أكثر من مئتي ألف لقطة، وثلاثين عاماً من التصوير الضوئي على امتداد سورية واليمن وليبيا ومثلها في تدريس اللغة الإنكليزية، وأكثر من ثلاثين معرضاً في أماكن مختلفة داخل الوطن وخارجه، جائزة مجلة العربي الكويتية للتصوير الضوئي عام 2008، وغيرها الكثير من الأعمال والصور الفريدة جداً الموزعة على أرجاء العالم، تلك هي حصيلة أولية للمصور الضوئي "عبد الحميد هلال".
اليوم يعتبر الفنان "عبد الحميد هلال" واحدا من قلة من المصورين الضوئيين في اللاذقية، وتشكل معارضه فرصة لعشاق التصوير الضوئي لالتقاط خفايا الصورة والتعلم على كيفية التقاط لحظات الزمن الهاربة من عين الكاميرا، وهو على ما يقول الفنان الضوئي "مصعب حسن" قد درب عينه على غسل كامل المشهد البصري لإعادة صياغة اللقطة بما يتناسب مع المساحة والفكرة والزمن معاً، أما الفنان التشكيلي "علي الشيخ" فقد أضاف أن صورة "عبد الحميد هلال" تجعل من الصعوبة بمكان أن تغادرها دون ان تهز رأسك متسائلاً عن تلك الجمالية المخفية في أعمال الطبيعة والتي تدير نفسها باقتدار يجعل من الطبيعة المعلم الأول في كل الفنون الإبداعية.
أنا لا أقوم بمعالجة الصور أبدا ولكن هناك اختيار لأفضل اللقطات ومن ثم تصنيفها حسب الموضوع، من ثم أقوم بتحديد القياس الذي سوف تطبع به الصورة وهذا الأمر تحدده الصورة نفسها والمكان الذي التقطت به فالأماكن الواسعة المفتوحة تحتاج إلى مساحات طباعية كبيرة على خلاف الأزهار أو اللقطات ذات الموضوع البسيط فهذه تحتاج لمساحات أقل
الفنان الضوئي عبد الحميد هلال من مواليد الدالية عام 1947 حاصل على إجازة في اللغة الانكليزية وآدابها من جامعة دمشق عام 1970، بدأ التصوير بكاميرا مينولتا في ليبيا حيث كان موفداً للتعليم هناك عام 1979، وحين عاد إلى الوطن في العام التالي تابع عشقه للكاميرا فبدأ بتصوير الأماكن المحيطة بالقرية ومن ثم وسع رحلاته لتشمل القرى والجبال المحيطة بقريته ومن ثم كل الأراضي السورية.
وخلال إيفاده إلى التدريس في اليمن الشقيق قام هناك بتصوير منطقة "صعدة وتعز" وريفهما في صور أصبحت مرجعاً لدراسة طبيعة تلك المنطقة والتغيرات التي طرأت عليها بعد غزو البناء والعمار لتلك المناطق والسيول التي جرفتها، ومن أشهر تلك الصور صورة لشجرة لبان عربي (صمغ) يبلغ قطرها ما يزيد على المترين.
يحدثنا الفنان هلال عن تجربته فيقول في حديث لموقع eLatakia: «بدأت بشكل رئيسي بالتقاط صور الناس والطبيعة، الناس بما هم عليه دون تزويق ولا تنميق، الناس وهم يعملون في الأرض، وهم يحصدون وهم يزرعون وهم يقطفون مواسمهم أو يعمرون بيوتهم، والطبيعة في تقلباتها وتغيراتها خاصة عندما تظهر منحوتاتها من صخر وجليد وشجر يعجز اكبر النحاتين عن تقديم لوحات أجمل منها، الطبيعة تستهويني جدا، وهي أكثر المناظر التي أقوم بتصويرها وفي مختلف الفصول، عندما يتجمد الماء في الجبال وتبدأ الطبيعة بنحت لوحاتها أو عندما تبدأ الطبيعة ببث روح الحياة تحت الأرض فتظهر النباتات والزهور من شقوق الصخر والجلد».
