في معرضه الأخير في مقهى "جدل بيزنطي" لفت الانتباه إلى أن المادة الأولية للمعرض كانت هي الكراسي، بعضها منزوع منه قدم واحدة وبعضها اثنتان وبعضها ثلاثة وبعضها بلا أقدام !
الفنان "علي الشيخ" قدم في معرضه ذاك تشكيلاً بصرياً اعتمد على التداخل بين المادة الأولية واللون والموضوع، حيث بدت المادة الأولية حاضرة بقوة رمزيتها وبدلالاتها المتعددة وساعد طغيان التوهج اللوني الفاتح والحاد معاً على تقديم انطباعات يغلب عليها طابع التساؤلات والقلق المعرفي واللوني ويشد إليها في نفس الوقت ببساطة وحدة موضوعاتها.
لقد كسر الفنان "علي الشيخ" عاداتنا في حضور المعارض التقليدية بمجموعة كراسي معلقة على الجدران، ومن جلس عليها هي أسماك لاتستطيع معرفتها إلا إذا غصت مع الفنان في عمق البحر
مع الفنان والسينوغرافي "علي الشيخ" كان حوار موقع eSyria.
** نشأت فكرة الكراسي في لحظة احتراق للذاكرة في نار أضرمها والدي وبدأ بعدها برمي الكراسي المكسرة، في تلك اللحظة أنقذت ما تبقى منها وفكرت بإعادة صياغتها كقطعة ديكور يعيش فيها الفراغ أكثر مما هي لوحة بسبب هاجسي وبحثي دائماً عن البعد الرابع الذي لم أعرفه جيداً إلا في المسرح. المسرح أتاح لي مساحة الفراغ تلك وعرفني على هذا البعد المختبئ الذي لا تقدمه اللوحة، وهي أيضاً حالة مسرحية، حالة نهوض على مستوى إيقاظ الحلم المختبئ في النص المسرحي كما في الفرد، صدامية الواقع خلقت رغبة باتجاه عالم آخر أسعى لفهمه وهنا لجأت إلى استعارة مفردات من بيئة المسرح الحياتي كما من بيئة البحر، عمق المسرح والغوص في أعماق الفراغ المسرحي كما الغوص في البحر للبحث عن رحم أم جديد، عن عالم جديد، خط أفق يوازيه في الواقع نقطة بدء حيث تعاش هناك حالة الحلم وحالة الحوار مع كل ما يمتلكه العالم من كائنات بكل تفاصيلها.
** الكراسي تقاطع بين الحلم والواقع، عالم جواني يجمع بين عدة عوالم: عالم الفنان وعينه التي تتحاور مع الأشياء، ويشد هذه العين بعض المفردات القريبة من الواقع البشري المعاش، وعالم البحر ومفرداته الأولى السمكة وعينها، السمكة الكبيرة ذات العين المترقبة، والمفردة في العالم الموازي: الكرسي بكل أبعادها من كرسي جدي المتأرجح على قدمين تحت شجرة توت يراقب العالم إلى كرسي الوظيفة إلى كرسي وهمية كانت في حياة أبي كما في حياة كل فرد.
** عين الفنان هي عين مركبة، تعتمد مبدأ التحليل والتركيب، فالبحث في عالمين مختلفين عن نقطة التقاء هي الأنا أولاً، وكلا الطرفين على جانبي الأنا متشابهان فالسمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة، والكرسي عبر مسيرتها شكلت إغراءاً أبدياً للإنسان فأصبحت روحه معلقة بأربع أطراف خشبية وذلك قبل أن تكون الكرسي ديكوراً داخل المسرح.
** ليس بالضرورة، وأن يرضي الفنان أناه وهذه مهمة شبه مستحيلة هو أمر أهم قبل المتلقي، سيجد المتلقي طريقه لقراءة اللوحة دون الحاجة إلى معلم، يجب أن يترك الفنان للمتلقي حرية تفسير اللوحة دون أي تدخل منه، في مرحلة عملي كنت أترجم الإحساس بالعمل منطلقاً من الرهبة والمتعة التي أعيشها في عمق البحر، الكرسي أسرت السمكة في اللوحة وحولتـها إلى مفهوم جمالي، إلى مساحة اشتغال فكري وهي فقط نُقلت للعالم الخارجي الذي لا يختلف كثيراً عن عالمها المائي.
** المدرسة تأتي بعد الفنان وليس قبلها، عندما نحت "مايكل أنجلو" تماثيله أو رسم "فاتح المدرس ولؤي كيالي" لوحاتهما كانوا يعيشون حالة الحلم الخاصة بهم؛ ولم يكونوا يفكرون أو يهتمون أن أعمالهم ستصبح علامات فارقة في تاريخ الفن، أنا أقدم نفسي دائماً كمشروع فنان، قد أنتهي كفنان ولكن حتى تلك اللحظة سأكون أنا.
