بين طاقة الحرف ودلالة اللون يقف الفنان "أكسم طلاع" مستجمعاً ثقافته وتراثه، ليعيد سبر العلاقة المستمرة بين مسلمات الخط وبين تجسيدها بصرياً في لوحات لا تتوقف عن الأحاديث الجانبية فيما بينها، على جدران ناي آرت كافيه حيث يقيم الفنان "طلاع" معرضه المستمر حتى منتصف شهر حزيران.
وقد التقاه موقع eLatakia ليحدثنا عن تجربته في المدرسة الحروفية فقال: «الحرف العربي هو أهم ما يميز الهوية البصرية العربية والإسلامية ويعتبر من أعمدة الفنون العربية، وطاقته طاقة كبيرة بمحمولين: الأدبي في المنظور والبصري في المرئي كصورة ودلالات، في الأساس أنا خطاط كلاسيكي وعملت لفترة طويلة في اتجاهي الابتكاري أو القلق الذي أعيشه».
هذا المعرض مختلف بالرؤى وبطرحه موضوعاً بدأ يتكشف من جديد في عالمنا العربي، وأنا سعيد لأنني بدأت أحقق متعة بصرية من خلال اكتشافي للعالم المختلط ضمن الحروف والألوان
من خلال علاقته القديمة بالحروف فإن "طلاع" يستشعر طاقة كبيرة في الحرف، يقول: «إن الخط له طاقة وهي طاقة الصورة، بمعنى أن اللوحة الخطية ذات مدلول أدبي ستبقى ببعديها تحمل دلالة أدبية تعبوية أو عقائدية أو مواعظ وتبقى الكلمة أو مضمونها سواء كتبت بأي خط، ثلث، نسخ أو أي اشتقاق كان، ولكن بالحرف نفسه وبطاقته وهذه المسميات والهندسات تكونه هندسة الروح».
وحول ما يقدمه ضمن عمله الفني من حروفيات قال: «اعتمدت على متعة الكشف، كشف طاقة الحرف كصورة، فإذا كان الهدف والغاية هو الجانب الأدبي سيبقى تحت سقف الأدب فقد نزعت عن نفسي سمة الإبداع والابتكار والجانب الإبداعي في هذا الاتجاه الخطي، وعلى الحرف أن يعطيك الشكل لتغوص فيه، وفي طاقته، وتكشف مكنوناته الروحية والنفسية والهندسية الروحية والتشكيلية، والحرف نفسه يحتمل أكثر من وجه وأكثر من هندسة، فهذا الفضاء البصري هو مناخ اللوحة، فيكون ذلك المناخ هو مناخ الصنعة، والخطاط مهما كان فناناً تبقى هذه صنعته لأنه تحت سقف الأدب، أما الفنان التشكيلي فهو تحت سقف الفكرة، سواء ما أكتبه كان نصاً أدبياً أم دينياً، وأنا كفرد لا أؤمن بالوعظ فالوعظ لا ينجز إنساناً جديداً ليفوز بالإنسان التجربة».
وعن الألوان ودلالاتها: «لا بد أن يكون عند الفنان جانب استعراضي في العمل، ومن المفروض أن تكون الفكرة محمولة على عدة دلالات وأقدمها على أداة بسيطة أي أن محمولها بسيط أي بعيد عن الزركشة والتزيين والتكلف فتكون اللوحة بسيطة الإطار مربعة الحواس والأبعاد منطقية الحضور، ليس المهم أن أكون استعراضياً في تقديم طاقتي في اللون، فكل لون له دلالة والمهم أن يوجد في هذا الحيز جانب مشرق فلا بد من أن تكون مشرقاً بالأبيض والأسود».
أما عن عمله الصحفي وما قدمه للفن: «ساهم عملي في إنجاز منطق وعقل وإدارة، فعمل الصحفي يحتاج إلى تواصل وإمكانيات وثقافة، فعملي اليومي جعل مني شخصاً مطلعاً وقلقاً، فالصحافة هي ميول وليس عملاً فقط، فلا يوجد صحفي ناجح ما لم يكن عنده ميول وقلق، هذا القلق الفني آخاه العمل في الجريدة وذلك لأنني مدمن على القراءة والأصدقاء».
