يستمر متحف الفن الحديث, في إكمال مشروعه الجديد, من خلال استضافة معارض فنية عالية المستوى, حيث دعا جمهور الفن في اللاذقية, بتاريخ (23/05/2008)م, لحضور معرض لاسمين كبيرين في سماء الفن التشكيلي, هما (مصطفى علي) و(نزار صابور).
الأعمال كانت على درجة عالية من التميز, سبقتها سمعة الفنانين العطرة إلى قاعة العرض.
النحات (مصطفى علي) من مواليد اللاذقية (1956)م, فنان أكاديمي حمل شهاداته من دمشق, و(كرارا- ايطاليا), يشغل موقعاً متقدماً في تصنيف أقوى مئة شخصية عربية نتيجة لتأثير أعماله في مجال الفن, كانت أعماله محط الأنظار, لجاذبيتها ولما تكتنزه من عمق وجداني, فيه إسقاطات عميقة من الحضارة السورية القديمة.
eLatakia التقته هناك, مسلطة الضوء على توجه الفنانين السوريين نحو الحضارة السورية القديمة فقال: "أنا لا أقصد التوجه إلى الحضارات السورية القديمة بشكل متعمد, بل جاء ذلك عندما زرت تدمر منذ حوالي عشرين سنة, فكان إعجابي الشديد بمدينة الحياة هناك, وزاد إعجابي برؤية المدافن لما بعد الحياة, فقد صاغ التدمريون فن الحياة, وصاغوا أيضاً فن الموت, ليصوروا الإنسان مستمراً وخالداً, عملية الانتقال تجسدت لديهم ما بين مدينتهم التي عاشوا فيها, أي (مدينة الحياة), وما بين مدافن موتاهم (أي مدينة ما بعد الحياة), وبشكل آخر هي العلاقة ما بين الأرض والسماء, هذا هو الموضوع الذي أحب أن أجسده, فالإنسان عندما يموت يعرف مسبقاً أنه سينتقل إلى عالم آخر, ولن يكون موته هو النهاية, في حين أنه يجهل هذه النهاية, ولكنه يخمن شكلها.
الانتقال من الوجود الفيزيائي, إلى الوجود المعنوي, هو ما أثارني في أهالي تدمر, وهو ما عملت عليه".
وفي سؤال عن بلورة تلك المرحلة ما بين الحياة الأولى, والثانية في أعماله قال: "في أعمالي تجد أشخاصاً محصورين في صندوق مربع, أي أن فكرهم ممسوح, وهم شيء محنط , ولا معنى له, أما البعض فيحاولون الخلاص منه".
الفنانة (نصير) ركزت على عنصرين أساسيين, في توصيفها لأعمال الفنان (مصطفى علي), سواء أكان من ناحية الأدوات, أو من ناحية الدلالات, قائلة: "لديه إسقاطات هامة, وخصوصاً استخدام البرونز القاسي مع الخشب, الذي هو رمز الحياة, وبالتالي هناك بحث جديد عند مصطفى في هذا المجال, وهو عودنا دائما أن يبقى مع روح العصر, في أعماله يستفيد من حركة الشجر, ومن نسغ الشجر, وقد طرح هذه الفكرة بمفهوم جمالي جديد, كأنه يقول للمتفرجين, ابحثوا في هذه الطبيعة الموجودة حولكم, واستفيدوا من كل عنصر, فالجمال موجود في كل مكان, ويستطيع الفنان أن يوظف هذا الجمال في أعماله الفنية, فهو يقدم الشجرة العتيقة التي ترمز إلى القدم, وكأنها جزء من أجدادنا ومن أرضنا الصلبة. وتتابع: "يستخدم مصطفى علي, النوافذ كأنها الزمن أو التاريخ الذي ينظر إلى الناس, فيطرح الشخوص وكأنها عناصر من التاريخ, وفي أعماله إسقاطات من الحضارات السورية القديمة, وهي ليست تقليداً, ويمكن أن يستقدم هذه الإسقاطات من الحضارات القديمة, أو حتى من الفن الحديث, كاستخدام التقنية, وهي أهم صفات الفن الحديث, هذا نجده سواء في أعمال (صابور), أو )مصطفى علي), وهي تقدم جمالية خاصة."
الفنان (نزار صابور), من مواليد اللاذقية, أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق, قدم أعمالاً من القطع الكبير, استخدم فيها تقنيات متعددة بدأً من تقنية الأختام الاسطوانية, حتى الغرافيك, وتقنيات أخرى, فجاءت أعماله متجددة, لاقت ثناء الكثير من الفنانين المختصين, حيث قالت عنه الفنانة (ليلى نصير): "(نزار) أبو التقنية, ويحب أن يعيش العصر أكثر من أي فنان آخر, وهو يستفيد من المواضيع الشعبية الموجودة في البلد, ويستقرء بعض الأساطير, وبالتالي لديه مجموعة من الإسقاطات التي يستخدمها في أعماله, وهو ملون, وباحث, يحاول دوماً التطور نحو الأمام, وبالتالي ربما يسبق عصره, وهكذا هو يختلف عن التيار الموجود في سورية, كونه يتميز بمجموعة هذه الصفات والبحث والاستفادة من التقنية العالية وهبته هذه الخصوصية,
وتتابع (نصير): "يستفيد من روحية الغرافيك, فيستخدم الحفر بطريقة معاصرة وجديدة, هو أيضاً استخدم مفهوم الطباعة في التصوير".
في حين قال عنه الفنان (سموقان): "(نزار صابور), كون لنفسه هالة حققت حضوره, من خلال العمل المتواصل, حتى من قبل أن يدخل كلية الفنون, فهو فنان جاد للغاية, ويعطي لنفسه كامل الحرية في تنفيذ العمل الفني, وقد فاجأنا في هذا المعرض, بأنه ينفذ أعماله بمادة الأساس, بأن يسكبها على سطح اللوحة وفق رؤية معينة, هو يمتلك الكثير من العناصر, والكثير من الأمور, التي لها علاقة بالتراث, وبالروحانية, وهو يجيد استخدامها بدرجة عالية جداً, يمكن المشاهد من رؤية هذا العنصر يتحرك بحرية. (نزار) تجربة عربية مهمة بلا شك, وقراءة نزار تحتاج من المشاهد, أن يفهم دلالات الرموز المستخدمة, والعلاقة الروحية بالأيقونة, أو بالحالة الصوفية".