** علاقتي مع الفن جاءت من الاشتغال الذاتي بالدرجة الأولى، من هاجس الحرية التي يتملكني لأعيد صياغة حلمي وهواجسي في اللوحة وفي السينوغرافيا لاحقاً، وقد تعرفت على المدارس الفنية من خلال آراء الناس والنقاد، وبعضها لا أعرف عنه شيئاً إلى الآن. ساعدني في ذلك وجود أسماء فنية في مرحلة التعليم الأساسي قدمت لي أفقاً وطرقاً لرؤية العالم بشكل مختلف، الفنان النحات "ماهر علاء الدين" والفنان التشكيلي "مازن غانم" وآخرون، ليس لي مرجعيات ثابتة بغياب مراجع أكاديمية، وأعتمد على حضور المعارض ومشاهدة تجارب أكبر عدد من الفنانين، أقرأ دائماً مجلة الحياة التشكيلية والتي هي بحق علامة فارقة في تاريخ الثقافة الفنية السورية، ولكن أعتمد على القراءة البصرية كثيراً بدلاً من المكتوبة، فالعين أكبر معلم للفنان خاصة إذا خرجت من بيئتها الضيقة إلى اتساع المشهد، العين هي وقت متاح دائماً للفنان.
** عرضت في معارضي عدة لوحات لمواضيع متعددة تفاوتت موضوعاتها بين الذاتي وهو الهاجس الرئيسي والعام أو ما يمكن تسميته ظل الذاتي في الآخر، بعض اللوحات تجريدية وبعضها كما قيل لي رمزية، وتلقي المشاهد للوحة مناط به هو وليس لي علاقة بما يراه أو يعتقد أنه يراه، بالنسبة لي اللوحة كما قلت حالة حلم معاش تبدأ من اللون الأسود عادة "فهذا اللون أعمق أعماق الحلم"، من العتمة إلى الرؤيا داخل النفس، داخل المجهول، ضمن مساحات غياب الضوء التي يغير فيها امتلاء اللوحة بالأحمر كحالة بزوغ فجر جديد، يسيل الضوء هنا في اللوحة.
** إضافة ألوان أخرى على السواد يأتي دون تراتبية، يأتي حسب اللحظة النفسية في سياق إنتاج اللوحة، حسب الثقافة البصرية والمشاهدة العيانية للوحة كما لو كانت منتهية فقد تكون اللوحة في المتخيل شخصاً ولكنها على القماش قد تصبح شيئاً مختلفاً، الأشخاص في حياتي ألوان أما الخطوط هي مرحلة انتقال وعدم التطلع إلى الوراء.
** لا إنسان يوجد دون حب كما لا لوحة دون حب، لا يمكن الحياة دون الآخر الأهم في حياة الفنان أو الفنانة، العلاقة وجودية بالتبادل، حين تغيب الأنثى نخلق عالماً افتراضياً والمبرر ليس تقنياً، المبرر خبرة الحياة نفسها التي تخلق المعنى بوجود الآخر تبادلياً، تماماً كما أن الأنثى هي الأرض، الأم، الحلم، القطة، أي شيء في الكون.. ربما في لحظة المصالحة مع الذات وهي نادرة تتجسد الأنثى والحب معاً في العمل الإبداعي.
** أحلم أن أجسد وأعيش الفراغ، رغم عشقي للوحة إلا أنها لا تتسع لحلمي لذلك أشعر بالعدائية أحياناً تجاهها وأحاول إخراجها من لعبة البعدين سواء من خلال المادة أو الموضوع أو حتى اللون. السينوغرافيا فراغياً أقرب لمتخيلي من المساحة البيضاء المصمتة ففيها أنت تستحضر ما أمكنك من المتخيل لبناء عالم جديد يخرج من إهاب نص يبدو للوهلة الأولى ميتاً ولكن بالدخول في تفاصيله تبدأ العوالم بالتفتح، رغم أنه في المسرح الذي اشتغلت عليه يوجد فقر في المادة المطلوبة للوصول للسقف الإبداعي.
** أحلم أن أكتشف من أنا!!
من جهته الفنان التشكيلي "أسامة معلا" قال: «لقد كسر الفنان "علي الشيخ" عاداتنا في حضور المعارض التقليدية بمجموعة كراسي معلقة على الجدران، ومن جلس عليها هي أسماك لاتستطيع معرفتها إلا إذا غصت مع الفنان في عمق البحر».
الناقد التشكيلي الليبي د."فتحي العريبي" وفي معرض تعليقه على اشتغالات الفنان قال: «يطرح الفنان "علي الشيخ" في أعماله تجربة تشكيلية جديدة على مستوى الشكل الفني والمضمون حيث تؤطر مجموعة الكراسي أعماله الفنية في محاولة لتقديم قوالب وإطارات مبتكرة في هذا الجانب، وأيضاً لتسليط الانتباه على المفهوم الاجتماعي المجرد للكرسي والمرتبط وثيقاً بمفهوم السلطة في مختلف المجتمعات البشرية».
جدير بالذكر أن الفنان التشكيلي "علي الشيخ" من مواليد "اللاذقية" 1982 تخرج في مركز الفنون التشكيلية في "اللاذقية"، له مشاركات في عدة معارض فنية داخل سورية (2002-2009)، ومعرضان 2003 و2005 في المتحف الوطني (معرض الشباب الفني الأول والثاني– جماعي)، أقام معرض بعنوان (كراسي) 2009، يعمل في اللاذقية في سينوغرافيا المسرح، ومصمم ومنفذ ديكور عدة أعمال مسرحية، نفذ ديكور حفل افتتاح مهرجان المحبة 2007، وأشرف على سينوغرافيا مهرجان المونودراما المسرحي 2008 – 2009 مصمم عربة المسرح الجوال 2010، مصمم سينوغرافيا حفل البرنامج الغنائي (الميكرفون الذهبي)2009، حاز على جائزة أفضل سينوغرافيا في مهرجان فاس المسرحي الجامعي (المغرب) 2010، أعماله موزعة في (تركيا- السعودية - بيروت- تونس- سورية).