في تسعينيات القرن الماضي اكتشفت لوحة فسيفسائية رائعة في موقع "كفرطاب" على بعد 4 كم شمال غرب مدينة "خان شيخون".
الباحث الأثري الأستاذ "أحمد غريب" تحدث لموقع eIdleb عن هذه اللوحة بالقول: «يعود تاريخ هذه اللوحة إلى القرن الخامس الميلادي، كانت ترصف الرواق الجنوبي للكنيسة وجزءاً من الحنية التي كانت ترتفع بحدود 30 سم عن مستوى صحن الكنيسة، وهي ذات مواضيع حيوانية ونباتية بانسجام بديع، المشهد الأول في هذه الأرضية هو مشهد رواق الكنيسة يمثّل مشهد صيد رائعاً جداً ومثيراً، حيث سبع يطارد وعلاً بحركة انسيابية رائعة وبهيئة كبيرة، وتبدو هيئة السبع كأنها طبيعية إذ يبلغ طوله بحدود 330 سم، ويلاحظ الدقّة في الرصف والتدرجات اللونية واللمحات الدرامية للنظرات، ويكاد المشهد ينطق نتيجة قوة الفنان في تصوير انفعالات هذا السبع ونشوب أظفاره بالإضافة للتدرجات اللونية لجسم السبع، أما الوعل فيبرز الخوف في عينيه وهو يهرب من السبع، وقام الفنان بإشغال أرضية المشهد بزهرة "اللوتس" المحوّرة بشكل متكرر ومتناوب لإشغال الفراغ وإبعاده عن الجمود وخلق الحركة والحيوية فيه، وما تجدر ملاحظته هو التفصيلات اللونية لظلال أجسام الحيوانات التي رصفها الفنان بدقة رائعة، وأطر الفنان مشهد الصيد بورق "الأكانتس" المرصوفة على شكل جامات دائرية تحصر أشكالاً لطيور برية كانت تنتشر في هذه المنطقة كالبط والإوز وكذلك ثمار وفاكهة كالعنب والصنوبر، واللافت وجود حيوانات بحرّية مثل "القريدس" طبعاً منطقة "كفرطاب" قريبة إلى المملكة الأفامية وبالتالي قريبة من مجرى العاصي، ومشهد المطاردة هذا كان من المشاهد المحببة للفنان الفسيفسائي المسيحي خاصة بعد أن تم إبعاده عن التمثيل الوثني في العهد البيزنطي، حيث ابتعد عن تمثيل الأساطير والميثولوجيا فعمد لتمثيل مشاهد محببة كان منها مواضيع المطاردة والصيد والرعي والزواج والحياة اليومية».
ما يميز مشهد المطاردة في هذه اللوحة الحجم الطبيعي للحيوانات وهذا يعني باعتقادي أن اللوحة كانت لدارة وليس لكنيسة لأن المشاهد في لوحات الكنائس تكون مشاهدها بحجم صغير ويكون الفنان متقيد بالمساحة المتاحة، كذلك تمتاز اللوحة بإطارها الكبير المزخرف بأشكال نباتية وحيوانية وفاكهة، ولوحة "كفرطاب" تشير إلى أن المنطقة القريبة من "سهل الغاب" كانت مرتعاً لكثير من الحيوانات الأليفة وغير الأليفة والواقع النباتي الموجود في المنطقة، ووجود حيوانات كثيرة في اللوحة يعني وجود مياه وغابات في المنطقة، وذكر في الوثائق بأن "كفرطاب" كانت مركز أسقفية تابعة لأفاميا، وأيضاً ظلت إلى مطلع العهد العثماني مركز قضاء بينما هي اليوم داثرة، ولها ذكر في وثائق الحروب الصليبية عند العرب والفرنجة كبلدة عامرة ذات أهمية سياسية واقتصادية وفكرية، ومن أشهر علمائها الأسقف "توما الكفرطابي" الذي عاش في القرن الثاني عشر
وحول المشهد الثاني يضيف الأستاذ "أحمد غريب": «المشهد الثاني هو جزء من حنية الكنيسة وموضوعه نباتي وحيواني قوامه شجرة الكرمة التي تخرج من جرة وتتوزع أغصانها لتغطي كامل مساحة المشهد بانسيابية وانسجام رائع، للأسف لم يبق إلا جزء من الحنية وهي كبيرة حيث يبلغ قطر هذه الحنية بحدود سبعة أو ثمانية أمتار وهذا يدل على كبر الكنيسة في الموقع، وفي هذا المشهد نلاحظ كأس الخلاص للسيد المسيح، وهو عبارة عن أنفورة أو جرة مزينة تتوسط الحنية يخرج منها غصن من شجرة العنب المباركة بشكل جامات زخرفية دائرية وذلك لتغطية كامل مشهد الحنية، وخرج منها عناقيد العنب ونلاحظ الأوراق، وإلى يمين الجرة هناك الحمل وللحمل رمزية هامة جداً في العقيدة المسيحية وفي العقيدة الإسلامية وهو رمز للأضحية التي فدى بها النبي "إبراهيم" ولده "إسماعيل" عليهما السلام، والكرمة هي عنصر زخرفي مقدس منذ عمق التاريخ، كانت ترمز إلى إله الخمر "ديونيزس" أو "باخوس"، ولهذه النبتة في العهد المسيحي دلالة طقسية عقائدية لكونها تتقاطع مع كلام السيد "المسيح" أنا النبيذ، ونتيجة لهذه العبارة التي رواها السيد المسيح ظل لهذه النبتة قدسية وكرامة في العناصر الزخرفية، تبلغ مساحة هذه الأرضية 40 متراً مربعاً تم نقلها إلى متحف "المعرة" في مطلع عام 2002 وعرضت في الجناح الثالث وهي من اللوحات الرائعة التي يضمها المتحف».
وعن هذه اللوحة يقول المؤرخ "فايز قوصرة": «ما يميز مشهد المطاردة في هذه اللوحة الحجم الطبيعي للحيوانات وهذا يعني باعتقادي أن اللوحة كانت لدارة وليس لكنيسة لأن المشاهد في لوحات الكنائس تكون مشاهدها بحجم صغير ويكون الفنان متقيد بالمساحة المتاحة، كذلك تمتاز اللوحة بإطارها الكبير المزخرف بأشكال نباتية وحيوانية وفاكهة، ولوحة "كفرطاب" تشير إلى أن المنطقة القريبة من "سهل الغاب" كانت مرتعاً لكثير من الحيوانات الأليفة وغير الأليفة والواقع النباتي الموجود في المنطقة، ووجود حيوانات كثيرة في اللوحة يعني وجود مياه وغابات في المنطقة، وذكر في الوثائق بأن "كفرطاب" كانت مركز أسقفية تابعة لأفاميا، وأيضاً ظلت إلى مطلع العهد العثماني مركز قضاء بينما هي اليوم داثرة، ولها ذكر في وثائق الحروب الصليبية عند العرب والفرنجة كبلدة عامرة ذات أهمية سياسية واقتصادية وفكرية، ومن أشهر علمائها الأسقف "توما الكفرطابي" الذي عاش في القرن الثاني عشر».