أديب عتيق وكاتب متمرس برع في النص التلفزيوني وحصدت مقالاته الصحفية اهتمام القراء، يحب اللهجة العامية ويتمنى البقاء على مقربة من الناس الذين يعيش حياتهم البسيطة ويلجأ إلى منزله الريفي القديم كلما كان يبحث عن الدفء.
الأديب والصحفي "حسن م يوسف" جمع طفولته المبعثرة بين الريف والمدينة وخبرته في النصوص التلفزيونية والزوايا الصحفية في قصص قصيرة حملها معه من "دمشق" إلى "جبلة" درة الساحل السوري ليلقيها على مسامع من تهافتوا إلى المركز الثقافي العربي في "جبلة" لحضور أمسية ابن مدينتهم الذي يفخرون به ويشتاقون إلى كلماته.
إن الاستماع لقصص "حسن م يوسف" يجعلك في قمة الاستمتاع، بطبعي لا أحب المديح ودائماً أبحث عن الثغرات لكي أضيء عليها لكني لم أجد ثغرة واحدة في قصصه وأعجبت بها واندمجت معها لدرجة أني نسيت أنني قادمة إلى هنا لتغطية أمسية قصصية
موقع eSyria كعادته كان السباق لحضور هذه الأمسية القصصية الريفية الجميلة، والتقى الأديب "حسن م يوسسف" وسأله عن السبب الذي جعله يستخدم اللهجة العامية مراراً وتكراراً في قصصه التي قرأها فأجاب قائلاً: «إذا قرأت القصة على الورق سوف تجد أن الحوار الذي بدا عامياً مكتوبٌ باللغة العربية الفصحى لكن بسياق عامي يجعل اللغة سهلةَ القراءة والفهم ومتنوعة اللفظ بين العامي والفصيح، كما أنني أكون سعيداً باستخدامي للهجة العامية في بعض المواقع لأنه لا يمكنني مخاطبة رجل ريفي فقير بلغة عربية فصيحة هو غير معتاد عليها فلا أتمكن من إقناعه بها، فالإقناع يأتي أولاً ثم يليه الإمتاع ومن ثم أي شيء يريده القارئ لا يهم؛ المهم تحقيق الإقناع والإمتاع، قصصي لا يمكن أن نقول إنها فقط تقترب من الشارع لأنها تخاطب الجميع الفيلسوف يرى فيها فلسفة والفلاح يرى فيها روحاً تلامس واقعه.
كل قصة أكتبها تكون متنفساً حقيقياً لي لأنني أخرج فيها شيئاً ما من داخلي لكي لا تميتني فهناك أشياء إذا لم تخرج من النفس تقتل صاحبها، فأنا أكتب بالقصة معاناتي و(أشواقي واحتراقي وأفراحي وكل زاوية في الريف العتيق)».
ويضيف كاتب مسلسل "سقف العالم": «الأدب هو صوت الحقيقة، بقصصي احتقرت نفسي لأنني كنت شخصاً مثقفاً يرى الدنيا من الأعلى دون أن يقترب من الناس، المثقفون يحكمون على الناس دون معرفة ظروفهم.
القصة التي قرأتها جرت معي بحرفيتها ولو شئت أن أكتب قصة رمزية لما استطعت أن أجد سياقاً رمزياً أكثر إقناعاً من هذا السياق، وما فعلته هو أني كتبت القصة وموقفي من البحر جرى بداخلي وأفكاري تتحول كما تتحول أي فكرة إلى مادة».
وفي حديث "يوسف" عن ضرورة إيصال الأدب إلى الريف، يقول مؤكداً ضرورة أن يكون هناك صلاحيات لكل من يريد الكتابة: «يجب إيصال الأدب إلى كل منطقة في الريف لأن غيابه عنه أهالي القرى الجبلية يعد إشكالية كبرى يجب محاربتها، كما يجب الاستمرار في محاربة الأمية وأنا فخور بأن لدينا محافظات خالية من الأمية وأتوجه بالشكر لكل من ساهموا في تحقيق هذا الإنجاز لأن الأمية إهانة لإنسانية الإنسان وتغلق باب المعرفة أمامه، والتلفزيون ليس المصدر الأنسب للمعرفة لأن من يملكون المال أغرقوا الناس بمحطات الترفيه والتسلية، يجب أن يكتب الجميع والزمن هو الرقيب هو من يبقي الجيد ويحرق السيئ، الزمن هو من أبقى "شكسبير" وأحرق من كانوا في عصره، وهو من أبقى "المتنبي" شاعراً فذاً، الإنسان عندما يقدم له شيء لا يعنيه يدير له ظهره وعندما يكتب كل الناس يتحولون كلهم إلى قراء وهذه فائدة عظيمة».