ويتابع الفنان هلال حديثه فيقول: «عند عودتي إلى سورية في أواخر الثمانينيات أقمت أول معرض للتصوير الضوئي في مهرجان المحبة عام 1991 حيث قدمت لوحات للطبيعة والناس لاقت إعجاب المشاهدين، ورغم أن الصور من بيئة يعرفها كل الناس إلا أن فنية الصورة وطريقة التقاطها وزاوية الصورة إضافة إلى اللحظة التي التقطت فيها وهي ما لا يتوافر للجميع جعلت من المشاهدين يعتقدون أن الصور لمناطق ليست في سورية، ولكن مع التوضيح والشرح تبين للجميع أن هناك في بلادنا مناطق لن تجد أجمل منها على سطح الأرض».
الفنان هلال أقام معرضه الثاني في الهواء الطلق في قريته ضمن الاحتفال بعيد الجلاء، ثم تتابعت معارضه في جبلة والدريكيش والسقيلبية وفي دمشق في المركز الثقافي العربي والروسي وخان أسعد باشا وحلب والرقة وغيرها من المناطق، وشارك مع نادي التصوير الضوئي السوري في معارضه في الأردن وألمانيا ونيوزيلاندا وقريباً في باريس، وآخر معرض أقامه كان في المركز الثقافي الإيراني في اللاذقية.
وعن اللقطة التي تستحق أن يخلدها، وما شروطها، وكيف يتعامل مع المشهد البصري أجاب الفنان هلال: «اللقطة الهاربة التي لا تتكرر تفرض نفسها على عين المصور اللماح، هناك لحظات تقدمها الطبيعة كما يقدمها الناس أحياناً تجعل من اصطيادها بالمعنى الحرفي للكلمة أمراً يجب على المصور القيام به دون أدنى تأخير، وهذه اللقطات موجودة دائماً في الطبيعة وبين الناس، وهذه الثنائية بالنسبة للمصور الضوئي هي كامل مساحته الإبداعية، فمثلاً عندما تقف فراشة على زهرة، على المصور أن يحاول ما أمكن أن تكون الصورة مأخوذة من زاوية مناسبة مع العدسة المناسبة إضافة إلى السرعة في الالتقاط وإلا فقد يفقد الصورة».
لا تفارق الكاميرا الفنان هلال في حله و ترحاله فقد أصبحت جزءاً منه، هذه الكاميرا (العادية) مع عدساتها المختلفة والزوم الكبير لها يرفض الفنان هلال استبدالها بكاميرا رقمية، رغم الوفر المادي الذي تحققه هذه النوعيات من الكاميرات فهي لا تحتاج إلى أفلام ولا إلى تحميض ولا إلى غرف خاصة إلا أن الفنان هلال يرى أن الفنان الضوئي يجب أن يتمتع باستخدام ثلاثة عناصر متكاملة في الصورة: العين واليد والكاميرا كي تستحق صورته الخلود، حيث يقوم بتعيير البعد والزاوية ونسبة الضوء كي يظهر إبداعه وفنه، فالكاميرا الرقمية تقوم بكل هذه المهام ولا يبقى من المصور سوى ضغط زر الالتقاط.
ويتابع حديثه عن الصورة ومعالجتها فيقول: «أنا لا أقوم بمعالجة الصور أبدا ولكن هناك اختيار لأفضل اللقطات ومن ثم تصنيفها حسب الموضوع، من ثم أقوم بتحديد القياس الذي سوف تطبع به الصورة وهذا الأمر تحدده الصورة نفسها والمكان الذي التقطت به فالأماكن الواسعة المفتوحة تحتاج إلى مساحات طباعية كبيرة على خلاف الأزهار أو اللقطات ذات الموضوع البسيط فهذه تحتاج لمساحات أقل».
إضافة إلى التصوير الذي أصبح شغله الشاغل بعد تقاعده من التدريس يكتب الفنان هلال الشعر باللغتين العربية والإنكليزية، ويقرأ كثيراً ولكنه يعود أبداً إلى صديقته التي لم تفارق كتفه منذ ثلاثين عاماً فأكثر يحدثها عن الطبيعة فهي تتحدث في كل الفصول بلغة الريح والرعد والبرق والخريف والربيع وتشكيلات الصخور والأشجار وأحياناً وأخيراً الإنسان.