في معرضه الأخير في صالة "نقابة الفنانين" بـ"اللاذقية" والتي استضافت أروقتها معرضاً فنياً جديداً للفنان "بولس سركو" وهو نتاج عمل مراحل مختلفة ونستطيع أن نقول أنه معرض استعادي لمراحل مختلفة كان لها إيقاعاً خاصا في بلورة تجاربه الفنية. درس في "مركز الفنون التشكيلية" ومن ثم سافر إلى "بلجيكا" ودرس هناك واستفاد من التجارب التي طورت رؤيته للفن وعاد إلى "سورية" وشارك في العديد من المعارض الجماعية وله العديد من المعارض الفردية في "سورية" و"الوطن العربي" و"أوربا".
موقع "eLatakia" التقى الفنان "بولس سركو" وكان اللقاء التالي:
** كنت شغوفاً بمراقبة خالي وهو يرسم ولا شك أن لتلك المشاهدات الأولى أثرها الكبير على توجهي فسرعان ما بدأت محاولاتي الأولى كشكل من أشكال إشباع الرغبة في اللعب فكما هو معروف أن الأهل وقتها لم يكن في حساباتهم إحضار الألعاب لأطفالهم مما اضطرني لرسم ما أرغب في الحصول عليه على ورق مقوى، أقصه وأتعامل معه كمجسم.
وعند انطلاقة الثورة الفلسطينية كنت مولعاً بمتابعة أنباء العمليات الفدائية ومشاهد الثوار الملثمين بالكوفية الفلسطينية والملابس المرقطة فرسمت المئات من الفدائيين على الورق المقوى وكنت أقصهم بعناية وألصق من الخلف قطعة سانده لتجعلهم يقفون على الأرض ثم تحريكهم لتمثيل القيام بعملية ما تشارك فيها أعواد الكبريت والمفرقعات المتوفرة.
وفي عام (1994)م أقمت أول معرض فني لي في صالة كلية العمارة في "جامعة تشرين" وفي عام(1995)م انتسبت لنقابة "الفنون الجميلة" في "سورية" وأقمت في نفس العام المعرض الفني الثاني بعنوان (رفرفة بجوار النافذة) بالإضافة إلى المعرض الجماعي الأول (خمسة فنانين من "اللاذقية") في المركز "الثقافي الروسي" بـ"دمشق".
** حين دخلت مركز "الفنون التشكيلية" في "اللاذقية" عام(1976)م كنت قد قطعت شوطاً لا بأس به في مجال القدرة على الرسم. في المركز تعرفت على القواعد الأولى وخاصة قواعد التجسيم (الظل والنور) وسرعان ما أنجزت عملاً حاز على إعجاب مدرسي الفنان"جورج كفا" فقرر إشراكه في المعرض السنوي لمراكز "الفنون السورية"، وكان عام (1977)م في"الرقة" ولم أكن بعد قد أتممت الدورة الأولى التي مدتها ستة أشهر فحاز عملي على الجائزة الأولى على جميع المراكز السورية وجرى ترفيعي على أثر ذالك إلى الدورة الثانية مع الألوان الزيتية.
** استحواذ الشعر مع الرسم استوعبتها أكثر فأكثر خلال الدراسة في بلجيكا وكان الأستاذ "يوبي" بارعاً في تبسيطها واختارني للعمل في مرسمه خارج المعهد مما سرع من تمكني وقد عملت في"بلجيكا" من الناحية التجارية وكنت أبيع اللوحات المنسوخة، واحتفظ بتلك التي تكون من ابتكاري لكنني فقدتها خلال انتقالي إلى"الدانمرك" وهناك كنت أرسم وأبيع حتى لوحاتي الخاصة إذ لم يكن لدي مصدر رزق آخر وبعد عودتي من السفر إلى بلدي قررت العيش في القرية لأنني قررت أن أفرغ نفسي للكتابة والرسم بشكل نهائي وكانت ذاكرتي تزخر بالذكريات والمواقف والمشاهد والقصص والأفكار وكان لوجودي معظم الوقت وحيداً تحيط بي أجمل مناظر الطبيعة الحية وبساطة حياة الريف أكبر الأثر في إغناء تجربتي الروحية الفنية والفكرية فقمت بتجارب عديدة من الطبيعة مباشرة فرسمت معظم المشاهد المحيطة ببيتنا.