ويشجع كاتب "إخوة التراب" على استخدام المعلوماتية ومجاراة تطورات العصر رغم أنه يميل أكثر إلى الحياة البسيطة، يقول: «طبيعتي أقرب لمفردات الحياة البسيطة ولكنني ولدت على أعتاب زمن ثورة الاتصالات وعصر الانترنت، وهو زمن له أدواته ولغته، فوجدت نفسي أمام خيارين إما ألا أستخدم هذه الأدوات وأكون عاجزاً، أو أن أستخدمها وأجعلها نقطة قوة في مصلحتي، لذلك تجدني أحمل في كمبيوتري كتباً وموسوعات تحتاج لحوالي ثلاثمئة عام لكي اقرأها وهذه الثورة الرقمية أعطتني القدرة على الحيوية والمرونة في العمل، سابقاً كنت كلما احتجت معلومة عليّ الاتصال بأصحاب الشأن، أما الآن فأصبحت بثوان أحصل على المعلومة التي أريدها ومنذ أن تعاملت مع الكمبيوتر أصبحت نسبة الخطأ في معلوماتي 1% بأقصى حد، كما أنني أول من وضع الايميل في الصحافة السورية».
مدير المركز الثقافي العربي في جبلة "محمد حميد علي" صاحب فكرة استضافة الأديب "حسن م يوسف" قال عن هذه الأمسية القصصية: «كاتب متميز على مستوى الوطن العربي وهو صاحب توجهات ثقافية وفنية وأدبية فهو يتعامل مع الفن والأدب والإعلام، قصصه متميزة وهو كاتب مميز عندما تشاهد مسلسلاته تعرف أنها من تأليفه قبل أن تقرأ اسمه نظراً لعفويته وصدقه وملامسته للحقيقة من خلال كلماته التي يخطها قلمه، وقصصه تتحدث عن التواضع والعلاقات الريفية البسيطة والأسر الفقيرة وحياتها اليومية الصادقة، نحن سعداء بأننا استطعنا الاستفادة من خبرته في مدينة "جبلة" ومركزها الثقافي».
الوجه الذي لا يغيب عن أي حدث ثقافي الأستاذ "سعد الله صافيا" تحدث عن نجاح الأمسية بالقول: «الأمسية ناجحة تألق الأديب فيها وأسعد الجمهور بكلامه الصادق المعبر عن الماضي الأرحب والأجمل بحلاوته ومره وذكرياته التي لا تنسى، وتميز بعشقه لجبلة وانتمائه القروي وذكرياته التي لا تنسى مع مدينة "جبلة"، فهو بحق أديب مبدع وكاتب متألق وقصصي رائع بطريقة سرده للقصة وتعابيره المستخدمة التي قلما تجد مثلها تستطيع أن تلامس عقل المستمع وشعوره وتأخذه إلى عالم آخر».
كما التقينا السيد "زين ابراهيم" وهو من كبار المدينة حيث قال: «لقد أعادني بقصته الأولى إلى طفولتي المبكرة عندما نزلت من الريف إلى المدينة والتقيت بأهلها وتعاملت معهم واقتربت منهم ولاحظت الفرق بين الريف والمدينة، لقد ذكرني بمعارك الطفولة البريئة من اجل الدراجة الهوائية وكرة القدم والسباحة وما شابه ذلك، لقد جعلني أتمنى لو أنني أعود طفلاً صغيراً لأعيش تلك الأيام بأفضل طريقة».
من جانبها الزميلة الصحفية "سماح العلي" قالت: «إن الاستماع لقصص "حسن م يوسف" يجعلك في قمة الاستمتاع، بطبعي لا أحب المديح ودائماً أبحث عن الثغرات لكي أضيء عليها لكني لم أجد ثغرة واحدة في قصصه وأعجبت بها واندمجت معها لدرجة أني نسيت أنني قادمة إلى هنا لتغطية أمسية قصصية».
تجدر الإشارة إلى أن الأمسية كانت ضمن فعاليات مهرجان "أمواج البحر" الثقافي الذي ينظمه المركز الثقافي العربي في "جبلة"، وقد ألقى خلالها الأديب "حسن م يوسف" قصتين الأولى بعنوان "البحر ثلاثاً" والثانية بعنوان "دفشة يا شباب".
وقبل الختام إليكم مقطعاً من قصة قرأها الأديب "حسن م يوسف" بعنوان "البحر ثلاثاً":
«أطلقت أمي تنهيدة ارتياح. قبّلتني وهي تكفكف دمعها. أشارت إلى قسم بارز من الصخرة يصلح للجلوس. قالت: "اقعد عين أمك"
جلست بجواري. فتحت صرة أخرى كانت تحملها. أخرجت زوادة البيض والبندورة والخيار والخبز والملح. قشرت البيضات المسلوقات. وضعت كل اثنتين منها في رغيف ثم قسمت الزوادة إلى ثلاث حصص متساوية.
ناولتني واحدة منها مشيرةً إلى البحر، قائلةً:
"قل له: تفضل يا كبير.. ما فيه شي من قيمتك!"
قلت ذلك للبحر ورميت له حصته من الزوادة وبعد لحظات كنت أكسر السفرة مع أمي والبحر.
ومن يومها صار بيني وبينه خبز وملح».