رؤى جمالية شعرية حديثة، وحالات اجتماعية تختلف بين وصف الذات والحياة اليومية بطرق لم يكن الشعر ليخوض غمارها عبر السخرية، من أدب "المعري" كان الإلهام، ومن تصوير "حسيب كيالي" مشاهد الحياة الشخصية استقى الصور، لكن الصياغة الشعرية المتفردة أخرجت إلى الوجود شاعراً يعتبر أحد رواد الأدب الساخر السوري، ومن قلائلهم الذين نطقوا السخرية بعد أن كتبوها.
موقع eIdleb يسلط الضوء على أهم المحطات الساخرة في مسيرة شعر "محمد الشيخ علي" وهي ديوانه "مقلوب البكاء" حين التقاه فقال: «لم أكن لأعتبر ما أكتب شعراً ساخراً بل مجرد مقاطع بعضها من حياة يومية يمر بها كل فرد، وطرائف من نسج الخيال في بعضها الآخر، لكنني تعلمت من "جحا" معنى الحكمة، ومن "ابن الرومي" كيف تزيده تجربته طراوةً، "مقلوب البكاء" لا يعني التضاد، وإنما النظر إليه من خلال الزجاج، وتأمل تلك الحالة الفريدة التي يعيشها كل فرد، أما "المنحوس" فهي إحدى الهزليات الاجتماعية التي أحاكي بها "أبا العلاء المعري"، وفي هذه القصيدة يتحدث "المنحوس" عن مسيرته الاجتماعية الخالية من أية ذكرى سعيدة فيقول: "إني امرؤ شؤم وأنحس كل فال.. أمي بعيد ولادتي مرضت بأورام الطحال.. وأبي تعرض لاعتقال.. وأخي رآه مقيداً فبكى وبال.. عمري بعمر الاحتلال.. وختنت في يوم فكان الانفصال.. وبعرسي الميمون قد عبر اليهود من القنال.. وحججت للبيت العتيق فعاث فيه أبو رغال.. أحببت فاتنةً فماتت بغتةً، ولأن شخصاً كاد يشبهني تدلى عنقه تحت الحبال.. يا نحس هل لك من زوال؟"».
نحاول استقصاء جديد أخباره الشعرية رغم أن الكثير من الطلبة يرددون قصائده لكنهم لم يتعرفوا إلى شخصية الأديب الذي جمع بين الفكاهة والشعر، ورجع إلى البحور الشعرية التي هجرها الشعراء حتى غدا أحد الرموز الشعرية
وعن الجوانب الفنية لقصائده يقول: «لم أعتمد أية تقنيات جديدة، لدرجة أنني أوغلت في القدم إلى بحور لم يعد الشعراء يطرقون قوافيها كالبحر "المقتضب"، وهذا لا ينفي أنني كتبت شعر التفعيلة، واعتمدت كل الأساليب والتقنيات الشعرية في التصوير والشعر العمودي بحسب الموضوع، طبيعته الشعر وجمالياته تكمن في كونه نبضاً حياً للواقع، وهو بذاته قدر على كل شاعر، يطرق شيطانه الأبواب متى شاء، لذلك فهو أشد من الألم، ولأننا نحن الشعراء فضائحيون بطبيعتنا، لا نستطيع إخفاء أهوائنا أو ربط ألسنتنا، فكيف لمفضوح من الداخل أن يتكتم، وهو الذي تعوّد على البوح، إنني أشعر كأنني إناء من زجاج لا يستطيع أن يخبئ ما بداخله».
ويجد قارئ شعر "محمد الشيخ علي" للوهلة الأولى أن اختيار الموضوعات ودراستها داخل كل ديوان تمت بمحض الصدفة، لكن نظرة أبناء الوسط الثقافي تختلف، فالأستاذ "محمد حجازي" مدير المركز الثقافي في "جسر الشغور" يتحدث عن جماليات التراكيب والأغراض الشعرية فيقول: «إن ما يميز قصيدة محمد الشيخ علي هي البساطة في الطرح والأسلوب المباشر كالشخصية القروية البسيطة التي عرف بها بين الأدباء، لكن وراء بساطة قصيدته تكمن دلالات أكبر من الكلمات ففي كل قصيدة يجد القارئ رمزاً دينياً وإشارةً سياسية وتاريخية، وعادةً اجتماعية، وتعزى تلك الدلالات إلى هذه الشخصية المعذبة التي عاشت جو القرية وتعلقت بالخالق، ومرت بصراعات كبيرة».
ويتحدث الشاعر "مصطفى إدلبي" عن ميزات قصيدة "محمد الشيخ علي": «ما يقدمه الشاعر يختلف كلياً عن نتاج غيره من الشعر، ويمكن أن نستخلص العبر من أسماء دواوينه وقصائده "فضاء لنجمة مستحيلة"، "مقلوب البكاء"، "جغرافيا الأنهار"، يحاول أن يقدم رسالة جديدة من خلال الشعر، كيف لا وهو ابن قرية "كنصفرة" ذات الجمال الأخاذ والإطلالة البديعة والأزهار الصفراء، "المعري" سبقه قروناً من الزمن، إلا أنه اختار نهج "المعري" مرتدياً عباءة التصوف الشعري، وينطق ببلاغة "المتنبي"، رغم أن قصائده توحي للقارئ ببساطتها».
"محمد الشيخ علي" الذي اختار الانزواء في منزله ومكتبه في ثقافي "كنصفرة"، مبتعداً عن الهالة الإعلامية والأضواء، يعتبر واحداً من الأسماء الأدبية النادرة التي تكتب بفيض الحنجرة أدباً لا يعرف الحدود كما يذكر "قتيبة الخليل" طالب قسم اللغة العربية: «نحاول استقصاء جديد أخباره الشعرية رغم أن الكثير من الطلبة يرددون قصائده لكنهم لم يتعرفوا إلى شخصية الأديب الذي جمع بين الفكاهة والشعر، ورجع إلى البحور الشعرية التي هجرها الشعراء حتى غدا أحد الرموز الشعرية».
يشار إلى أن الشاعر "محمد الشيخ علي" من مواليد قرية "كنصفرة" عام /1949/، يعمل حالياً مديراً للمركز الثقافي في بلدته، له العديد من الدواوين المطبوعة ويستطيع القارئ إيجادها على موقع منتديات "كفرنبل"، له العديد من المشاركات والجوائز كان آخرها المشاركة كعضو لجنة تحكيم في مسابقة "هنانو" الشعرية، وكرّم خلال المهرجان.