أما سبب اختياره لـ "ناي أرت كافيه" ليقيم معرضه الرابع فيه قال: «هذا الاسم المحبب "ناي" والجميل استهواني لأنني أعزف إلى حد ما عليه، وناي آرت كافيه بإدارة الفنان والمصور الضوئي الأستاذ "أنس إسماعيل" هو مكان أحترمه لأنه يختار بعناية ودقة ولديه وعي فيما يعرض، ويعرف ما يريد وسوية من يخاطب، فهذا الإنسان يخاطب الإنسان المعافى ويخاطب قلق الإنسان الجميل، لذلك كان اختيار الخط هو رسالة جميلة، والهوية ليست خندقاً بل رسالة.. أتمنى أن أرى العالم أكثر جمالاً».
الأستاذ "أنس إسماعيل" صاحب ومدير "ناي آرت كافيه" فرأى: «هذا المعرض هو المعرض الـ 31 على التوالي خلال سنتين هما عمر المشروع، ويأتي معرض الفنان "أكسم طلاع" ليشكل حالة نوعية جديدة وذلك على مستوى موضوعه والتقنية التي تم العمل عليها، فمعارض تشكيلات الحرف العربي قليلة عموماً وبخاصة في "اللاذقية"».
أما الأستاذ الدكتور "عبد الحكيم الحسيني" فقد قال: «إن الفنان "أكسم طلاع" يضعنا أمام تساؤلات ليست سهلة تتعلق بالتقنية والتشكيل الفني والاتجاه والحروفية والمضامين والمرامي التي يريدها الفنانون واللون والإخراج الغريب للوحة.. الخ، فالتقنية حتى وإن كانت ما تزال في مجال اللوحة ذات الأبعاد المألوفة فهي جميعها مربعات يضع الفنان منذ اللوحة اللحظة الأولى مسألة التلقائية نصب عينيه والابتعاد عن التكلف والتصنع فيضع على سطح اللوحة الألوان الطرية السائلة المتموجة الآتية من فرشها على السطح المصقول بطبقة مصقولة، هذه تقنية آتية من مفهوم "المونيتيب" وهي في مجال الغرافيك الفني، ويتلاعب الفنان بهذه التقنية باللون وهذه الخلفية تسمح باستخدام قصبة الخط العربي، وتكوين الكلمات والأحرف المتداخلة بدرجات متعددة تتحرك على المساحات المتموجة في تشكيلات موسيقية سريعة وبطيئة أحياناً وأحياناً أخرى صارمة شديدة وفق نوع الخط الذي يختاره الفنان، إن الفنان ينتقل بالخط من مجاله التقليدي التراثي إلى مجالات التجريد والتشكيل المعاصر، ويسعى إلى إخراج الحروفية من ركوده ليقول إن الآفاق أكثر اتساعاً إلى الذهاب بها إلى عوالم لونية جميلة وإلى التقنية العالية التي توصم الحداثة بدمج الأصناف بل وإلى تعريتها من مواصفاتها، فأصبحت عند الفنان لعبة الغرافيك والتصوير والحروفية بعيداً عن تفسير الجمل المكتوبة ودلالاتها الغائبة فيحتار المشاهد أمام متعة البحث في تجريد اللوحة وآفاقها الواسعة».
الآنسة "نورا جمال" فقالت حول المعرض وهي طالبة في كلية الفنون الجميلة بحلب: «المعرض يشكل ذاكرة خاصة في مجال الحروفيات فهذا الفن الذي يرتبط بشكل أو بآخر بالعرب بدأ يشكل حلقة متكاملة عبر تنويعات العمل عليه، والفنان "أكسم" استطاع أن يحقق المعادلة في كون المعرض لوحة فنية متكاملة وليس معرض خط فقط».
ومن الحضور التقينا "آلان العيسى" فيقول: «هذا المعرض مختلف بالرؤى وبطرحه موضوعاً بدأ يتكشف من جديد في عالمنا العربي، وأنا سعيد لأنني بدأت أحقق متعة بصرية من خلال اكتشافي للعالم المختلط ضمن الحروف والألوان».
جدير بالذكر أن الفنان التشكيلي "أكسم طلاع" من مواليد الجولان 1963، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين، عضو اتحاد الصحفيين في سورية، أقام عدة معارض فردية كان آخرها في إمارة "الشارقة" ضمن ورشة عمل، وأخرى جماعية كالمعرض السنوي لوزارة الثقافة، ومعرض الكرمة الدوري السنوي، وشارك في ملتقى دار الثقافة عام 2004 ومهرجان دمشق للتراث عام 2005، كما شارك في معرض جماعي أقيم في تدمر عام 2009.