أحمل ثانوية صناعية وكنت أجهل تماماً قواعد اللغة العربية، وفي أواخر الثمانينيات استطعت أن أكتب قصيدة حقيقية خالية من الأخطاء، ثم أصدرت ديواني الأول "يا دار جدي" في عام 2000، بعد تشجيع من الباحث الصديق "محمد خضرة"، وقال لي سأساعدك في ذلك، وكان صدور هذا الديوان، وبعد صدور المجموعة الأولى بدأ التحفيز على طباعة مجموعة ثانية فتم ذلك، بعد التقدم في المسيرة الشعرية اقتنعت بأن الشعر هو جهد وليس موهبة وحسب، ولكن الموهبة تكمن في قدرة الفرد على التخيل أكثر من الآخرين».
** «إن طفولتي المبكرة كانت بين هذه الأوابد الأثرية، حيث يوجد قرب القرية بناء أثري نسميه "القصر العريض"، كنا نخبئ فيه أسرار طفولتنا وشغبنا الخجول، وعندما كبرت بات هذا القصر يعني لي عبق الماضي بكل سعادته وشفافيته وبراءته، كذلك كنت أستحضر أولئك الذين عاشوا هنا، ودائماً كنت أحب أن أنظر إليه وأجلس بجانبه لأكتب الشعر، فكان ذلك المكان مجمعاً للذكريات والتخيلات والميول واللحظات السعيدة، وإن أي موقف عاطفي يحدث معي وأنا بين الآثار كان ينتج عنه قصيدة، بين الآثار أشعر بكل شيء يتكلم، الحجارة والتراب والأشجار ويتولد في داخلي حنين وتوهج عاطفي غريب».
** «أنا أزعم بأن هناك نقلة نوعية جداً بين الديوانين، ولكن مثل هذا القرار يبقى للنقاد وليس للشاعر، نفس الإحساس ونفس الروح في كلا الديوانين لم يتغيرا، إنما الخبرة كان لها دور في شكل النص ونوعية الأفكار، لكون الإنسان بين فترة وأخرى ينضج ثقافياً وفكرياً، وكل ذلك ينعكس على القصيدة الشعرية».
** «بكل صراحة أقول بأنّ حظي سيئ جداً في مسابقة "عكاظ"، فقد شاركت فيها ثلاث مرات ولم يحالفني الحظ بالفوز بالجائزة، يبدو أنني عندما أقدم نص تفعيلة يكون تركيز اللجنة المحكمة على النص العمودي أو العكس، وطبعاً أعرف ذلك من خلال قصائد الفائزين، فلم يكن التوفيق يحالفني وكانت الأمور تعاكسني، المسابقة كانت بادرة ثقافية مهمة جداً وتحسب لثقافي "سراقب"، ولكن لي عدة ملاحظات على اللجان المحكّمة، لأن اللجنة عندما تكون ثلاثة أشخاص يجب أن تضم شاعرين وناقداً، فالأستاذ الجامعي قد لا يكون له علاقة بالتذوق الشعري، لذلك أقول بأن اختيار اللجان والقصائد الفائزة في الدورات السابقة موفق أكثر من الدورات الأخيرة».
** «كل شاعر في بداية تجربته يكون متوجساً، يكتب القصيدة وعقله عند الناقد وعند المتلقي، ولكنه عندما يصل لمرحلة يمتلك فيها الثقة بالنفس، لا يعود يهمه رأي الناقد، فيستخدم بحرية أكبر الكلمة العامية، وأحياناً في عبارات لا تجوز إلا الكلمة العامية، فتكون وحدها قادرة على ملء الفراغ في الجملة، وهذا يأتي بعد النضج وامتلاك الخبرة والثقة، حيث لا يبقى هناك وصي على الشاعر لا متلقي ولا ناقد فيكتب بحرية ويفرش وجدانه على الورق».
** «أقول بكل صدق أني لم أتخذ في أي قصيدة كتبتها قراراً مسبقاً عن شكلها ومضمونها، فشكل القصيدة ونوع الفكرة كانت وليدة لحظتها دون أي إعداد مسبق، هذا الموضوع يحدث بمنتهى العفوية بمجرد ما تخطر على بالي جملة تشكل شرارة القصيدة وبحسب انطلاقتها تكون القصيدة إما تفعيلة أو عمودية».
** «بالتأكيد أنا من أنصار الدواوين المشتركة، لأنه لا شيء ينجح في هذه الحياة دون تعاون، فهي عبارة عن نوع من التعاون والإبداع وعندما أشترك معك في ديوان فالقارئ سوف يستمتع بقصائدنا بطرق مختلفة، حتى ولو لم يستمتع بقصيدتي فهذا لا يضرني على الإطلاق، إن هذه الخطوة من شأنها أن تنشر التحابب بين الشعراء، بعد أن انتشر بينهم للأسف التحاسد والتباغض وهي حالة تحزنني كثيراً».
** «في إحدى قصائد مجموعتي الشعرية "عشتار" التي أقوم بطباعتها حالياً كتبت:
«عشتار تمسح حزن بيزنطة بدمعة الفرحة/ من بعد ما افتتحت بقلبي معبدا
وأنا الذي كنت من قبل "أنوا" كنت سادن كحلها/ وأنا الذي استحليت من آيات عينيها لكل مدينة اسما
فكل مدائن الدنيا ستصبح ذات معجزة لعينيها مزار/ عشتار تلمس حائطاً بضلوع سرجيلا
تفجر صمته/ فعرفت من أضلاع صدرها ما يقول له الجدار».
نذكر بأن الشاعر "عبد الرحمن ابراهيم" من مواليد بلدة "الغدفة" شرق "معرة النعمان" عام 1955، طبع أول ديوان له بعنوان "يا دار جدي" في عام 2000، والديوان الثاني "مدي الهديل إلى الحمام" في عام 2001، ثم في عام 2004 ديوان "بغداد هار"، ثم طبع مجموعة شعرية مشتركة مع عدد من الشعراء بعنوان: "قصائد حب دمشقية"، وفي عام 2007 طبع ديوانه "مناسك الكحل"، وله قيد الطبع حالياً مجموعتان شعريتان: "عشتار" و"حارات عينيها العتيقة"، شارك في العديد من المهرجانات المحلية منها: مهرجان الشيخ "صالح العلي" في "طرطوس"، مهرجان "الماغوط" في مدينة "سلمية"، مهرجان "المعري" في "المعرة"، مهرجان "أفاميا" الأول في "حماه"، وشارك أيضاً في مختلف المهرجانات التي أقيمت في الجامعات السورية واللبنانية، نال العديد من الجوائز منها: جائزة اتحاد الكتاب العرب، جائزة مديرية الثقافة في "إدلب"، جائزة "ربيعة الرقّي"، جائزة "أبي العلاء المعري"، جائزة "الجولان" للإبداع الأدبي.