** أعطتني التجربة التجريدية شعوراً جديداً بالحرية في العمل ونضوجاً جديداً في الرؤية وكذلك مكانة بين فناني "اللاذقية" وقد دعم ذلك مطالعاتي الدائمة للدراسات التشكيلية واطلاعي على عدد لا بأس به من أهم الكتب عن الفن منها مثلاً (الفن سبيله وتأويله) بالإضافة إلى مجموعة كتب "كلية الفنون الجميلة" بـ"دمشق" خلقت عندي قدرة على تناول موضوعات الفن في الصحافة مدعوماً بمقدرة لا بأس بها من الناحية الأدبية لكن التجريد في الحقيقة لم يكن هدفاً لي بحد ذاته مثل معظم الفنانين الذين عملوا به خاصة وأن إحساساً بدأ يتكون لدي بأن شيئا ما يحدث تحولات في المشهد التشكيلي، وكأن الجميع يمشون باتجاه واحد وذلك التنوع الذي كان سائداً من قبل يتبدد عام (2002) اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كانت مشاهد قتل الأطفال والنساء من قبل الصهاينة تنتقل عبر الفضائيات والصحافة وتخلق توتراً وغضباً واشمئزاز فظيع وأمام العجز عن فعل أي شيء كنت أرسم بالأحبار (الأسود والأحمر) كتلاً من الوجوه المنقولة عبر الإعلام في فضاءات تجريدية تلمح لغيوم غاضبة تنتقل بحركة مائلة عنيفة غالبا وذلك على الورق المقوى وسرعان ما أصبح لدي ما يكفي لإقامة معرض خاص بالمناسبة فأقمت المعرض في صالة الباسل في "اللاذقية" أولاً ثم في المركز الثقافي العربي بدمشق.
** كنت أعرف مسبقا أن إعادة الفن التشكيلي للاهتمام بالقضايا الوطنية والإنسانية يعني بشكل ما عودة للفن الملتزم في أجواء تغيرت فيها كل المفاهيم التشكيلية ولاقى فيها الالتزام الكثير من الشتائم فقد أردت استباق الأمر ببيان أطلب فيه من الفنانين إذا كانوا يؤمنون بحرية الفن أن يحترموا خياري الحر فمن المعيب على الفن ألا يواكب مأساة إنسانية بهذا الحجم ،لاقى افتتاح المعرض ترحيبا جماهيرياً ورسمياً نادراً وكانت الصالة تغص بالحاضرين ومنهم مختلف ممثلي الفصائل الفلسطينية ولاقى كذلك كما توقعت ورغم البيان امتعاض بعض الفنانين لكنني كنت واثقاً وراضياً ومرتاح الضمير لما فعلت وهو أقل ما يمكن فعله وكان ذلك المعرض (نجوم الفجر الأسود) واحدا من ثلاثة معارض فقط حول الحدث أقيمت في "سورية" أحدها أقامته اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة والآخر لوحة كبيرة حاول الفنان"موسى رمو" إشراك أكبر عدد من الفنانين في إنتاجها لكن الأسماء المعرفة لم تشارك مع أن اللوحة جالت في مختلف محافظات القطر.
** معرض"المجمع الثقافي"في"أبو ظبي"عام (2007) أعاد التوازن لعملي كان موضوع المعرض آلات العزف الموسيقية تحت اسم (مقطوعات شكلية) قدمت فيه (49) عملاً فنياً بقياسات متوسطة وكبيرة حققت حضوراً مميزاً في الأوساط الخليجية فعادت "وزارة الثقافة والشباب" في "أبو ظبي" وأقامت معرض آخر لي بنفس الأعمال في العام التالي (2008) بمناسبة افتتاحها لقسم الموسيقى في الوزارة.